المفكر العراقي الزاهد هادي العلوي 2 ـ 6 نقد أستثقاف العقل التاريخي لدى المثقف العضوي.
أ. د. إشبيليا الجبوري
سعينا في الحلقة السابقة إلى أيجاد ما أتيح من عرض نقدي مقارن، عن مأزق المثقف العضوي أمام الزاهد العضوي، وما زلنا نتوسع، في نحل محاور مصادر طبيعة المأزق ومثار جدله، وتفاوتات حدته بين الباحثين العرب، في سبب دهشتهم عن تلقيهم اللفظة، أو عن انتاجها بالمعنى؛ ما وجدنا من يتشعب بأنماط تلقيه، وصورة تلقي مكوناته عن المثقف وبواعث عمله. شئنا، من هذا المقال، أن نستبين الإشكالية الثقافية٬ وما إليه نوضح الاتجاه، في محاولة الدخول لأهم الخصائص في نقد العقل التاريخي لدى المثقف العضوي.
فالمعطيات العلمية والتعليمية٬ ستكون في هذه الحلقة٬ هي:
I.كيقية أستثقاف العقل المعرفي التاريخي٬ لإنشاء عناصر استراتيجيات التغيير.؟؛ و كذلك
II.ما البديل الأستثقافي المعرفي في تصميم المبادرات المؤثرة والمستدامة في الثقافة التنظيمية.؟
III.ما خيارات المهارات العملية المستثقفة٬ لغرض التحفيز على التغيير في سياق التوجهات الثقافية.؟
IV. متى تصنع ثقافة المقاومة المضادة على صناع ومتخذوا القرار.؟
مشروعية ترسيخ قوة القرار الثقافي اللازم؛ لإنشاء شراكة تتسم بالمرونة والقدرة بين المثقف العضوي/الزاهد) على خلقه إشكاليات الصراع في الخطاب الثقافي السريع للتغيير.؟
على أية حال، حين جاء رأي آخرحفرناه، يفيد، من تقدير يتجاوز الاهتمام المبذول؛ من الموضوعات التي أخضعها للمعالجة والبحث في تفسير أعتماده، "شاردة الذهن" فيه، عند محاولة تحديد مقومات منهجه في التفسير. ما جعله يتشتت هنا، وهناك ينحصر بالاستعانة ويضيق، حتى ينفصل، ويكسب ما عشى نظره به، حين خلت في أصدار ما يتصل، ثم يتعدد اغراق سبيل ما يستعين ليفسر، حتى وجدنا يطرح تسرع في الأحكام، ما يثير فيها تصفية أدوات منهجية ما علقت شوائبها فيه، ما لم يتم تفسيرها بنجاح، فبات إنكارها تجاهلها، وحل محل نياطها تأويل، أو طمعا كان يلويح أنموذج من جمعها في خلال تدبره، تشرع مصادر معرفية، أو مطالعة كلام مفسره، تجعل منهجها يستظهرها، ويسجل ما يحتاج إليه من ورود غائب في التفسير، بل يندرها، لمواقف تجارب مشوشة، تخيب حقيقة جوهر المثقف، في حمله عن ما يستلزم اللفظ، عن ما يسلزمه بنيان المعنى، ما يجد الباحث لافظا نفسه خارج نتاج جهده، يسرح في غياهب أخرى نائية.
لكن، هل يمكن أن نطلق على طرق ووسائل النهب، والجوع، والقتل والفساد، معالجة وبحث في الثقافة، علما!. وهنا أشارة القصد مدا، ما قام به المثقفون النهابون في العراق بعد الاحتلال، وأضربوا عليه المثل بأصطلاح "التحرير"، وما تلاه توسعا متلهفا ولاذ حين مناص، وأضمرت تحقيق هاته نطاقا عربيا، بعد، ما سمى بدافع"الربيع العربي" حراكا شعبيا.!
