الدولة "تصعق" المواطن ونفسها ... بالكهرباء؟!
أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
"ينفق العراقيون 10 تريليونات دينار سنويا لشراء الكهرباء عبر المولدات الأهلية بسبب النقص الهائل في تجهيز الكهرباء، وأنفق العراق 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2005 شابها الفساد الكبير، واستخدمت القوات الأمنية أداة كهربائية يوم أمس لصعق متظاهر كان من بين المحتجين المطالبين بتحسين الكهرباء في قضاء العزيزية" ("صوت العراق"، 1 تموز 2021). حينما تُقوّض الدولة بنفسها رُكنها المؤسس، عندها ستسقط كل مظاهر شرعيتها المؤسساتية!
أولا. ملفات الماء والكهرباء الشائكة ... تبحث عمَنْ بيده عصا سحرية لحلها:
1) مشكلة الملفات (تتنازعها عوامل الفساد وسوء الإدارة والولاءات السياسية الداخلية والخارجية):
•النائب نوفل الناشئ: "ملف الكهرباء ملف شائك ومعقد نتيجة لوجود جهات وأطراف داخلية وخارجية لا تريد الخير للعراق" ("الأخبار"، 29 حزيران 2021)!
•مدير ماء محافظة بغداد رعد خيري: "إن أبرز أسباب شح المياه هو تردي واقع الكهرباء الوطنية" ("الأخبار"، 30 حزيران 2021)!
•الأجهزة الأمنية: "زادت مشكلة الكهرباء تعقيدا منذ بداية هذا الصيف بسبب الاستهدافات المتكررة الإرهابية والتخريبية لأبراج نقل الطاقة وقطع الماء وأنابيب تغذية المياه، تقف وراءها جهات وشخصيات متنفذة" ("صوت العراق"، 1 تموز 2021)!
•النائب حسين العقابي: "دعا الرئيس الكاظمي للتدخل المباشر في ملف شح المياه التي سببها صراعات داخل أمانة بغداد على التعاقدات والمشتريات الخاصة بملف المياه" ("الأخبار"، 1 تموز 2021)!
2) تعامل الرئيس الكاظمي مع مشكلة الملفات (مقطع فيديو له متداول على الانترنت):
•"أتعاطف مع شعبي في هذه المحنة، وليس بيدي عصا سحرية للتعامل معها"!
3) خيارات الشعب المحتملة لحل مشكلة الملفات (كما يراها المواطن جواد الكعبي):
•الطلب من مجلس الأمن الدولي التدخل لحمايته من حكومته العاجزة عن حل المشكلة!
•الطلب من أمريكا التدخل لحل المشكلة لأنها المُتسبب الأخلاقي بصناعتها وإدامتها!
•القيام بالبحث عن عصا النبي موسى السحرية لحل المشكلة بنفسه!
... قال أحدهم: "إذا لم يكن غير (العصا السحرية) مركبا ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها"!
ثانيا. جمهورية "المـــــــــــــــــــــــــــوز" ... وجمهورية "اللـــــــــــــــــــــــــــــــــو":
سُميت بلدان أمريكا اللاتينية بجمهوريات "الموز" لاعتماد اقتصادها عليه، ومع ذلك تقوم هذه البلدان بتطوير وزيادة إنتاجه، لدرجة أن مواطنة روسية سألت رئيسها على الهواء مباشرة قبل أيام لماذا سعر الموز المستورد أرخص كثيرا من سعر الجزر المُنتج في ضواحي موسكو؟
أصبح العراق بعد عام 1958 جمهورية "نفط" تقوم باستيراد "الموز والجزر وكل شيء"، ولكنها ليس فقط عجزت عن استثماره في الطاقة الكهربائية مثلا بما يكفي لتزويد السكان بها على الأقل بانتظام، وإنما أيضا زرعت في عقول قادتها "مرض التمني" في إدارتها لشؤون البلاد، ومثاله الأخير ما قاله الرئيس الكاظمي يوم أمس ("صوت العراق"، 3 تموز 2021):
•"لو استثمرنا في الطاقة الشمسية لأصبحت قضية الكهرباء اليوم خلفنا"!
