أسماء الأسد موقفٌ وهوية
    الأربعاء 17 مارس / أذار 2021 - 06:33
    قاسم محمد الكفائي
    الخبرُ الذي اهتمت به وسائلُ الإعلام الدولية هذا الأسبوع يفيد بأن الحكومة البريطانية عازمة على محاكمة السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية المولودة في بريطانيا والحاصلة على جنسيتها.
    الأسباب التي طرحتها لندن في الإعلام تعتبرها صحيحة ومنطقية ومُبرّرَة كون السيدة أسماء شجعت على الإرهاب ودعمته.
    هذا الكلام منطقي ومقبول فيما لو عجزت مؤسساتُ الدولة السورية للردّ عليه وتفنيدِه، أو عجز حلفائُها من الخبراء في الشأن الدولي وقضايا الإرهاب من الذين يتصدَّون عبَر مؤسساتهم الإعلامية لكل الإشكالات التي تخرج جاهزة من المصانع الصهيونية الحاقدة، أو عموم المثقفين في العالم ممن يتابعون الشأن السوري بمهنية وحيادية. فالماكنة الإعلامية التي تستند عليها بريطانيا بنشر هكذا أخبار هي صناعة صهيونية بامتياز، يستحيل عليها أن تبحث عن مصالح الآخرين، وتهتم وترعى قضاياهم بالإتجاه الصحيح، فلو تمحصنا الخبر بمهنية سنتعرف على ملابساتهِ وأهدافهِ، أهمُها، صرف الأنظار عن النجاحات التي حققها الجيشُ العربي السوري على فلول الإرهاب المُستورَد ودفعه الى الحدود، أيضا محاولة إرباك الدولة السورية وهي تتهيَّأ في هذا الظرف للسيرَ الى الأمام نحو الإصلاح والبناء وتضميد الجراح.
     ولو ذهبنا الى الأبعد بتحليلاتنا يمكننا أن نضيفَ تفسيرا آخرَ للإتهام أنه حالة تعويض عن فشل المخطط الصهيوني العالمي بإسقاط الدولة وعدم إركاعِها وجرِّها للمخططات التي ترعى مصالحَ إسرائيل والغرب، كان آخرُها عملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل لأرضنا فلسطين. إذن هناك معسكر آخر لحلفاء سورية يقف بوجه معسكر الغرب يرفضُ هذا الإدعاءَ ويُبطِله، وهو فخور أن يُشخِّصَ وفق تحليلاتهِ وتصوراتهِ أن معسكرَ الغرب قد فقد مصداقيتَه وفقدَ توازنَه ولم يعُد له من سبيل على رموز الدولة السورية لتجريمها أوالأخذ بها نحو التنازلات.
    في ثمانينات القرن المنصرم أطلق  قائدُ سورية الراحل حافظ الأسد داخل الأروقة الدولية دعوته المعروفة لتفسير معنى الإرهاب التي لم يُجب عليها أيا منها، وظلت حبيسة الأفواه الى يومِنا هذا. كانت دعوة ذكية وضعت أمريكا والغرب في إحراج وضَياع لأن التفسير الحقيقي لمعنى الإرهاب هو إدانة طبيعية لكل الممارسات التي تقوم بها تلك الحكومات الغربية بالتدخل في الشأن الداخلي  للدولة التي لا ترعى مصالح المستكبرين أو تخضع لأوامرهِم المُذِلة. 
    إن الإتهامَ الغير موفّق للسيدة أسماء يدعونا أن نفيقَ من غفلتنا نحن أحرار العرب، وأن نستذكر الممارسات الإرهابية التي شكلت نقطة سوداء على صفحات تاريخ بريطانيا في العراق أيام الإحتلال مطلع القرن التاسع عشر وحتى عام 1958 ، أو في الهند وأفريقيا، وممارسات أخرى ظالمة لا تنتهي في هذا العالم.
    أما بالمنظور المرئي فإن حكومة المملكة العظمى قد ارتكبت جرائم غدر عندما وقفت ضد الدولة السورية التي عمِلت على صدِّ موجاتِ الإرهاب الداعشي دفاعا عن شعوب المنطقة والإنسانية جمعاء ومنها بريطانيا التي تدعي أنها تضررت منه دون أن تراعي الحقيقة بدوافعها العدوانية التي لازمتها منذ قرون. هذا الموقف تعني به إضعافَ الدولة، يقابله تشجيع داعش على مواصلة التدمير والذبح وارتكاب أبشع الجرائم المغلفة بتطبيق الشريعة حرصا من مؤسسة المخابرات البريطانية تشويه صورة الإسلام والمسلمين أمام عيون وفي عقول وثقافة الإنسان الغربي.