وهنا، من المسؤول عن طمع استمراية الفساد والضياع والجهل؟ همة هشاشة طفيليات المثقف "المستثقف"، أم دورالمثقف العضوي؛ وإلهام تخفي غرائزه النهاشة وتسترها بعضوية ثقافته الفارطة؟ فتحول إلى الرجاء ذلك اليأس بالانسان، وقدر من بالتغير إلى أحباط يسوف نفسه مرة ومرة يسومها زجرا، بعد أن مضت عليه مدة الحيازة بالاستلاب، ويزداد مضيه بالتمنى ما لا يرجو إنجازه، حين أصبحت همة المثقف مصروفة إلى ما تنصرف إليه الهمم العليا، فتحولت إلى خنوع وتوسل ورجاء إلى رضا المحتل أو الآخر الطامع. حين طمعوا بسخاء مال مقابل تلف الحكمة والإضرار بالمجتمع، وعقد العزم على تحقيق ما أضمرته تعسفية المحتل، وتعرف كيف يهرول لتحقيق رغبة في نفسه، مقابل حفنة أوساخ من الدولات، توقع تكفل أغلاطه وأنحرافه، ويحول ما لا ينبغي أن يبني بينه وبين المحتل من نسج، حين ساهم ببناء هذا التخوين للثقافة والمثقف، أزاء ما بذله من أجتهاد، متوخيا تزييف طرق الصواب والسداد لعضويته المستثقفة.
وعندما أستقرت خواطره، وأطمأن قلبه، وهدأت الأحوال من حوله، ووضح الهدف، وبان السبيل أمامه، أقدم على التخوين، وما أدراك أقدامه على هذا المهم، من الشجاعة على الردع، متوسطا معترك أنظار الناظرين عبر وسائل الاعلام، زائرا محطاتها بين ضجيج تصريف العملات وطرافة الزعيق، فجعل حقا عليه أن يفسر ويقييم ما أبدى في هذا التفسير أو ذاك، ونرجسية يقف موقف الحكم بين أطراف المفسدين في التفسير تارة لها الآراء لا عليها، وتارة معاده معطل بقفر اللفظ ونفاذ المعنى.
وأخيرا، ما قد يميز المثقف العضوي، هو تنكره، ما تفتح الثقافة له من فهم في معنى الثقافة وما جلته من الأمور المعرفية، وما تذكره من تأدب التأويلات والتفاسير، مما لا يثقها العقلاء الزهاد بمقدماتهم، في صحة المواقف واستمداد التوضيح، وحين يدعي أنفراديته بمأثور ومعنى في امر تفسير الرأي ونحوه، فكم من حشو كلام مقيت تنشئه تجاليد أغلفة كتب، قد سبق التاريخ في العثور عليها من أسماء، وكم من فهم مأزق تستظهره وقد يتقدم إليهم متنكروه.
فخصائص أستثقاف العقل التاريخي عند المثقف العضوي وآثاره وإشاراته، تتميز في موقفه وصون رأيه، خصائص تمثل طبيعة حقيقة الحكمة، وجوهر العقلانية الروحية، وآثارهما وإشاراتهما، وهذا التقابل يمهد كثيرا في سبيل معرفة مأزق حقيقة الثقافة، وعقلانية المثقف العضوي، من منظار نقدهما التاريخي لدى المثقف العضوي. لكن، ومن دون شك هناك الكثير من الشواهد التي طرأت على تلك الأنماط وأخرجتها بصورتها الخاصة، منها؛
I.ذاتية متعلقة بالتركيبة المعرفية، والثقافية، وعضوية صاحب الرؤية. ومديات انفتاحه على المناهج في قراءة المعرفة، والسبر في عضوية نماءه الثقافي، والكشف عما تستر عنها بطويات النصوص، بعضها وضعه موضوع في إجادته معنى ثقافته العضوية، وأتقانه فواعل وصفها، وتعاطيه مقدمة الموضوعات، ليستقيم العمل فيها، ولا يأخذ جديته من دونها، بطويات ذاتية، غرائزية محضة.
II.شكلت للمثقف العربي عامة والمثقف العراقي خاصة، فواصل لفواعل خارجية عضويته، متأثرة بالمحيط السياسي والديني العام، وموقفه الوطني من الآخرالمحتل، والذاكرة الثقافية التاريخية، والحروب والجوع والتشرد...الخ، وهي مواقف مكررة على المثقف العربي عموما، وكانت جزء من ردود الفعل لواقع يعيش نكبات وانغلاق ثقافي ممارس، وعلى الأغلب أخذت تلك القراءات تشكل مأزقا حقيقيا لدى المثقف العضوي، من مسارين رئيسين تمركزت عليها مختلف التفصيلات للمنجز الثقافي العضوي؛
III.مسار متوجس ومشكك في كل المجال الثقافي وأهدافه، إذ يجد أحد الأدوات المتجددة في الثقافة هي الهيمنة والاستحواذ، وأخذ هذا الصنف من المثقف أسبقية ثابتة لمجمل تفاعل قراءاته الأستعارية للواقع، ما صاغ على غرارها تفاصيل ثانوية، وقد رصف هذا النوع الثقافي مجموعة المثقفين والمستثقفين ذو مراجعة أصولية، بالنسبة لليسار بعد أنهيار منظومة دول المعسكر الاشتراكي، بعد أن تلقى معظمهم ثقافة تعليمية ذاتية، وفق نظم ومناهج محلية تقليدية.
