الإسلام السياسي ضدّ إزدهار الحياة!
    الجمعة 17 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 12:37
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    مليون سبب يُبرّر لي عنوان هذه الورقة!
    أقلّها هذا التخلّف والتراجع الحضاري والإقتصادي ,ناهيك عن غياب رفاهية الشعوب في جميع البلدان التي يُمارس فيها الإسلام السياسي صولاته وجولاتهِ وتدخلاتهِ الكُبرى في حياة الناس!
    كلّ مواطن بريء يُقتل على آرائه ومعتقداته ,بل كلّ فقير مُعدَم يُعاني من شظف الحياة ,ستجدون الإسلام السياسي يقف خلف ذلك بصورةٍ ما .
    إنظروا خارطة العالم ,ثمّ حدّدوا الدول ذات الغالبية المُسلمة ,ثمّ ركزوا على الدول التي يتسيّد فيها (الإسلام السياسي وليس الإسلام كدين شعبي مُسالِم).
    ستجدون التالي بوضوح :
    معظم شعوب تلك الدول يرزح تحت خط الفقر العالمي ,غالبيتهم مُستعدين للمُجازفة بحياتهم في سبيل الوصول الى البرّ الأوربي العِلماني ,الذي لا يفرق بين البشر على إختلاف أديانهم وأعراقهم!
    أغلب المهاجرين الذين نسمع عنهم قادمين من الدول التالية:
    أفغانستان ,باكستان ,الصومال ,إيران ,العراق ,سوريا ,وبعض الدول الأفريقية بالطبع!
    المشترك الأبرز بين هذه الدول هو التخلّف الذي أصابها بسبب سيطرة الإسلام السياسي مباشرةً ,ثمّ الديكتاتورية والفقر الإقتصادي وهذا مردّهُ للفساد والجهل غالباً!
    على كلٍ لن اُطيل بمقدمتي ,لكنّي سأعرض للقاريء مشروع واحد يمكن وصفه بأنّهُ مشروع بيئي إقتصادي إنساني حضاري بإمتياز ,وربّما سياسي للسلام (جامع لا مُفرّق) ,يُعارضهُ النواب الإسلاميّون في الأردن وتابعيهم (بغباء) ,
    لمجرد كون إسرائيل طرف فيه!
    ولمن يقول (نعم إسرائيل عدوتنا وهي سبب وجيه للرفض) ,أجيبهُ ,بأنّ هذه الورقة ليست صالحة لأدعياء الوطنية الأنذال ,بل للناس العاديين المُسالمين! 
    [[article_title_text]]
    مشروع الماء مقابل الكهرباء!

    حقائق وأرقام :
    معروف لكلّ متابع أنّ الأردن هي من بين أفقر ثلاث دول في العالم بالموارد المائية الصالحة للإستخدام البشري .
    (هناك 13 دولة عربية أخرى من بين الأفقر عالميّاً)!
    بعد (إتفاقيّات إبراهام 2020) التي عُقدت بين إسرائيل وبعض الدول العربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب ,وكونها عُقدت على اُسس موضوعيّة ,
    لذلك بدأت مرحلة من التعاون الأقليمي بين هذه الاطراف في أغلب الصُعُد ,أهمّها بالنسبة للشعوب طبعاً هو المجال الإقتصادي والرفاهي في الحياة!
    من بين أهمّ المشاريع التي وقعوّا عليها قريباً وبالاحرف الاولى هو مشروع الماء مقابل الكهرباء.وللتوضيح أكثر ,تحصل إسرائيل على الكهرباء الذي توّفره الطاقة الشمسية من صحراء الأردن (الشاسعة ودون إستغلال حالياً),
    بينما يحصل الأردن بالمقابل على المياه الصالحة للشرب وللإستخدام البشري الذي توّفرهُ مُحطات تحلية المياه الإسرائيلية المتطوّرة تكنولوجيّاً !
    أمّا دور الإمارات هنا فهو الدعم الإقتصادي (الإستثمار) بنحو 8 مليار دولار!
