(الحلقة الأولى) شيء من النقد... هل حَوّلَ النّبيُّ الشّعرَ الجاهليَّ إلى آياتٍ قرآنيّة؟ تحليل نقدي لغوي لنص مدسوس على امرئ القيس
    الثلاثاء 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2021 - 15:29
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    كتبت لي الأستاذة جميلة الغريري من العراق أنها قرأت مقالا للكاتب (...) يقول إن القرآن فيه كثير من أبيات الشعر الجاهلي أخذها النبي ووضعها في القرآن وأنها قرأت ردودا عليه تعتمد روايات فلم تقتنع. وذكرت المثال التالي، وطلبت رايا نقديا وموقفا:
    * قال الكاتب إن النبي كان يعشق الشعر ولذلك أخذ أبياتا من شعر الجاهليين ووضعها آيات في القرآن. وأهم شواهده على ذلك قول امرئ القيس:
    دنت الساعة وانشق القمر/ عن غزال صاد قلبي ونفر
    مر بي يوم العيد في زينة/ فرماني فتعالى فعقر
    بسهام من لحظ فاتك/ فزعني كهشيم المحتضر
    بالضحى والليل من طرته/ فرقه ذا النور كم شيء زهر
    قلت إذا شق العذار خده/ دنت الساعة وانشق القمر
    *****
    *** جوابي:
    قبل أن أناقش ذلك النص، أقول: إن الآية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) تتحدث عن علامات يوم القيامة. وقد قلدها عدد من الشعراء منهم إخوان الصفا في رسائلهم.
    أما هذا الشعر المنسوب لامرئ القيس (وسنبين في الحلقة الأخيرة مصدره الأصيل) فهو مختلّ عروضيا، ومضطرب معنويا. والذي نظمه يجهل الشعر، وخصائص قصائد كل شاعر من شعراء العرب. ويتجاهل كاتب المقال (أو يجهل) أثر البيئة على الشعر، واثر الصراع بين أتباع الديانات. ولا أرى هذا إلا متابعة للقائلين بأن القرآن صورة أخرى من التوراة، والقائلين إنه أخذ أشعار الشعراء النصارى، مفترضين أن امرأ القيس وأضرابه كانوا نصرانيين ولم يكونوا وثنيين.
    هل من عاقل يصدق أن امرأ القيس المعروف بجزالة اللفظ وبلاغة التركيب والميل إلى الصور المغرقة في بداوتها مثل:
    وَتَعْطو برخَصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّه
    أساريعُ ظبي أو مساويكُ إسحلِ
    يمكن أن يقول الهذيان المذكور في الأعلى؟
    فتلك الأبيات المنسوبة لامرئ القيس، حمقا أو جهلا، أو تقصّدا لغاية في نفسِ مَنْ زعمها، إضافة إلى خللها العروضي والفني، تختلف اختلافا جذريا عن نهج امرئ القيس في الشعر، وهي وليدة بيئة حضرية ضعفت فيها اللغة إلا لدى الفصحاء، ولذلك جاءت كأية محاولة بائسة لتقليد نهج مترف شاع في العصر العباسي مثل قولصريع الغواني مسلم بن الوليد:
    مُوفٍ على مُهَجٍ في يوم ذي رَهَجٍ
    كأنّه أجلٌ يسعى إلى أملِ
    وغيره من لطيف الشعر وجميل الكلام.
    وننظر الآن في القيمة الفنية لذلك المنسوب لامرئ القيس على الرغم من اقتناعنا بأنه أقرب إلى التخليط والهلوسة منه إلى أية قيمة من قيم فنّ الشعر:
    نلتقي في الحلقة الثانية غدا، إن شاء الله..
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media