العمى العقائدي!!
    الأحد 24 يناير / كانون الثاني 2021 - 07:01
    د. صادق السامرائي
    إضطراب إدراكي وخيم يتسبب بتداعيات خطيرة , تصيب الأفراد والمجتمعات والأمم , وهو نوع من الوهم الذي يتسيّد على الرؤى والتصورات , ويسوّغ السلوكيات المتصلة به.
    ويصيب الأحزاب والمجموعات والفئات والحركات العقائدية , ويؤدي إلى موتها ودمارها , فالحزب الشيوعي الروسي قضى عليه العمى العقائدي , وكذلك أحزاب أخرى , لكن الحزب الشيوعي الصيني نجا ,  لأنه مال للواقعية أكثر منه إلى العقائدية , فكانت خطواته وقراراته مبنية على دراسات وأبحاث وإستنتاجات عملية واضحة.
    والعمى العقائدي يتأكد في الأحزاب والفئات المؤدينة ويجعلها أخطر الحركات , ويدفعها لإرتكاب أبشع الجرائم والآثام لأنها عمياء , وتحسب فعلها الأفضل والمعبر الأصدق عن عقائدها مهما كان نوعها.
    فالأحزاب المؤدينة والعقائدية لا ترى جرائمها ضد الإنسانية على أنها سلوك خاطئ , وإنما عقائدها تبررها , ولهذا تاتي بما يتنافى مع أبسط القيم والمعايير والمبادئ , التي تنطق بها وتنادي بإتّباعها , فتقوم بأعمال وحشية لا مثيل لها , لأن فيها التعبير الأمثل عن عقيدتها.
     فلا يمكن مواجهة الأعمى عقائديا بما يفعله , لأنه يحسبه واجبا وفرضا , ولهذا تجدنا أمام سلوكيات شنيعة حمقاء في هذه الأحزاب والحركات.
    فهي صاحبة الحق الأوحد والحقيقة المطلقة , وغيرها على خطأ وهو الآثم والمجرم , وهي التي تقيم العدل وتصنع الحياة الحرة الكريمة الصالحة , وتنفذ أمر ربها بخلقه الفاسدين , والآخرون الذين يعارضونها يريدون حياة ذات آثام وخطايا ومَظالم.
    وهو منطق جنكيز خان وهولاكو , والقِوى التي فتكت بالبشرية على مر العصور.
    فجرائم الإبادة الجماعية لا تُعتبر جرائم في نظرها , والإعتداء على حقوق الآخرين , تبرره بما عندها من هذيانات وأوهام.
    وهذا ينطبق على الدول العقائدية , التي لا ترى أي سوءٍ فيما تقترفه في غير بلادها , بل تعبيرا صحيحا عن عقيدتها , فلا يمكن أن تواجهها بما فعلت  , لأنها تبرره بقوة بخطابات وتصريحات وفتاوى عقائدية صرفة , ولهذا فأن الذي يعترض على سلوكها يُعتبَر عدوا لها.
    ووفقا لمعطيات التأريخ فأن العمى العقائدي يُردي أصحابه , ويأخذهم إلى نهايات وخيمة , لأنهم يحاربون أعداءً وهميين ويهملون الواقع ,  كما حصل للأنظمة العقائدية , التي تهاوت على عروشها في لحظة حامية من الزمن.
    فهل من واقعية بدلا من العقائدية؟!!

    د-صادق السامرائي
    2582018
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media