IV.ـ فيما أختلفت وجهة نظر مقابلة؛ حيث رأت مسارا أنفتح على جهود مثقفين تعاطوا معها بإيجابية، وأعدوها مرحلة ضرورية، ضمن مراحل تطور القدرات المعرفة للمثقف، و بدوره الحقيقي، الفاعل، لأيجادها ضمن أعادة دور قراءة تراثها الثقافي الشرقي، لما تحويه من جدية منهجية متقدمة في البناء، و آهلية الممارسة التفكيكية والتحليل، وركز هذا الصنف على تقصي الافق المعرفي والفكري، الذي جعل ما أحتوته تلك الابحاث والاحداث، مواضيع ناقدة الثقافة اليسارية المركزية الاوربية، وإمكانية تفكيكها عند قراءة الأنا، من خلال الآخر، وغيرها من الميادين المعرفية، وأكثر ما عبر عن هذا الموقف باحثون، تلقوا مكثقين جهودهم بالبحث في أحياء تراث الشرق، التي خاضوا فيها تعليمهم في الجامعات الشرقية، أو بعضعم من تابع تعليمهما في الجامعات والمراكز البحثية الاوربية، أو من تابع بأهمية المناهج والأبحاث الحديثة في تواصلهم مع مخرجات ميادين علوم الحداثة وتطوراتها الغربية، وهذا أيضا لا يعني أن هذا النموذج ـ المثقف ـ لم يواجه النقد إلى المثقف الغربي، أو، المثقف العضوي الغرامشي، غير أن وجهات نظرهم لم تظهر بالقطيعة، كما، أتسمت عند البعض بالقطيعة الشاملة، عن أعادة تنظيم إطار تفعيل "دور المثقف العضوي"، ما دفع به الحال، حفره، المفكر العراقي هادي العلوي، ليظهر رؤية عن المثقف، زهدية أنتماء عضويته ميدانيا، محترفا، متمرسا وفق أنعكاس الأواليات عنه، نقدا بنيويا فاعلا، راصدا دوره للثقافة الرصينة، المحفزة بوظيفتها، ترسم سمات المثقف بزهدية تتسم بالاتصال لا بالقطيعة، غير متوجس من شعبيةـ ثوابتها، زهد عضويته مجملها مصاغة على حاضنات فرعية متجدد.
لكن، هذا السعي يدعو إلى إيجاد حلول جذرية في روح الثقافة والمثقف، تجديد في إنسانية المثقف، تلك الروح الزاهدة، التي تبحث عن تأسيس ثقافة تجريبية بالظواهر العقلية الروحية، عقلية مثقفة، مثقف ممارس تجربته بزهدية عضويته، داخل منظومة الثقافة التنظيمية، وشبكات اتصالها مع طبقات المجتمع افقيا او عموديا.
وهذا يعني، أن التجربة التاريخية للمثقف "الزاهد" العضوي وتأثير عناصر متغيرات بيئة الواقع عليه، أنشأت فلسفة كانت ترجو منه أن يتفاعل في الواقع، بتجارب، أن يستخرج منها قوانينها.
وكانت لأبحاث غرامشي مواقف تاريخية، تعبر عن واقع حال مرحلة نهضة اليسار الاوربي، وأصلاح تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي من الانغلاق والأقصاء، من خلال أنفتاح أنشطة وميول ثقافة أعضاءه التنظيمية. وبالمقابل أن الزاهد العضوي أبحاثه متأثرة أيضا بأنوار الشرق وتراثه العظيم، في فهم وضع الإنسان في إطار ثقافة ممارسة، تصف دور وأهمية المثقف، ونوع تورع تجاربه، وأتساع تعريفه معنى الحياة، لتشمل كل ما يصدر عن الأنسان من نظم وقوانين وإنتاج عقلي، بزهد وظيفي عقلاني روحي.
وحيال النظر بين الاثنين، نتلمس المأزق في أحكام تقويمية وقواعد مفروضة، تتضمنها طبيعة العنصر العملي في دوره الإنساني الفاعل.