    لكن قبل أن أذكر الأرقام الخاصة بهذا المشروع ,إليكم وجهة نظر الإسلاميين المُعارضين عمّال على بطّال لكل شيء مفيد وجميل في هذه الحياة!
    كتب (الإسلامي الفلسطيني / عبد الباري عطوان) مقالاً عن الأسباب التي تدعو الى رفض هذا المشروع من أصله ,هذه مقدمة مقاله:
    [الاتّفاق الذي وقّعه الأردن وإسرائيل على هامش حُضور وزيريّ المياه والطّاقة في البلدين في معرض إكسبو في دبي تحت عُنوان الطّاقة مُقابل الماء يأتي في إطار مشروع سياسي تطبيعي بالدّرجة الأُولى، عُنوانه الأبرز عودة الضفّة الغربيّة إلى الأردن، وقِطاع غزّة إلى مِصر، وإغلاق مِلف القضيّة الفِلسطينيّة إلى الأبد، وكُلّ التّطبيقات والتحرّكات والاتّفاقات الرّاهنة والمُتسارعة على الأرض تَصُبّ في هذه المُحصّلة النهائيّة، ومن يقول غير ذلك يُغالط الحقائق],إنتهى!
    لن أناقش بالطبع ما علاقة هذا المشروع العظيم الذي يوّفر الماء لشعب الأردن دون أن يخسر ذرّة من كرامته (كما يُهرج المهرجون) ,بتصفية القضية الفلسطينية ؟ فأنا لستُ سياسي أصلاً إنّما مواطن عادي يفرح لسعادة الناس!
    لكنّي سأذكر بعض الأرقام (والأرقام أوضح من الكلمات) عن الموضوع:
    1 / نسبة المياه الصالحة للإستخدام البشري في كوكبنا الأزرق = 2,5 % فقط من مجمل المياه , 70% من هذه النسبة الصغيرة تذهب للزراعة!
    2 / الأردن كان قد وقّع أصلاً إتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1994 (معاهدة وادي عربة) أي قبل 27 عام ,لكنه يوصف عادةً بأنّه إتفاق سلام بارد!
    3 / في تلك الإتفاقية هناك بند للتعاون المائي ,وفعلاً ضخّت إسرائيل المياه الى الأردن طيلة الفترة ,لكن ذلك لم يكن كافيّاً حسب الجهات الأردنية!
    4 / في إكتوبر الماضي 2021 إتفقت إسرائيل والأردن على ضخّ 50 مليون متر مكعب من المياه (إضافيّة لما سبق) سنوياً بمقابل مالي ,لكن ذلك لن يفي بالغرض (الأمن المائي) أيضاً !
    5 / الأردن هو واحد من أكثر ثلاثة بلدان في العالم فقراً بالمياه!
    تستمد المملكة الأردنية 60% من إحتياجاتها المائية من موارد المياه الجوفية.
    وهذه من المرجّح حسب الخبراء أن تُستنفد قريباً!
    ندرة المياه هذهِ جعلت الزراعة مستحيلة في العديد من الأماكن ,ما ضاعف الهجرة الريفية الى المُدن ,ليخلق المزيد من المشاكل فيها!
    6 / أسباب ندرة المياه في الأردن أولاً الجفاف (قلّة الأمطار) ,ثمّ تضاعف عدد السكان في الأردن خلال السنوات العشرين الماضية ليصل إلى حوالي عشرة ملايين نسمة .كما يزيد من شِحة المياه قدوم نحو مليون لاجئ سوري .
    7 / حصّة الفرد من الماء الصالح (عالميّاً) هي 500 متر مكعب سنوياً .
    بينما حصّة الفرد الأردني هي 80 متر مكعب سنوياً ,إنتبهوا للرقم!
    من الواضح هناك مشكلة قد تصل الى حدّ الكارثة قريباً ,أليس المشروع المذكور أعلاه جديراً بالتقدير والتهليل والثناء ,بدل الرفض والمعارضة بجنون؟
    8 / فائدة هذا المشروع العظيم المُباشرة للأردن هي التالية :
    إسرائيل ستقوم بتزويد الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه الصالحة سنوياً ,ما يعني أضعاف ما يحصل عليه الأردن اليوم ,ودون أن يدفع سنت واحد مقابل ذلك .لأنّ المقابل مدفوع أصلاً وهو إستغلال إسرائيل لجزء صغير جداً من الصحراء وبتمويل إماراتي!
