استمعت أمس جيدا إلى اللقاء الأخير لنوري المالكي على العراقية، ورأيت ألا بد من أن أجري عدة وقفات عند بعض محطات كلام المالكي في هذا اللقاء.
راح المالكي عندما جرى الكلام عن الحشد الشعبي يحاول إقناع المتلقي أن الحشد الشعبي يتمتع بغطاء قانوني، وأنه جزء من القوات المسلحة، وبالتالي مُؤتَمِر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، ولا يمكن عده من الفصائل التي يدعى إلى نزع السلاح منها، بدعوى حصر السلاح بيد الدولة. ولما أشار محاوره إلى وجود كلام بأن الكاظمي غير قادر على السيطرة على الحشد، وسأله عن كيفية سيطرة الحكومة عليه، جاء جوابه الغريب المستغرَب، بأن ذلك يتم من خلال أن على الحكومة التفاهم مع قيادات الحشد الشعبي، وعقب - وهنا تكمن الغرابة - بأن «قيادات الحشد هم جزء من العملية السياسية، وأن كل الحشديين، كل الألوية، كل المسؤولين، هم من أبناء العملية السياسية». وهذا إقرار منه على أن الحشد مُسَيَّس وقياداته هي نفسها قيادات القوى السياسية، ونحن نعرف إن هذه القوى السياسية هي (بدر، العصائب، التيار الصدري ...). وهنا لم يلتفت المالكي إلى أنه أقر بمخالفة الحشد للدستور، لأنه لا يجوز يا أبا إسراء دستوريا تسييس القوات المسلحة. حيث تنص المادة التاسعة/ أولا/ أ: «[...] القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية [...] تخضع لقيادة السلطة المدنية [...] ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة». إذن لا يجوز للقوات المسلحة أن تتدخل في الشؤون السياسية، ووجود فصائل تخضع لقيادات سياسية حزبية، وهي أطراف ولائية (ولايتفقيهچية)، وبالتالي فهي تمس السيادة الوطنية بولائها لدولة أخرى، ثم هي تمثل اتجاها سياسيا محددا، وهو اتجاه الإسلام السياسي، ثم هي تمثل طائفة على وجه التحديد، وهي الطائفة الشيعية، بينما ينص البند الدستوري آنفا على أن «تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها، دون تمييز أو إقصاء»، وهذه مخالفة دستورية صارخة أخرى. أتجهل أم تتجاهل ذلك؟
فأسأل نوري كامل المالكي ذي الدورتين والمتطلع إلى العودة: هل قرأت الدستور جيدا؟ وهل قرأت المادة التاسعة هذه بالذات قراءة متمعنة واستوعبتها؟ شخصيا أجيب عنه وأقول إني أحتمل ذلك احتمالا راجحا جدا، لكن لماذا ينتقي وغيره من هذه الطبقة السياسية من الدستور ما يحلو له ولهم، ويهملون ما لا يناسبهم، بل هم يجدون دائما سبل مخالفة تلك المواد من الدستور، التي لا تصب في مصلحتهم؟
ومع دعوته للإبقاء على فصائل الحشد الشعبي، لأنها تمثل وجودا دستوريا وقانونيا، رغم إنها في حقية الأمر ليست كذلك، كما أشرت، وفي نفس الوقت يؤكد على الأمن الانتخابي، الذي يعتبره مسؤولية الحكومة، أي حكومة الكاظمي الحالية. ويبدي حرصا فوق العادة على أن تجري الانتخابات (نزيهة؟) و(آمنة؟) و(حرة؟)، بل يذهب إلى أن عدم إجراء الانتخابات عنده أفضل من أن تجرى وتكون مزورة، أو أن تأتي قوى سياسية عبر السلاح.
مع كل هذا الحرص الذي يبديه، يرفض رفضا قاطعا إجراء الانتخابات تحت إشراف دولي، ويعتبر ذلك بمثابة «عملية الخطيرة، والتي لا تكون إلا في الدول التي تمر بأزمات»، ولا أفهم كيف يعتبر العراق متشافيا من الأزمات، رغم كل هذا الذي يحصل، ومع إقراره باحتمال حصول التزوير في الانتخابات القادمة، ويعلل رفضه بقوله «إننا في القوى السياسية لن نقبل أبدا بالإشراف، بل فقط بالمراقبة». وهو إنما يرفض الإشراف الدولي حرصا منه على السيادة الوطنية، لكنه لا يرى کون إدارة معظم ملفات العملية السياسية والأمنية تدار من طهران، يمس السيادة الوطنية. فأي ازدواجية يتمتع بها المالكي وبقية عباقرة العملية السياسية، لاسيما الشيعسلامويون.
وعندما تحدث عما حصل في الانتخابات السابقة من تزوير وحرق للصناديق، بل والذي تعداه إلى حرق للأجهزة، فيعترف بقوله «مشيناها حتى لا تحصل فتنة». يا سلام، إذن لتكن القاعدة «مشوها حتى لا تكون فتنة وتكون الدولة والثروة كلها لأحزاب الإسلام السياسي الشيعية، وحلفائها التحاصصيين من الكرد والسنة».
ضياء الشكرجي
dia.al-shakarchi@gmx.info