زمننا العراقي الكريم... هل أضعناه أم هو الذي أضاعنا؟؟!!
    الخميس 14 يناير / كانون الثاني 2021 - 21:31
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    عراقنا الكريم كان أشبه بنهر صغير لماء طهور يمنحنا العافية والكبرياء ،وكان شعبنا قانعا بحياته البسيطة بفضل الله تعالى ورحمته . وهكذا بقينا نتوارث حبنا ووفاءنا لهذا الوطن الذي كان مفعما بكل الخيرات والبركات. زرعنا على ضفافه أعظم امانينا ، وكتبنا في عشقه أجمل قصائد غزلنا. ودافعنا عن حياضه وحميناه بدماؤنا من كل الشرور.  وكانت شعوب الدنيا تحسدنا وتفغر افواهها دهشة على تأريخنا التليد. 

    ولكن ، ولسوء الحظ ، لم تستمر تلك العلاقة المباركة الحميمة مع نهرنا ، حيث أغرتنا أمراض وجشع السياسات فجعلت منا اوغادا، فكفرنا بنعمة الله تعالى ، فراح نهرنا المقدس يعتريه الجفاف. ومنذ ذلك الحين ونحن نشرب من ماء طينه بعد أن كان ماء نهرنا زلالا ومصدرا لعافية وسعادة الجميع!!  

    كان ايماننا بالله العظيم وبوطننا أعظم حقيقة نعيشها. ففي كل مساء، عندما كنا أطفالا صغارا، كانت ارجاء بيوتنا في كل مساء تعط بعطر البخورالساجي لتغمرنا بنشوة وتفاؤل . كما ونجد في انصاتنا العميق بادعية امهاتنا الحانيات في الصلاة ، طمأنينة ورضا عن دنيانا الطيبة معنا. وعندما كنا نخلد للنوم ، تظل تحوم في اعماقنا أصداء ذلك الصوت الحاني المتضرع لله تعالى ، فنستقبل احلامنا المفرحة. تلك الايام المباركة ما نزال نستذكرها بأعمق غصة من حنين ولوعة ، ولا تنفعنا الحسرات بعد هجرها جحودنا ببركاتها. لقد كانت حياتنا  تلك على الرغم من بساطتها وعفويتها، ربما اكثر بهاءا ومعنى وانسانية من كل ما أودعته فينا هذه التكنولوجيا المعاصرة من خدمات مذهلة ، لكنها أيضا، سلبت منا الكثيرمن التزاماتنا الدينية ووالوطنية والاخلاقية والتراثية ، فكانت النتيجة، اننا نكاد نجزم ، ان لا عراقي اليوم يستطيع أن يستشعر طعم أي سعادة في حياته . فحتى نحن من نعيش اليوم خارج اسواره، لكن احداثه المؤلمة تمنحنا حزنا ، تماما كما كنا نعيش فيه ! فقد تحولت الحياة العراقية اليوم مجرد صراعات من اجل البقاء على قيد الحباة فقط. أذ لم يكن يدور بخلدنا يوما، ان أن هناك من سيتخلون عن دينهم وشرفهم والتزاماتهم الدينية والاخلاقية ليصبحوا خونة ولصوصا وعبيدا للمال وخدما لايران . فأي غبي هذا الذي يتخلى عن دينه وايمانه وورعه من اجل حياة فانية وهو يعلم ان من وراءه عذاب جهنم الابدي؟؟ 

    وشعبنا العراقي  خير مثل لاكثر تجارب العالم مرارة ودمارا من خلال ضياع ارادته نتيجة تسلط احزابا سياسية بدأت بعد سقوط النظام الملكي وتبنت عقائد وولاءات لدول اجنبية كبرى فغزت مجتمعنا حتى افقدته صوابه. فكانت بعض تلك الاحزاب منذ ذلك الحين ، تحاول ايهام شعبنا انهم سوف يستطيعون تحويل العراق ليصبح بمصاف تلك الدول "ألغربية" السائدة في العالم من خلال تطبيق نظريات اشتراكية كوسيلة للحياة الجديدة !! ولكن هؤلاء كانوا يدركون جيدا ، ان حتى الاتحاد السوفيتي نفسه لم يستطع من تطبيق مباديئ الاشتراكية كاملة، وان الشعب السوفيتي ليس من بين سعداء العالم.  وهكذا لم يعد للشعب العراقي في حياته اليومية سوى التظاهرات والمسيرات لذلك الحزب. ثم جاء من بعد ذلك رجلا مجنونا بشهوة وحب السلطة حيث كان يعاني من فشله في الحياة والمدرسة، فتبنى ممارسات الجرائم وتصفيات كل من يقف في وجهه أو من يعارض ارادته كنوع من تعويض لفشله الحياتي. فكان ذلك الانسان الدموي من اكثر خلق الله تعالى استهتارا بحياة شعبنا. 

    تلك الاحزاب وما تبعها من احزاب اخرى والتي راحت تمارس ذات الارهاب والطغيان ضد اعدائها ، أن كانت النتيجة، أنها جميعا أغرقت عراقنا بانهار من دماء وفوضى واستباحات للكرامات والذمم ، فكانت نهايتها سقوطا سياسيا مدويا، وتقهقرا في استنساخها للنظريات الغربية. فكانت النتيجة خسارات فادحة اخرى لحياتنا التي تواجه مثل هذه التحديات . 