لكن أراد المثقف العضوي أن يقوم بالنسبة إلى التاريخ بما قام به غرامشي متأثرا ببليخانوف، تروتسكي، وعموم النخبة اليسارية في تحرير المثقف بالنسبة إلى عقله الجدلي، وذلك بنقد العقل الجدلي التاريخي، فأبتدأ من هذه الحقيقة، وهي ضرورة، فهم الإنسان بوصفه مثقفا عضويا ، وجوده تاريخيا في جوهر عضويته ، هويته، التي ينتمي إليها، بأعتبارها، جوهره، وأن وجوده لا يتحقق عن ثقافته إلا في جماعة، تتناشط المشاركة، وتتأثر بخبرات عضوية ثقافية متبادلة، نمت فيها قواعدها العملية وعرفت سبيلها. وحين راح يتدارس غرامشي الوظيفة العضوية للمثقف، علمية تركيبها، على أسس تاريخية، وجودها الإنساني الفاعل، بمعنى، للمثقف العضوي بعدا أساسيا في التاريخ. فينبغي دراسة العقل الإنساني من محور التاريخ. فالثقافة بطبيعة تكوينها غريبة عن الإنسان، في صناعة عضويتها فيه، ويستطيع المرء إدراكها بواسطة الملاحظات الحسية الفاعلة. أما العالم الثقافي الموضوعي التاريخي الاجتماعي فهو عالم طبيعة الإنسان (شعوب، ٢٠١١). ولكن، لا يمكن إدراك مسؤلياته، كمثقف، إلا من الداخل.
ولهذا فإن العلاقة بين الإنسان كمثقف وعضويته الموضوعية، في تطوير آهليته الروحية، علاقة مباشرة تحفزه نحو أدواته، لأن هذه الثقافة "الموضوع" هو التجربة الإنسانية الحية؛ ومن هنا، فإن الأس في الثقافة ي روحيتها الفاعلة في تجسيد التجربة الحية، وهنت تعد بالثقاقفة حمل المثقف الأحوال والعمليات والنشاطات الااطنية من داخل المجتمع كما يستشعر بها العضو داخل منومته وهو يحياها ويعيها.
وحين تعد الممارسات الثقافية العضوية، بأنها مجموعة أنشطة التي ارتبط بموضوعاتها هو حقيقة المثقف مع طبيعة عمل الثقافة كحقيقة التاريخ والمجتمع، وهي جامع مؤلفات تنظيمية متصاهرة في النماء، والتوسع تحصيل توافقات من داخلها.
وعلى الرغم من الثقافة العضوية الروحية، بمعناها الشبكي للاتصال، قد تتناول بعض الأشياء والعمليات الانتقالية في الحركة، فأنها انما يتناولها المثقف العضوي، من حيث هي آثار، أو، من حيث إن لها علاقة بتحقيق الأغراض الإنسانية ثقافيا حيال تأثيرها، أو مؤثرة تفيد في التعبير عن الأفكار والمشاعر الإنسانية. وبالحال، إذن لا تهتم بالثقافة الروحية كظواهر "نشاط" فيزيائية داخل عضوية جماعية، إلا من حيث صلتها بتطوير حوافز أنتاج وعيه الإنساني، وخصوصا من كونها؛ تشكل تعبيرات مستخرجة من خلالها يمكن فهم واستيعاب هذا الوعي الثقافي. وهذه الثقافة الروحية متنوعة إذ تشمل علوما فنية كـ( فنون اللغة في النحو والخطابة، ومعيارية كالأخلاق والنظريات السياسية وفنون النقد الادبي، وتعميمية مثل علم النفس والاجتماع وعلم الاقتصاد، وتاريخية بالمعنى الدقيق كالتراجم والتواريخ والسير الذاتية.).
وحيال ذلك قد تجمع دراسات إنسانية في صنوف ثقافية متباينة، من خلال التقريرية في تصنيف عضوية المثقف، وتفاعل إنشطة عضويته فيها، التي قد تقرر حقائق موجودة، تتفاعل مع الإدراك الحسي له، وهنا يتوقف على ما يؤلفه الميل التاريخي في المعرفة كعنصر فاعل، وربما صنف أخر يبين العلاقات الطردية بين أجزاء ثقافته العضوية وهذه الحقيقة، ويميزها بدورها التجريدي، ما يجعله ينسج خلالها العنصر النظري في تنظيمه، أو قد يشكل تعبيره منظارا معياريا عن الاحكام التقويمية والقواعد المفروضة، وهذا قد يضمن تدخل العنصر العملي الفاعل في توظيف عنصر بحوثه والدراسات الانسانية، تغلغلها داخل الاعمال. وبالطبع، وعلى هذا فإن المثقف العضوي ما يريد القيام به، هو ما أنتجه الزاهد العضوي الذي تنظوي ثقافته تحت العلوم العقلية الروحية بدراساته الأنسنية، التي تتألف منها أفعاله وأقواله عن وقائع الاعمال، وفق نظريات وأحكام تقويمية وقواعد ممارسة.