    في هذا المضمار فإن حكومة بريطانيا قد ارتكبت أعظمَ الأخطاء بعزمها محاكمة السيدة أسماء، وقد فتحت عليها عيونَ الخبراء والمحللين وباقي المثقفين ناهيك عن المواقف الرسمية التي ستتلقاها عندما أهملت المتورطين في الشأن السوري منذ بداية الأزمة عام 2011 كانت إسرائيل وأمريكا والغرب فيها مُخطِّطا، ومملكة آل سعود ودولة قطر والبحرين والإمارات مموِّلا، أما الرئيس التركي أردوغان فكان فيها منسقا ومنفذا. لقد تواصلت بعضُ الإعترافات من بعض هذه المصادر بالتورط في الشأن السوري كان أهمُها إعتراف رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم الذي قالها علنا وبوضوح كيف أنه اجتمع مع المجتمعين، ثم اتفق، وموّل، وحرّض. ألا يستحق هذا الإعتراف إتخاذ التدابير اللازمة والتحقيق للوصول الى أخطر النتائج ومعرفة مصادر الإرهاب؟ 
    قال كلمته بينما هو يتنقل بحرية، محروسا ما بين أمريكا ودول الغرب لغرض مسح غبار التعب والإرهاق الذي عاناه أيام تسنمه المناصب الرسمية في حكومة قطر، وما واجهه من عناءٍ بسبب وقوفه الى جانب معسكر الإرهاب ومدَّه بما يحتاج من مال وسلاح تقليدي وكيمياوي. إن ضياع القيم الإنسانية لدى حكومة بريطانيا قد ضاعت معها المصداقية في إطلاق مثل هذه الإتهامات دون تمييز ما بين الضحية والجلاد، أو بتفسير مغشوش، غير موضوعي ولا إنساني ما بين معسكرين... معسكر الدولة السورية بكل مؤسساتها الشرعية الى جانب الشعب من جهة، ومعسكر الإرهاب الداعشي القادم من الخارج من جهة أخرى.
    بهذا المعنى فقد وقفت السيدة أسماء الأسد في معسكرها الوطني الى جانب الجيش العربي السوري وكلِّ مؤسسات الدولة، وإلى جانب الشعب دفاعا عن حرمة وطنها في مواجهة المؤامرة الدولية الكبرى، فكان موقفا موفقا، ساهم بتجاوز الأزمة نهائيا وتنظيف الأرض السورية من عناصر داعش المرتبطة بإسرائيل والغرب والحلفاء لولا عِناد أردوغان بتثبيت مواقع لهم في بعض أطراف حدود الشمال السوري أو في شرقه بحماية أمريكية غربية.
    وللسيدة أسماء موقفا نبيلا آخرَ حين رفضت عروضا مالية كبيرة وإغرائاتٍ أخرى كانت قد تقدمت بها سرّا مصادرُ من قطر أو دولة خليجية أخرى مقابل إنشقاقها عن زوجها وهروبها خارج القطر العربي السوري. بهذا الموقف فإن السيدة جسَّدت المعنى النموذجي للمواطَنَة، ومكانة المرأة السورية، بعيدا عن خزعبلات المال والترغيب. هذا الموقف وفّرعلى الدولة السورية شيئا من تماسكها أمام هول الأحداث التي تتوالى على الدولة في تلك السنين التي حظيت فيها عناصرالإرهاب القادمة من الخارج بوافر الإمدادات على اختلافِها. 
    إن مخاظ هذه المواقف التي حظيت بها سيدة سورية الأولى أن هددت الحكومة البريطانية بمحاكمتها وإسقاط جنسيتها البريطانية، وتقديم إسمها للإنتربول لمتابعتها.
    فلو كانت هذه التهديدات المُصنَّعة بريطانيا حملت معاني الإذلال والإبتزاز وإرباك دورَ سورية الإقليمي والدولي فإنها تبقى محاولاتٌ فاشلة لا تتناسب والعمق المتميز الذي تحظى به القيادة في نفوس وعقول أبناء سورية، ويبقى دور السيدة أسماء متميزا على الصعيد الوطني دون أن تخذله تلك التهديدات بإسقاط جنسيتها البريطانية.
    قاسم محمد الكفائي Twitter…@QasimAlkefaee

    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media