د. صادق السامرائي
كل ما فينا أتاه فعلنا فبها الأفعال نفشي فكرنا
المجتمعات الحية المتقدمة التي صنعت الحياة , وأدركت قيمة العقل ودوره في تحقيق الصيرورات الإنسانية الكبرى ، هي التي عبّرت عن قدراتها في الإقتراب العقلي والمنطقي من حياتها ، فوضعت خرافاتها ومعتقداتها تحت أضواء العقل , والسؤال الذي يبحث عن جواب واضح ودقيق ، بعيدا عن التضليل والتشويه.
والمتأخرة ضالة لأنها مأسورة بموروث الخرافة ، وما بني عليها من تصورات وتهيؤات ترمي إلى إستعباد الناس وعقر عقولهم , ومصادرة حريتهم وحقوقهم الطبيعية ، لتحقيق مصالح فئة معينة من الآخرين , الذين يستثمرون في مستنقعات الغفلة والجهل والتضليل.
ولا بد أن تتعلم مهارات التقدم وتستحضر أسباب القوة والأمل ، وتخرج من معاقل البهتان ، وذلك بوضعها لكل شيئ في حياتها تحت مجهر التساؤل الرشيد والتوضيح العلمي الدقيق ، الذي يبني صورة الحاضر ويؤكد مسارات المستقبل , المنطلق من العالم المتنور وليس المزين بالظلام والعمه في قيعان الآبار.
فكرةٌ جارت وأخرى تشتكي وعليلُ الرأي داءٌ عندنا
فالمجتمعات المتقدمة لم تتعلم لو أنها رضخت لخرافات الماضي وعقليات التراخي ، وعدم القدرة على البحث بالأسباب , والإتيان بالبرهان والمواد اللازمة لبناء عمارة الحياة ، وتحقيق دور الإنسان وتأكيد وجوده في مسيرة صيرورتها وفعلها المتطلع إلى ما هو صحيح وفعّال , لإنطلاق الخطوات الحضارية وشد الأجيال إلى مسيرة الإبداع.
وبهذا التوجه الحضاري المتقدم ، إستطاعت المجتمعات المتنورة أن تؤكد قوتها , وتطلق طاقاتها وتعبر عن نفسها وتترجم أفكارها ، وتمضي في مسيرة البناء والإرتقاء الحضاري المتنامي.
وعليه فأن من واجبنا أن نضع كل ما نراه ونعتقده تحت أضواء العقل ، ونتساءل عن مدى صحته وصلاحيته للحياة والتقدم والقوة والبناء .
وبما أن العالم المعاصر يوفر لنا أدوات القياس والفهم والتقدير، فيمكننا أن ننظر إلى كل خرافة وسلوك وتقليد وعادة في حياتنا ، ونقايسها ونناظرها ، ونبحث عن عقلانيتها وحكمتها وفائدتها الإجتماعية والإنسانية ، ونقرر مدى صحتها , وهل أنها جديرة بالبقاء والتواصل ، أم بالغياب والإنقراض.
يا خرافات الزمان المنتهي قد كفانا ما جناهُ جهلنا
فالتقدم لا يكون إذا لم يتحرر الإنسان من أسر الخرافات , التي تقيّد تفكيره وتمنع صيرورته وتدفع به إلى حيث لا يكون.
وفي مجتمعاتنا الكثير من التصورات الخرافية والإاعتقادات اللامعقولة المؤذية ، التي علينا أن نقيسها ونحللها ونستقصي جذورها ودوافعها ، ونرى قيمتها وأهميتها ، أو ضررها وتفاهتها ونهايتها .
فعلينا أن لا نأخذ الأشياء على علاتها ، ويجب أن نقر بها عندما تتوفر الأسباب الكفيلة ببقائها.
بمعنى أن تكون مدعومة بمسوغات منطقية وحقائق ضرورية لتحقيق القيمة والدور ، وإلا فعلينا التحرر منها والتفاعل مع الحياة بدونها , وبفعل ونظر جديد يؤسس لمعاني مسيرتنا الصاعدة فيها.
فهل يا ترى سنرتقي إلى عقولنا أم نبقى غاطسين في مستنقعات خرافاتنا ، وأحواض البهتان المروية بالضلال والخسران؟
فالإنقياد لما هو شائع دون العقل والتحليل والنظر ، مأساة إجتماعية ذات تداعيات خطيرة على أي مجتمع بشري .
لأننا ندرك الأشياء وفقا لما زرعه ذلك الشيوع في أعماقنا من صياغات شكلية , وإستجابات جاهزة ذات تأثيرات مناهضة لمسيرتنا وأسباب تقدمنا وبقائنا.
والشائع يبني عمارته في عقولنا , ويمنعنا من التفكير والنظر الإنساني الواعي ، مما يحجب عنا الإقتراب المفيد من الحياة , ويوفر لنا أسباب الكسل والتراخي والدخول في نفق الخراب.
د-صادق السامرائي