رَحَلَتْ الكاتِبَةُ المِصْرِيَّةُ يومَ الأَحَد عَنْ عُمُرٍ ناهزَ التسعينَ عاماُ . كانت الراحلةُ كاتبةً وطبيةً وروائيةً ، طرحت قضايا مثيرةً للجدل . واشتبكت في معاركَ مع الازهر ورجال الدين . كتبت أَكثرَ من خمسينَ كتاباً تُرجِمَت الى حوالي ثلاثينَ لُغَةً .
الكتابات التي كتبت بعد رحيلها تراوحتْ بينَ كيلِ المديح بلاحدود ، وبينَ كيلِ الشتائمِ بلاحدود . بينَ منبهرينَ لايَرونَ الاخطاءَ والهَناتِ والتجاوزات ، وبين حانقينَ لايَرَوَن فيها أَيَّةَ حَسَنَةٍ ، بل يرونَها مجمعاً لكل رذيلةٍ .
وهذهِ مُشْكِلَتُنا كَشرقيينَ ، لانجد فيمن ننبهر بهم ونعشقهم خَطأً أَو نَقْصاً ، بل نرسمُ لهم صورةً ورديَّةً ملائكيَّةً لاتنتمي الى هذا العالم الذي يكون فيه كُلُّ البَشَرِ خَطّائينَ الاّ مَنْ عَصَمَ اللهُ تعالى وفي المقابلِ ، اذا كنّا من الحانقينَ لانجد في مُخَيَّلَتِنا لِمَن نُكِنُّ لَهُم البغضاءَ ، سوى صورة ٍسوداءَ شيطانيّةٍ لاخيرَ فيها .
الكتّابُ الذين لهم موقفٌ من الدين قَدَّمُوا نوال السعداوي كائناً ملائكيّاً بلاخطيئة ، والذي كتبوا بعاطفةٍ دينيّةٍ لم يَرَوا للسعداوي ايَّةَ مَزِيَّةٍ . وانا في مقالي هذا ، احاولُ أَنْ أُقدِّمُ صورةً موضوعيةً للراحلة التي لها مالها وعليها ماعليها . وان كنت كشخصٍ متدين منحازاً الى ديني وعقيدتي ولاأقبلُ من أَيِّ أَحَدٍ أَنْ يطعنَ فيهما .
هذا الاستقطابُ الحادُّ في الرؤيَةِ ، والثنائيّةُ المتناقضةِ في تقويمِ الدكتورةِ نوال السعداويِّ سَبَبُهُ غيابُ المُقارَبَةِ النَّقْدِيَّةِ ؛ لانَّ العملَ النقديَّ عملٌ جليلٌ وليسَ شتائماً ، ولاهو اغراقٌ في المديح.
العملُ النقدي هو : اعطاءُ الشّخصِ مالَهُ وماعَلَيْه ، هو ابرازُ نقاطِ القُوَّةِ والضعفِ في الشخص الذي ننقدُهُ اَو في النَّصِ الذي ننقُدُهُ وفق معايير يحتكم اليها النُقّادُ .
بعضُ المُدافعينَ عن الراحلة السَّعداويّ قالَ: " ان السعداويَّ لم تهاجم الدين ولم تزدريه ، وانما هاجمت المتدينينَ الذين شَوَهوا صورة الدين " ، ولكنَّ كتابات السَّعداويِّ لم تكن كما يقولون ، بل كان للدكتورة فلسفتُها الخاصَّةُ في فَهْمِها للاشياء والتي هي مختلفةٌ عن فلسفةِ الدين .
السيدة نوال السَّعداوي هي التي دخلت في مواجهة مع الازهر بشأن مسرحيتها : ( الالهُ يقدمُ استقالته في اجتماع القمة) ، وهي التي قالت : ( الدين هو تجسيد للعنصرية ) ، ولم تقل المتدينين الذين يشوهون صورة الدين . والسعداويُّ قالت: ( تقبيلُ الحَجَرِ الاسود والطواف حول الكعبة وثنيّة ) . وهي التي قالت: ( الدين والمجتمع يتعمدان تجاهل واقصاء دور المرأة ) ولم تقل رجال الدين ،او الفهم المشّوَّهُ للدين . والدكتورة السعداوي ترى الشرف ينبع من العقل والفكر ولاعلاقة له بعذرية المراة ... وهذا يعني ان المرأة اذا ارتكبت الفاحشة لاتخدش شرفَها في حين ان القران يقول