    فكعراقيين ، كنا سعداء قانعين ببساطة حياة لكننا لم نمنحها حق ما تستحقه من احترام وتبجيل. فكانت بالمقابل انها قد تخلت عنا . ولكن المشكلة الكبرى في حياتنا الان والباقية معنا حتى يحكم الله تعالى بامره، أننا الى الان ، لم نعبئ بتلك الدروس والعبر لما نواجهه من قسوة الحياة ووقوفنا ضد بعضنا البعض . فلم نتعلم شيئا من تجاربنا ، ولم نستفد من العبر تلك التي عانيناها او لا نزال نعانيها أي شيئ يذكر!!  فها هو اليوم عراقنا أسيرا لميليشيات لا ولاء لها لعراقنا [ل أن همها الوحيد ان يبقى العراق البقرة الحلوب لايران , فهم لا يبالون بقتل كل من يقف في وجههم . ولا يزالون عابثين بوطننا العراقي من اجل ان تزداد هيمنة هذا الغزو الايراني الجاحد .

    كما وأن من بين اكبر ألخطايا بحق شعبنا، أن العراقيين جميعا يدركون أن الحكومات العراقية التي جاءت بعد سقوط نظام صدام ، متهمة بالعمالة الخارجية ، وان كانت ولا تزال لا تبالي في المزايدات عن وطنياتها ونضالاتها ، باستثناء حكومة الدكتور أياد علاوي، الذي كان من "الشجاعة" ، انه اعترف بنفسه في التلفزيون العراقي ، انه كان "عميلا" لاكثر من اربعة عشر دولةا!!. فتلك الحكومات التي جاءت بعد 2003، تعلم جيدا ان بعضا من وزرائها وكبار موظفي الدولة وحتى بعضا من أعضاء البرلمان ، كانوا لصوصا . فكان بامكان رؤساء تلك الحكومات وبما تملي عليهم ضمائرهم ومخافة الله تعلى ، التحرك ضد هؤلاء اللصوص من اجل ألامانة الوطنية وقيم وشرف المهنة.  ولكن رؤساء تلك الحكومات لم تكن تمتلك النزاهة الكافية ولا التحلي بالمسؤوليات لمواجهتهم ، بسبب ان هؤلاء اللصوص كانوا اعضاءا في تلك الاحزاب السياسية الدينية وغير الدينية التي كان هؤلاء رؤساء الحكومات والوزراء قياديون فيها. وان فضحهم سوق يقضي على سمعة هؤلاء القادة . وهكذا ، راحت تلك الحكومات تدير وجوهها نحو الجهة الاخرى، فكان ذلك، تواطئا وقبول لما كان يحصل وما حصل للعراق من هذه الويلات ، بعد ان أمن هؤلاء العقاب!! 

    أن عراقنا الغالي وللاسف، سوف لن يعود ابدا الى ماكان عليه من سمعته بين الاوطان النزيهة ، وسوف لن يخلوا من مغامرين ضده ، ان لم تتبع الحكومات الجديدة بعد الانتخابات القادمة نهجا حاسما مع كل من يحاول التصدي للاوضاع الجديدة التي يبني شعبنا عليها امالا عظيمة.  كما وأن شعبنا سوف لن يغفر للمتواطئين من رؤساء تلك الحكومات ، وسوف لن يعيد مجده التليد الضائع وحياته الكريمة تلك طالما بقيت الحكومات العراقية متهمة بالشراكة مع اؤلئك اللصوص ممن سمحت لهم بالهرب مع اموال شعبنا الى الخارج، ولم تبالي حتى بكشف اسماؤهم كلصوص "وكأضعف الايمان".    

     تلك ألازمان الطيبة التي كنا نعيشها بيسر قد خذلتنا ، وغادرتنا بغير وداع . لقد حلت علينا بدلا عنها وجوها لا تشبهنا ولا تشبه اخلاقنا كعراقيين. فكل اهدافها أن تبقى ايران تنهل من ثروات عراقنا ، على الرغم من ضألة ما تبقى لشعبنا من خيرات. فهي لا تبالي حتى باغتيال ابناءنا العراقيين ممن يطالبون بحقوقهم وسلمية اهدافهم ، لان هؤلاء يدركون ان شعبنا لم يعد يعتبرهم من بين ابناءه البررة . 

    واليوم ، وبكل أسف، عندما نستحضر في اذهاننا ذكريات ايامنا الطيبة البعيدة الماضية، ونمني انفسنا بعودتها الينا ثانية، ندرك أننا كمن يبحث عن "إبرة" في اكوام القش. فعراقنا الذي كان يوما فريدا من بين ازمان كثيرة عشناها منذ أن هجرناه ورحل عنا ببهجته تلك ، ولم نجني من بعده سوى الحسرات وألاسقام  والذكريات المرة . 

    نسأل الله تعالى ان يعيد لنا مجدنا العراقي من هذا ألاسر الذي يعيشه، فهو ثمن الخيانات وحوباء كل من لا يزال يعيش مظلوما من شعبنا.  

    حماك الله يا عراقنا السامق...

    January/14/2021

       

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media