•"لو استثمرنا في إنتاج الغاز لصدر العراق اليوم الغاز بدلا من أن يستورده"!
•"لو استثمرنا في المحطات غير الغازية لأصبح العراق اليوم قادرا على توفير الكهرباء"!
•"لو استثمرنا في إصلاح شبكات نقل الكهرباء لما حدثت أي أزمة"!
•"لو استثمرنا بالربط الكهربائي مع كل جيراننا لتمكنا من معالجة الأزمات والنقص صيفا"!
... وبما أن مرض "جمهورية اللو" مُعّد، فقد أصابني أيضا لأهمس في إذن الرئيس: ماذا "لـــــو" قمت ووزرائك للكهرباء والنفط والمالية والتخطيط والري والإعمار والصناعة بالحضور إلى قبة البرلمان، وطلبتم استجوابكم على الهواء مباشرة بغرض مساعدتكم بالتخلص ... من "لـــــو". منذ طفولتي، كنت أسمع قولا حكيما للناس: "اللو زرعوه ... وما خضر". ربما الرئيس لم يسمع به؟!
ثالثا. "ما مرَّ عام والعراق ليس فيه ... سياسات مُنتجة للقيظ":
•قال بدر السياب لاعنا السياسات الفاشلة لحكام بلاده: "ما مرَّ عام والعراق ليس فيه جوع"!
•ويقول الكاظمي لاعنا سياسات مَنْ سبقه من رؤساء حكومات: "لماذا شيدنا في العراق طوال 17 عاما محطات توليد الطاقة الكهربائية الغازية مع عدم قدرتنا على توفير الغاز لها"؟ ("صوت العراق"، 3 تموز 2021). ومَنْ هم هؤلاء المُشيدون البواسل؟ يخشى الكاظمي تسميتهم علانية وتطوع جواد الكعبي بإعلان هذه البديهة: إبراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي أيضا!
•ويقول إسماعيل لاعنا سياسات مَنْ سبقه من وزراء نفط: "إن البيئة الاستثمارية في العراق غير مناسبة للحفاظ على المستثمرين الكبار". ومَنْ صنع هذه البيئة الطاردة للشركات العالمية لمساعدة العراق في استثمار شريان دم اقتصاده؟ يخشى إسماعيل تسميتهم علانية وتطوع جواد الكعبي بإعلان هذه البديهة: إبراهيم بحر العلوم، حسين الشهرستاني، عبد الكريم لعيبي، عادل عبد المهدي، جبار اللعيبي، ثامر غضبان، وإحسان إسماعيل أيضا!
•وتقول الناس المُتلظية بالقيظ وهي تضع رُضَّعها في الثلاجات بين انطفاء للكهرباء وآخر لاعنة سياسات الرؤساء والوزراء: "هؤلاء هم أمراء الفشل المُمنهج ... ويجب محاكمتهم"!
•ويقول جواد الكعبي، "مُكتشف بديهة صناعة القيظ في صيف العراق!"، لاعنا كل مَنْ ساعد وبارك واستفاد من هذه الصناعة: "ليس غرض تقديم أمراء الفشل المُمنهج للمحاكمات العلنية هو الانتقام، وإنما ليتبين العراق دوافعهم حتى يستعد ... لقيظ صيف قادم لا محالة"!
... يُريدون محو ذاكرتنا الجمّعية ... حتى ننسى أبطال محنتنا ومحنة بلادنا المستديمة!
رابعا. خلق الله النفط والشمس ... ليبتلي بهما قادة العراق:
•لم يستطع قادة العراق استغلال ما تحت أقدامهم من النفط والغاز لتوليد القدر الكافي من الطاقة الكهربائية منذ عشرينات القرن الماضي وحتى عشرينات القرن الحالي، وابتلاهم الله بعمى البصيرة حينما شَرَعوا في السنوات الـ 18 الأخيرة بتشييد محطات غازية لتوليدها وهم يحرقون غازهم المصاحب لعمليات استخراج النفط!
