الدكتور لطفي حاتم يصدر كتابه الجديد بعنوان "الدولة الوطنية والطائفية السياسية"
    الثلاثاء 6 يوليو / تموز 2021 - 12:10
    [[article_title_text]]
    أصبحت الطائفية السياسية،  خلال العقود الأخيرة أحد الموضوعات  التي يدور حولها نقاش بين المفكرين والسياسيين، خاصة في الدول متعددة المذاهب والاثنيات  بعد أن أصبحت الطائفية السياسية، خلال فترة القطبية الواحدة، احد وسائل الهيمنة الغربية على  البلاد العربية ـ الإسلامية، حيث تستخدم كوسيلة لتفتيت المجتمعات والدول واعادة تشكيلها بما يخدم مصالحها، وهي مثلها مثل الطائفية والمذهبية التي استخدمت أيضاً كوسيلة لتأجيج الصراعات بين الدول في منطقة الشرق الاوسط ذات الموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية المؤثر في العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي. فمنهم من يعتبرها الحل الامثل  لإلغاء التمييز بين مكونات المجتمع العرقية والمذهبية والطائفية، من خلال توزيع المناصب والوظائف الرئيسية في السلطات الثلاث والدولة حسب النسبة السكانية لكل مكون، وليس على أساس المواطنة المتساوية، ومنهم من ينظر لها بانها أساس تفتيت المجتمعات إلى كيانات منعزلة تقوم على أساس الانتماء العرقي ـ الطائفي وبالتالي حرمان المجتمع من الاستفادة من الكفاءات المهنية والعلمية، نتيجة التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الطائفي والمذهبي والعرقي.  
    عمل الاستعمار الفرنسي، على إنشاء اول نظام سياسي طائفي في التاريخ الحديث، بهدف استمرار هيمنة فرنسا على لبنان. واتخذ نظام الطائفية السياسية شكله القانوني من خلال تثبيت الطائفية السياسية في الدستور اللبناني الذي نصت المادة 22 على توزيع مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلميين، ويتبع ذلك توزيع مناصب الحكومة على نفس الأساس. لقد أدت مسيرة نظام الطائفية السياسية إلى إنحسار قاعدة السلطة الاجتماعية،  بعد ان اصبحت تتحكم فيها مجموعة من العوائل الطائفية وممثليها السياسيين من خلال ديمقراطية شكلية تعتمد على آلية انتخابات تعيد نفس النخب للسلطة، ولا تشكل تداولا حقيقاً للحكم، الأمر الذي أدى إلى تهميش وإقصاء أبناء الطوائف وبالتالي حرمانهم من المشاركة في إدارة الدولة، مما أدى  تفجر النظام السياسي بحرب نتج عنها انهاء الاستقلال السياسي النسبي وزيادة التدخل الإقليمي والدولي في الشؤون الداخلية.
     حصل نظام الطائفية السياسية في منطقة الشرق الأوسط  على دعم قوي، بعد تصدر تيار الإسلام السياسي المشهد السياسي، في كثير من الدول الوطنية، التي حدثت فيها احتجاجات شعبية، نظراً لوجود علاقة مباشرة بين الطائفية السياسية وصعود اليمين الإسلامي السلفي المتطرف الذي يعود للعديد من الأسباب، منها، ضعف دور التيار الليبرالي في البينة السياسية الأمر الذي أدى ضعف المكانة الإجتماعية للدولة الوطنية وعجزها عن إنتاج قوى إجتماعية يشكل فكرها السياسي مرجعية وطنية لضبط مسار تطورها، ومنها احتدام الصراع الإيديولوجي والسياسي بين التياريين القومي واليساري خلال فترة التطور السياسي للدولة الوطنية بعد الاستقلال، ومنها عدم استيعاب قوى تيار الإسلام السياسي، خاصة الجناح المعتدل منه، في البينة السياسية للمجتمع، ومنها ممارسة السلطات في كثير من الدول الوطنية سياسية التمييز الطائفي، وكذلك عجزها عن توفير الحماية الاجتماعية لمواطنيها، الأمر الذي أدى بحث المواطنين عن الحماية الذاتية عبر اللجوء إلى هوياتهم الفرعية، سواء كانت عشائرية ـ قبلية أو طائفية ـ مذهبية أو قومية.
    إن هيمنة قوى أحزاب الإسلام السياسي الطائفي على الحياة السياسية، قادت إلى نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة على تطور الدول العربية، منها ما يتعلق بتشويه الديمقراطية السياسية التي جرى اختزالها إلى حق الانتخاب، وليس تلبية الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين، وهذا يعود إلى غياب الرؤية السياسية لدى احزاب الإسلام السياسي لموضوعتي الشرعية الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة  ومنها ما يتعلق  بإعاقة تطور النزاعات الاجتماعية ، بعد تحولها من صراعات طبقية إلى صراعات طائفية وحصرها بآليات ضبط أيديولوجية طائفية، ومنها ما يتعلق بمفهومها للنشاط الاقتصادي، الذي تم حصره بالتجارة، بشقيها العيني والمالي، والتركيز على قطاعي الخدمات والعقار، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة تطور القوى المنتجة  في القطاعين الصناعي والزراعي وبالتالي اعاقة النمو الاقتصادي، نتيجة تحول القوى الاقتصادية المتنفذة في البلدان العربية إلى قوى وكيلة للشركات الرأسمالية الدولية. 
