انعدام الشفافية واصرار وزارة النفط على عدم نشر نص ما تم التوقيع عليه يوم اعلان تأسيس شركة البصرة للطاقة قد ساهم في اثارة العديد من التساؤلات المشروعة والدعوة لضرورة التحرك القانوني لحماية حقوق ومصلحة العراق. وقد تعمقت الضبابية حول الصفة القانونية والتعاقدية لهذه الشركة الجديدة بسبب تباين العديد من التصريحات والمواقف الرسمية من داخل القطاع النفطي التي ظهرت للعيان خلال العشرة ايام اللاحقة لإعلان التأسيس.
متابعتي للموضوع أظهرت وجود ثلاث مجموعات من التصريحات الرسمية التي اتسمت في البدء بالمبالغة والاجواء الاحتفالية ثم اخذت ما يشبه التنصل وانتهت، حاليا، باقتصار الاشارة الى الشركة الجديدة بثلاث كلمات فقط!
برزت المجموعة الاولى من المواقف الرسمية يوم 24 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي؛ وتم التعبير عنها في تصريحات وزير النفط وبما ورد في بيان المكتب الاعلامي في الوزارة. وفي ضوء ما ورد في تصريحات الوزير وبيان المكتب الاعلامي فقد كتبتُ بتاريخ 28 نوفمبر مداخلتي المُعَنونة " مستعجل جدا ومهم للغاية.. اين مصلحة العراق في شركة البصرة للطاقة يا وزارة النفط " والتي تم ارسالها بشكل مباشر الى عدد كبير جدا من كبار المسؤولين في السلطات السيادية الثلاث وغيرها من التشكيلات الرسمية الاتحادية وفي وزارة النفط والشركات التابعة لها والى العديد من الخبراء والاكاديميين والباحثين والسياسيين والنواب والمعنيين بالشأن النفطي ووسائل الاعلام والمواقع الالكترونية. وقد ابلغتني احدى الاخوات في بغداد بانها ارسلت مداخلتي تلك الى رئيس الادعاء العام.
لا انوي تكرار ما ورد في مداخلتي المذكورة اعلاه ولكنني اجد من الضروري اضافة الملاحظات المهمة التالية ذات العلاقة بموضوع الشركة الجديدة. الاولى، ان تصريحات الوزير وما ورد في بيان المكتب الاعلامي بتاريخ 24 نوفمبر الماضي ارادت ان تترك الانطباع وكأن شيء مهم ومؤثر للغاية قد تحقق بتأسيس هذه الشركة والذي يمكن ان يسجل على انه انجاز غير مسبوق، بنظر الوزارة ومن صرح في حينه (ارجو الرجوع الى والاطلاع على تلك التصريحات)؛
والثانية هو تصريح "الكليشة" المتكررة بغير محلها حيث "اشادت رئيس هيأة الاستثمار الوطنية سهى داود النجار بهذه الخطوة التي عدتها ذو اهمية كبيرة لتنمية الاقتصاد الوطني، مشيرة ان العراق ارض خصبة لجذب الاستثمارات لتنفيذ مشاريع بكافة القطاعات." ويبدو انها لم تطلع على خلفيات الموضوع او لم تستوعبه بشكل جيد؛
اما الملاحظة الثالثة فتتعلق بما رافق توقيع تأسيس الشركة من "عروض فنية واناشيد وطنية قدمتها الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي، اضافة الى عرض تراثي فلكلوري لدار الازياء العراقية". ان هذه الاحتفالية، غير المبررة، تؤكد ما ورد في الملاحظة الاولى اعلاه.
ظهرت المجموعة الثانية من المواقف الرسمية خلال المؤتمر الصحفي لشركة نفط البصرة المنعقد يوم 1 كانون اول الحالي.
زودني مشكورا احد الاخوة من العاملين في القطاع النفطي في مدينة البصرة بالتسجيل الصوتي للمؤتمر محملا على الفيسبوك. استمعت الى تسجيل المؤتمر لأكثر من مرة للتاكد من ما قيل ومن قاله، علما بانه لم يتم لغاية تاريخه تحميل تسجيل المؤتمر على الموقع الرسمي لشركة نفط البصرة.
المتكلمون في المؤتمر هم كل من مدير عام الشركة خالد حمزة عباس وم م ع لشؤون النفط والموازنات احمد فاضل اديهم و حسن محمد حسين م م ع لشؤون عقود النفط وجولات التراخيص.
على قدر تعلق الامر بشركة البصرة للطاقة فان اهم ما عرضه المسؤولين الثلاثة:
1.ان تاسيس شركة البصرة للطاقة جاء بطلب من شركة بيبي وهو اجراء اداري يتعلق بالشركتين فقط وهما بيبي وبتروجاينا؛
2.الامر يتعلق بقانون تسجيل فروع الشركات الاجنبية؛
3.بقاء جميع شروط عقد الخدمة لحقل الرميلة كما هي دون تغيير يؤثر على مصلحة العراق؛
4- تضمن الشركات الام (بيبي وبتروجاينا) استمرار تنفيذ شركة البصرة للطاقة عقد الخدمة لحقل الرميلة؛
5- حصول تغيير طفيف في حصص الشركتين لصالح الشركة الصينية لتصبح 51% وبيبي 49%.