ومن هنا، فإن ملكة المعرفة الثقافية في الثقافة العضوية هو كشفها المثقف خواء ما يشمله من لبس زهد. فالمواقف والأعمال العظيمة، التي أحياها عقل الزاهد العضوي ، حتى دقت جليلة ونمت، لطفت بطمأنينة، تشكلت ضمن منهجا ثقافيا رصينا، هي ليست فقط نتيجة العمليات العقلية وحدها، بل قوة الحياة الشخصية، برقت له، في مثابرة عضويته، سلكت به السبيل، تدافعه ممارسة إنتمائة داخل أواصر تحديات المجتمع، أبانت له الطريق، متلمسة صراعات التغييره إلى باب السلامة للإنسان.
وأخيرا، أن الازمات والاشكاليات التي تعد جروحات ثقافية، مقدمة لحركته الصحيحة في المجتمع، والتي لم تلقى الكمال إلا في الزاهد العضوي حقيقتها، أو من يفسر فلسفتها بتطبيقاته الواقعية، أو يرى أن العقل العملي، علميته ملازمة إيمان مخلص بالزهد في وصف الطريق، وإيصال الإنسان إلى الهدف الأسمى للانسانية، عن أهم خواصه، تحقيق رسالة مبادي الانسانية المخلصة، مستوية في دار أقامته، وثبتت طموحاته بطمأنينة عقله وعمله في قرار الصفاء والراحة، أستعملها قلبه للأخر محبة، وأرضى وصف مسلك طريقه الروحي النبيل خيرا، مقترنا بالصفات المرضية والأعمال الصالحة، وما يلزمها من توضح، هو حقيقة جوهر صفة الثقافة وحقيقته.
فجوهر المثقف هو الذي يمنح الثقافة قيمة حقيقية، وقيمة الثقافة ظاهرة مشروطة، وشرط قيمتها أن تكون زاهدة في سعيها خدمة الآخر، ولا يمكن ترفد في طواعيته إذا جردت من جوهر زهدية المثقف حقيقة صفاته، بل إنها ربما تستخدم لتعنفه، أو، مضادة تتزيف وتخون عليه.
والنقطة المهمة والاخير اللافتة للنظر، هي أن أزمة المثقف العضوي عندما يفقد زهديته، يفقد جوهره وخاصيته، فلا يستويه التخلف والفساد فحسب، بل يصبح أشد ضررا منه؛ إذ يجعل قيمة الحق والعدالة في حركة الثقافة الإنسانية نحو السقوط والانحطاط.
إذا فقد المثقف العضوي زاهديته، التي هي جوهره، ضل أتجاهه الحقيقي، وإنه يكون أشبه بالموجه الذي يسوق المجتمع إلى هاوية النهب والعنف والتخلف، بدل أن يقومه إلى سواء الطريق، من هنا كلما تقدم المثقف العضوي بممارسته ضمن منظومته، متسترا بغرائز دوافع اعوجاجه، كان خطره أشد وأضخم على المجتمع الإنساني ككل.
بيد أن المثقف العضوي أخذ يتراصف لرغائبه، الزائلة، ما جعله مصدرا يهدد المجتمع اليوم ، هو أن الثقافة تدنت كثيرا، وإن المأزق الحقيقي هو فقد جوهره من الآداب والأحكام، وحول التعليم والمعرفة وخاصيتهما عن سبيلهما السديد، وأستوظف جوهره بأتجاه انحطاط الإنسانية وسقوطها.
وبمعنى أن المأزق أن تداركنا بتأمل يسير، الآفات التي فرضها المثقف العضوي على المجتمع من تخبطات في واقعنا العربي عامة، والعراقي خاصة، ونستفهم ماذا تجرع الإنسان العربي من ويلات، حين قبضت القوى العالمية الكبرى في ألاحتلال على ثقافته، ونعرف كيف تعامل السراق واللصوص، الذين تناهبوا واستغلوا الثقافة، لسلب الإنسان تاريخيته وثقافته المعنوية، بقسوة، دون رحمة لضمير أحد، فيا لها من محنة عصيبة تطوي بحظها.
إلى حلقة قادمة : إشكالية أستثقاف المثقف العضوي أمام الزاهد العضوي .(3 ـ 6)
ترجمة د. أكد الجبوري