    ومثال آخر على نظام الطائفية السياسية هو التجربة العراقية، بعد الاحتلال الامريكي عام 2003، حيث عملت سلطة الاحتلال على وضع أسس الطائفية السياسية من خلال إعادة تأسيس الدولة، التي انهارت بفعل الغزو العسكري الخارجي، على قاعدة  المكونات، فتم توزيع المناصب في مؤسسات الدولة على أساس طائفي ـ قومي، وأصبحت هذه القاعدة، عرفاً سياسياً واقعاً في الحياة السياسية لا يمكن تجاوزه، على الرغم من كون هذا العرف يتناقض مع الدستور العراقي الذي نص على مبدأ المواطنة، وليس على أعراف الطائفية السياسية.  
    إن سياسة النخب الحاكمة في العراق التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال، أدت إلى ان تتحول الطائفية المذهبية إلى طائفية سياسية، فعملت على اختراع مبدأ التوازن بين المكونات، بدعم من سلطة الاحتلال، بدلاً من اعتماد معيار المواطنة الواحدة كأساس لاعادة بناء الدولة والسلطة، فتم تطبيق التوازن وفق مبدأ تقسيم السلطة والثروة  بين النخب السياسية الحاكمة ومؤيديها وأصبح التمييز بين المواطنين لا يتم فقط على أساس القومي الطائفي بل على أساس الانتماء الحزبي. إن تطبيق هذا النهج، أدى إلى ترسيخ الطائفية السياسية ذات الصبغة الحزبية الضيقة،  ونتج عنه مخاطر عديدة أهمها، فقدان الدولة العراقية أساس وحدتها السياسية، التي بدأت تسير باتجاه تجزئة العراق إلى أقاليم ثلاث، والخطر الثاني، انتقال الطائفية السياسية إلى المجتمع بحيث أصبح الشعور الطائفي هو الذي يحدد رأي أغلبية المواطنين، ليس تجاه القضايا الوطنية فحسب، بل تجاه القضايا الإقليمية والدولية بحيث أصبح الاصطفاف الطائفي القومي، وليس الوطني هو الذي يحدد موقف المواطن من النزاعات والصراعات المثارة على الصعيدينجا الإقليمي  والدولي. 
    الكتاب الجديد للصديق أ. د لطفي حاتم المعنون" الدولة الوطنية والطائفية السياسية" يعالج كثرة من الموضوعات الفكرية، الناتجة عن صعود الطائفية السياسية في الظروف الراهنة، خاصة فيما يتعلق  بأفكار  الإسلام السياسي السلفي حول الغاء الدولة الوطنية واستبدالها بدولة الخلافة / أو دولة ولاية الفقيه، المرتكزة على استبدال المصالح الوطنية والقومية الملموسة بمصالح أممية إسلامية، متخذة من النهج الإرهابي وسيلة لتفكيك الدولة الوطنية ونظمها السياسية. كل هذه الموضوعات وغيرها، عالجها الباحث، بروح نقدية علمية، تهدف إلى محاولة تقديم رؤية فكرية تخدم الحوار الدائر بين الباحثين والمفكرين والسياسين حول المخاطر التي نتجت عن صعود الطائفية السياسية. ومما يضفي على الكتاب قيمة معرفية رصينة وذات مصداقية، كون تحليلاته تستند إلى دراسات الباحث الكثيرة حول الدولة الوطنية والمشاكل التي تواجهها في ظل العولمة الرأسمالية، تلك البحوث التي تمتزج بتجربة سياسية غنية ومشاركة فعالة في النضال الوطني تزيد على نصف قرن.
     إن قراءة الكتاب تحرك الذهن نحو المستقبل، لأن معالجاته، لا تميل إلى البحث في الماضي، بل إمعان النظر في الاشكاليات والأفكار المعاصرة، بهدف إثارة أهتمام الباحثين والمفكريين والسياسيين للتفكير بالحلول الواقعية للإشكاليات التي تعيق تطور مجتمعاتهم. كما ان أفكاره تدعو الأحزاب السياسية إلى وضع سياسة تستند على التعليل الفكري الذي يحلل الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وليس مستوحية من الكتب والنظريات التي فات أوانها، لتكون واقعية وليس تنظيرات بعيدة عن البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها غير قابلة للتطبيق.

    د. فاخر جاسم

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media