    9 / أكيد سيعترض (الإسلاميّون الشرفاء) على هذه الورقة قائلين حسب نظرية المؤامرة المسيطرة على عقولهم الخربة ,فما مصلحة إسرائيل إذاً في كلّ هذا؟
    الجواب : إسرائيل تريد أن تصل عام 2050 الى صفر إنبعاثات كربونية ,
    بمعنى تستخدم  100% طاقة نظيفة ,هذا المشروع جزء مُساعد في خطتها البيئية تلك!
    أليس هذا لوحدهِ سبب كافٍ لفرحة أيّ مواطن شريف في المنطقة كلّها؟
    10 / المبعوث الأمريكي لشؤون المناخ (جون كيري) الذي حضرَ توقيع هذا المشروع أكّدَ على ما يلي:
    منطقة الشرق الأوسط تعتبر في صدارة المناطق المتأثّرة بتبعات أزمة تهديد المناخ ,وخير وسيلة لتغلبّها على ذلك هو التعاون والعمل المشترك بين جميع دولها ,وتوفير العديد من هذه المشاريع اليوم ومستقبلاً!
    تلك عشر نقاط تجلب الإنتباه لهذا المشروع ,لكن هناك عشرات بل ملايين الفوائد من هذا المشروع .كلّ إنسان أردني سيرتاح ويُسعَد بالماء الكافي هي نقطة إيجابية للمشروع!
    ***
    الخلاصة :
    كما قال نزار قباني ( مع التصرّف) ,جميع أشياء الجمال ضدّ الإسلام السياسي!
    كلّ شيء في هذا المشروع العظيم مفيد ونافع للبشرية في المنطقة بالاخص في الأردن ,فلماذا ترفضون ذلك يا إسلاميين؟
    في الواقع ,عندي كلّ شيء (بالاخص الافكار) ,يمكن مناقشته ,إلّا تدمير البيئة عن قصد ,كونها تخص مستقبل أجيالنا على هذا الكوكب الازرق الجميل!
    عندما أحرق صدام حسين معظم آبار نفط الكويت عام 1991 عشية إنسحابهِ الذليل أمام الحشد العالمي الذي هبّ لتحرير الكويت ,كانت تلك ثاني أكبر كارثة للبيئة بعد حادثة تشرنوبيل (في الإتحاد السوفيتي المُنحّل)!
    في تلك الأيام كنّا في العراق نتنفس تقريباً السخام والكربون ,ليس فقط بسبب حرق آبار البترول بل أيضاً لحرق آلاف الإطارات في معظم أرجاء العراق بحجة تكوين غمامة سوداء ربّما ستعمي الأمريكان عن إصابة أهدافهم العسكرية (الرئاسية في الواقع) في العراق .
    هل سمعتم بمثل هذا الغباء الصدّامي البعثي العبثي؟
    لحدّ الساعة ,لا أسوء عندي من الحرائق المتعمدة التي تؤذي البشر والبيئة!
    الإسلام السياسي (فرع الأردن) اليوم يقف ضدّ مشروع بيئي عظيم لتحلية المياه وجعلها متوفرة للشعب الأردني (وضيوفهِ) ,ليضمن أمنهِ المائي والزراعي وحتى النفسي .فماذا سيكسبون جراء تعطيل هذا المشروع النبيل؟
    [إنّ أعمال الفضل الكبيرة لا توّلد الإعتراف بالجميل ,بل التعطش للإنتقام]!
    هكذا تكلّمَ زرادشت / فريدريك نيتشه!
    ***
    الروابط :
    1 / الماء مقابل الكهرباء ,مشروع بيئي من أجل تعزيز السلام ,موقع دويتشه فيله
    2 / ترتيب دول العالم من حيث نصيب الفرد من المياه!


    رعـــد الحافظ
    16 ديسمبر 2021



    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media