•ولكن القائد التنفيذي الأول للعراق يحلم برؤية أشعة الشمس هاربا من لهيب الغاز المحترق بقوله: "لو استثمرنا في الطاقة الشمسية لأصبحت قضية الكهرباء اليوم خلفنا" ("صوت العراق"، 3 تموز 2021). وتلقف القادة التنفيذيون لوزارة الكهرباء رؤية قائدهم الأول كدليل عمل "لتعديل الاتفاقيات وخارطة الطريق مع شركتي (سيمنس) و(جنرال اليكتريك) للمضي بإنشاء مشاريع الطاقة الشمسية" ("صوت العراق"، 6 تموز 2021)!
•وبعد الانطفاء التام للكهرباء ولبصيرة قادة العراق، أصاب الانطفاء أيضا بصيرة قادة وكالة الطاقة الدولية عندما عَمّيت عن رؤية انطفاء العراق على مدى قرن من الزمن، لتنصح قادته اليوم: "يتوجب على قطاع الكهرباء أن يدخل في خططه إصلاحات وحلول طويلة الأمد من أجل الحد من أزمة الكهرباء المستمرة" ("صوت العراق"، 6 تموز 2021)!
... وفوكَّ كل هذا الكمّ من عمى البصيرة، يأتي أحد قادة تيار "الحكمة" لقائده الحكيم، ليُبشر المتلظين بلهيب الشمس ودخان الغاز المحروق بقوله ("صوت العراق"، 5 تموز 2021): "إن أفشل نظام لتوليد الطاقة في العالم هو موجود بالعراق، كون هذا النظام يعتمد على مصدر الغاز والعراق ليس لديه غاز.. خصوصا أن هناك فاعلا سياسيا داخليا يتناغم مع الفاعل الخارجي وهو سبب أزمة الكهرباء في العراق". لطفك يا الله ببلادي من لهيب ... عمى قادتها!
خامسا. ريسنا عنده روح دعابة ... ولكنها عالية جدا:
عند ترأُسه جلسة مجلس الوزراء، جمع الرئيس الكاظمي في سلة "منطق سياسي" واحدة الكثير من التناقضات التي ترقى لمصاف "مشيجيخات حلوة"، وعلى ما أظن كان غرضه دغدغة مشاعر الناس بفرح لم يعرف سبيله إليهم دهورا، وهو قطعا لم يكن مسؤولا مباشرا عن الجزء الأعظم من مأساتنا كشعب عاثر الحظ بفشل حكوماته "الديمقراطية" المتعاقبة ("الأخبار"، 6 تموز 2021):
•"يمثل سوء التخطيط والفساد والفوضى تركة ثقيلة في ملف الكهرباء.. ولكن الحكومة الحالية تعمل عبر إستراتيجيات علمية وعملية على تجاوزها". وماكو قبض غير "شوي" الناس!
•"عملنا في هذه الحكومة على زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.. ولكن هناك محاولات لئيمة لإعاقة سقف الإنتاج". والناس تصرخ مُتسائلة مَنْ هُم هؤلاء اللئام يا ريس؟
•"وصلنا إلى قيمة غير مسبوقة أبدا في سقف إنتاج الكهرباء.. ولكن بعد يومين حصل انهيار لها في 4 محافظات". والناس عادة لا تأكل "القيمه" إلا في مواسم اللطم السياسي!
•"قواتنا الأمنية تبذل جهودا جبارة لحماية أبراج نقل الطاقة.. ولكن يحدث انهيار لكل المنظومة الكهربائية بالتزامن مع استهداف أبراج نقل الطاقة". والناس تؤكد ما قصرت!
•"لدى الحكومة خطة لتوزيع 550 ألف قطعة أرض سكنية، وسنوزعها على المواطنين بعدالة وشفافية وبعيدا عن المحسوبيات، وسنمنحهم قروضا لبنائها". ولكن الناس تحلف إذا حصل هذا فسيكون بعيدا عن الماء والكهرباء، وقريبا من الروتين السائد والفساد الجاثم!
... جازاك الله خير الجزاء أيها الرئيس، فحالنا كشعب كحال طفل يتيم يستوجب أحيانا من أهل المعروف ... مواساته!
د. جواد الكعبي/باحث أكاديمي
9 تموز 2021
jawadlafta@yahoo.com