أي المدخلين لكتابة التاريخ تفضل؟
    الأربعاء 23 يونيو / حزيران 2021 - 21:24
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    تمخضت مدارس ومداخل كتابة التاريخ عن أشكال الآراء المتناقضة والمتنافرة، أحيانًا، ومن أهمها: (1) المدخل الفردي لتسجيل الماضي، و(2) المدخل الجماعي لتسجيل ما حدث عبر تيار الزمن الفائت.
    وإذا ما كمنت فلسفة خاصة وراء كل من هذين المدخلين، يبقى المدخل الأول هو الأكثر شيوعًا عبر الحواضن الاجتماعية المحافظة، برغم عدم عدالته وتجاوزه لتورخة الشعوب.
    وحسب هذا المدخل الأول، الذي يطلق توماس كارلايل عليه وصف "تاريخ الأبطال”، يختزل الماضي في أنه تيار زمني لم تصنعه "العامة”، أو الشعوب؛ وإنما هو صنيعة تلك القدحات البطولية التي تظهر هنا وهناك عبر تيار الزمن، وعلى أساسه يتم تحقب تطور حركة التاريخ بأسماء هؤلاء "الأفراد” البطوليين؛ لذا يقال "عصر هارون الرشيد” و”عصر نابليون”، على سبيل المثال لا الحصر.
    وعلى النقيض من هذا المدخل، يتبلور أمامنا المدخل اليساري الذي يتجاهل دور البطال (أفرادًا)، ليركز على شكل آخر من البطولة، وهي البطولة الجماعية، ويقصد بذلك هؤلاء الذين صنعوا التاريخ مثل العمال والكادحين والفلاحين والحرفيين، المهندسين والأطباء، البنَّائين والفنانين.
    وإذا ما كان هذان المدخلان متناقضين على نحو شبه مطلق، إلا أننا نلاحظ أن لكل مدخل فضائله ومثالبه: المدخل الثاني هو الأكثر تفضيلًا من قبل "المؤرخين الاشتراكيين”، بسبب رفضهم حصر التحقيب التاريخي بأسماء أفراد بِعَيْنهم، مع تجاوز الجهود الجماعية للفنانين وللعاملين والكادحين والحرفيين الذين يبدون لهذا الفريق من المؤرخين هم صناع التاريخ الحقيقيون؛ وهنا يكون التاريخ هو "تاريخ الشعب”، وليس "تاريخ الأفراد” النخبوي!
    ومن ناحية معاكسة، يبدو الفريق الأول وكأنه يحصر الماضي بين قطبين: (1) البلاط، و(2) المعسكر! وبهذا نتذكر أغلب التواريخ المدرسية التي درسناها عنوة، إذ تم تحقيب التاريخ بأسماء أفراد: قادة، أنبياء، ملوك، رؤساء… إلى آخره من أشكال التحجيم.
    ويبدو الفريق الثاني أكثر إنصافًا وعدالة؛ لأنه يذهب إلى أن التغيُّر التاريخي لا ينطلق من البلاط أو من المعسكر (ميادين القتال)، وإنما هو ينطلق من "ورشة الفنان” و”معتكف الكاتب” ومعمل العالم التطبيقي، من بين سواها من فضاءات الإبداع والابتكار، معاكسًا لفضاءات الارتطامات العسكرية والتنافسات السياسية الحزبية أو الفردية.
    ولم يبق لدينا ما نزيد على ما تقدم، سوى سؤالك، أخي القارئ، إلى أي من المدخلين تميل: هل تفضل تحقيق التواريخ على أساس الأفراد المبرزين؟ أم أنك تفضله على أساس ملايين الأيدي العاملة في الفن والصناعات والحرف، المدارس والمذاهب الفنية والاختراعات والاكتشافات التي اعتمدت العاملين المجهولين الذين لم تسجل التواريخ أسماءهم، وليس الأفراد المشهورين؟

    كاتب وباحث أكاديمي عراقي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media