سنوات من ألأزمات
    الأثنين 14 يونيو / حزيران 2021 - 13:29
    حيدر الصراف
    لم يكن عبثآ ان اتخذت الدول الأوربية في القرون الوسطى قرارآ بفصل الدين عن الدولة و السياسة بعد ان عانت تلك القارة من تداخل السلطة الدينية مع السلطة الدنيوية ما ادى ذلك التشابك و التداخل بين السلطتين من معاناة و تخلف و فساد و تسلط رجال الدين و الذين يملكون و حسب ادعائهم و زعمهم التفويض الألهي في التصرف بشؤون البشر لا بل هم يملكون الأرض و ماعليها من حيوانات و ممتلكات و بشر الذين اصبحوا عبيدآ و لكن ليس لله انما لتلك الآله على الأرض الذين كانوا يمنحون و يمنعون ( صكوك الغفران ) و يبيعون الأراضي و العرصات في الجنان في الحياة الآخرة للذين يملكون الأموال و يتمكنون من الدفع مقدمآ في الحياة الدنيا .

    بعد تلك الثورة الفكرية و التي اطاحت بسلطة رجال الدين و اعادتهم الى المكان المناسب الذي يمكن ان تكون رسالتهم في النصيحة و الموعظة و الأرشاد للأتباع و المريدين بعيدآ عن السياسة و شؤون الحكم و الأمور الدنيوية بعد ذلك الأنقلاب الذي فصل الدين و عزله عن السياسة أزدهرت القارة الأوربية و دولها آنذاك و اصبح القصر الحكومي يهتم بشؤون الناس الآنية في هذه الحياة من العمل على اشباع النوازع و الرغبات الدنيوية و العمل على تحسين حياة المواطنين و رفاهية معيشتهم و تركت لرجال الدين في معابدهم و صوامعهم ارشاد الناس في السبيل و الطريق الى الله .

    سنوات طويلة من الأخفاق و الأحباط و الفشل الذريع و في كل شيئ و في كل نواحي و شؤون الحياة بعد ان اندمجت الأحزاب الدينية الأسلامية في المعترك السياسي العراقي و دخلت في الأنتخابات و بالطبع ( فازت ) في كل الدورات التي تلت احتلال العراق و اسقاط النظام السابق و احكمت هذه الأحزاب قبضتها على الدولة من خلال ( الفوز ) بالأنتخابات و تسلم المناصب السياسية الرئيسية لكن المشهد السياسي لم يكتمل الا بوجود قوة عسكرية ( شرعية ) تساند و تدعم ( السياسيين ) فكانت واقعة ( داعش ) و التي كان مخطط لها ام كانت نتيجة من التراكمات و المعاناة ان تكونت فصائل ( الحشد الشعبي ) و التي شكلت القوة ( الشرعية ) التي ردت عدوان ( داعش ) و اوقفت تمدده و تقدمه .

    حتى قبل تشكيل ( الحشد الشعبي ) و الذي هو عبارة عن فصائل دينية مسلحة كانت هناك ميليشيات دينية تابعة الى احزاب و حركات مهيمنة على المشهد السياسي و الحكومي العراقي فكان الفصيل المسلح ( بدر ) التابع الى حزب اسلامي شيعي و كذلك كان الفصيل المسلح ( جيش المهدي ) التابع الى التيار الصدري و هو تيار اسلامي شيعي و كانت هناك فصائل مسلحة اخرى تابعة للأحزاب الدينية و ان كانت أقل أهمية و قوة من ذلك الفصيلين ( بدر و جيش المهدي ) و التي استحكمت المشهد الحكومي لاسيما و ان الفوز ( الساحق ) في الأنتخابات البرلمانية كانت من نصيب تلك الأحزاب و الحركات و التيارات الدينية .

    يخطئ من يظن ان الدولة العراقية بعد 2003 هي دولة مدنية تحكم بالقوانين الوضعية فقد ضربت الأحزاب الدينية في العراق بالدستور و القوانين عرض الحائط و طبقت شرائعها و قوانينها و اصبحت بعض الممارسات و الأفعال و التي يبيحها القانون العراقي ممنوعة و محرمة و تخضع للمساءلة و العقوبة وفق ( قوانين ) تلك الأحزاب الدينية و اعرافها وصارت محافظات و مدن الوسط و الجنوب اشبه بتلك المدن الدينية ( كربلاء و النجف ) من تقييد للحريات الشخصية التي كفلها الدستور و نص عليها القانون و اصبحت تلك المدن اشبه بالمدينة المرعبة في افغانستان ( قندهار ) من حيث الصرامة في تطبيق قوانين الشريعة الأسلامية و القسوة في انزال العقوبات و المبالغة في استحصال الغرامات غير المشروعة ( السرقات ) من المخالفين و الممتنعين .

    الأزمات و المشاكل التي حدثت و تحدث و بدلآ من محاولة ايجاد الحلول لهذه المشاكل و تذليلها او على الأقل ادارتها و تطويقها بشكل يقلل من الخسائر و التضحيات الا ان هذه الأحزاب الدينية الحاكمة كانت تفتعل الأزمات و تخلق المشاكل حتى صارت الدولة العراقية لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى و كأن هذه الأحزاب لا يمكن لها من الأستمرارية و الديمومة في أجواء مستقرة و آمنة حتى بدأت الحرب الأهلية الطائفية و االتي هددت وحدة البلاد و لم تهدأ و تستقر الأمور حتى بدأت الصواريخ تنهمر على البعثات الدبلوماسية و من ثم كانت الطائرات المسيرة تقصف القواعد العسكرية العراقية الى رفض قرارات القضاء العراقي بالقبض على بعض المتهمين بالجرائم الجنائية حتى استعرضت قوات هذه الأحزاب و ميليشياتها و طوقت مقار الحكومة و يبدو ان المطالبة بتدمير تمثال مؤسس العاصمة ( بغداد ) لن يكون آخر الأزمات و التي تفتعلها هذه الأحزاب الدينية و عصاباتها المسلحة في ضمان و أثبات وجودها و حضورها في المشهد السياسي و الحكومي العراقي و ليذهب الوطن و المواطن الى جهنم و بئس المصير .

    حيدر الصراف
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media