اما مجموعة التصريحات الثالثة فهي لوزير النفط ذاته. فقد صرح الوزير في برنامج العاشرة مع كريم حمادي على قناة العراقية الرسمية مساء يوم الاثنين 6 كانون اول 2021 ان شركة البصرة للطاقة "ضمان التمويل فقط" لحقل الرميلة، دون ان يوضح!!!!!!!! هذه الكلمات الثلاث فقط لوزير النفط في مقابلة امتدت لساعة كاملة لا تقارن، من حيث الشكل والمحتوى والجوهر والانطباع، بخطبته الرنانة المشحونة بشعور الانجاز غير المسبوق يوم 24 تشرين ثاني الماضي- يوم توقيع تأسيس شركة البصرة للطاقة.
ان صح ما عرض في مؤتمر شركة نفط البصرة اعلاه فان هذه المعلومات تختلف وتتعارض مع ما ذكر في بيان الوزارة وفي تصريحات الوزير يوم 24 تشرين ثاني في حفل تأسيس الشركة الجديدة؛ فجوهر الموضوع ذا طابع تنظيمي اداري فقط ويتعلق بالشركتين الاجنبيتين- بيبي وبتروجاينا.
اما الجانب المالي فانه يعني زيادة مساهمة بتروجاينا من (46.6267%، بموجب التعديل الاول بتاريخ 4 ايلول 2014 لعقد الخدمة لحقل الرميلة) الى ( %47.94) وانخفاض مساهمة بيبي من (%47.6267) الى (%46.06) مع بقاء حصة الشريك الحكومي – سومو على حالها وهي (6%).
فكيف وهل تضمن هذه الزيادة الطفيفة جدا، وهي بحدود 1.3 نقطة مئوية فقط، في مساهمة بتروجاينا الى " ان شركة البصرة للطاقة سوف تتمتع بمرونة عالية لتمويل مشاريع تطوير حقل الرميلة وصولاً الى انتاج الذروة " و " ان تأسيس شركة البصرة للطاقة خطوة مهمة نحو تعزيز التمويل المالي لتنفيذ خطط الشركة لتطوير الحقل " و " ان تأسيس الشركة يهدف الى تامين التمويل المستدام لمشاريع تطوير حقل الرميلة النفطي" كما ورد في بيان الوزارة؛ فهل في الامر "ضحك على الذفون" ام ترويج غير مبرر لإنجاز وهمي ام "بالونة اختبار" لتغيير عقود جولات التراخيص لصالح الشركات النفطية الاجنبية لإقناعها باستمرار العمل في العراق ام هو جزء من جهود البقاء في المنصب الوزاري ضمن الحكومة الجديدة ام بعض او كل ذلك!!
ختاماً؛ في الوقت الذي أأكد فيه على ما ذكرت في مداخلتي السابقة المشار اليها اعلاه فإنني ارى:
اولا: على وزارة النفط نشر نص ما تم التوقيع عليه؛ فهذا ما هو إلا التزام على وزارة النفط بموجب متطلبات الامتثال لمبادرة الشفافية في الصناعة الاستخراجية؛ ومن الجدير بالذكر ان وزير النفط هو رئيس مجلس مبادرة الشفافية في العراق وعليه الايفاء بالتزاماته القانونية الدولية في هذا المجال؛
ثانيا: يتطلب ما تم التوقيع عليه بشان تأسيس شركة البصرة للطاقة، مهما كان نوعه ومبرراته، اجراء تعديل على العديد من مواد وملحقات عقد الخدمة لحقل الرميلة، بل وحتى الصفحة الاولى من هذا العقد؛ فجوهر الموضوع تعاقدي حتى وان كان ذا طبيعة وضرورة تنظيمية ادارية؛
ثالثا: على وزارة النفط نشر تعديل العقد، المشار اليه في "ثانيا" اعلاه، في موقعها الالكتروني وتزويد مجلس النواب بنسخة رسمية لتعديل عقد الخدمة لحقل الرميلة كي يتاح لمجلس النواب ولجانه المتخصصة ممارسة دورهم الرقابي حسب ما يمليه ويتطلبه الدستور النافذ؛ خاصة وان انتاج حقل الرميلة يمثل اكثر من ثلث انتاج العراق حسب بيانات وزارة النفط.
ارجو نشر وتوزيع هذه المداخلة الى اوسع نطاق ممكن لتعميم الاطلاع على ما يجري في القطاع النفطي العراقي.
11 كانون اول 2021