مقدمة :
في الواقع كنتُ قد توقفتُ عن كتابة مثل هذه المواضيع منذُ زمنٍ ليس بالقصير.
تجنُباً لصداعِ الرأس والألم وغضبِ الأحبّة والأقارب والأصدقاء وماشابه!
لكن ماسمعته اليوم في برنامج (في فَلَكِ الممنوع) من قناة فرانس 24 العربية ,
تقديم السيّدة (ميسون نصّار) ,أفقدني صوابي وقهرني تماماً كإنسان ,رغم تخيّلي إمساكي بعنان قلبي ومشاعري في هذا العُمر!
حدثَ ذلك كلّه بسبب كميّة الهُراء والكذب والتضليل والقسوة المُفرطة واللاإنسانية اللامعقولة ,من سيّدتين مُحاميتين مغاربيتين مُسلمتين مُحجبتين شريفتين!
موضوع الحلقة كان عن مصير وحقوق الأطفال الذين يولدون خارج ما يُسمى إطار الزواج الديني أو الرسمي .وكيف يؤول بهم الأمر (هذا إن بقوا على قيد الحياة) ,ليصبحوا أطفالَ شوارع في النهاية .الرابط أدناه!
ورغم أنّي أمقت الى أبعد الحدود مُتاجرة البعض (من أجل كسبٍ مادي) نشرَ صور أو مقاطع عن بؤس الأطفال والمجاعات والأمراض التي يتعرضون لها في بعض أرجاء كوكبنا الجميل ,لكنّي مُضطر (لا مُختار) لإرفاق صورة عن مثل هؤلاء الاطفال!
ضيوف الحلقة وأرائهم!
يبدو أنّ هذه الحلقة كانت الجزء الثاني لمناقشة هذا الموضوع !
العنوان الرئيس : أطفال خارج إطار الزواج ,ملائـكة بدون نسب / ج2
العنوان الثانوي : قضايا إثبات النسب قوانين ضدّ الإنسانية!
في البدء تروي السيدّة ميسون هذه الحكاية المُختصرة وهي مأساة بكلّ المقاييس:
[ في أحدِ الإيام إنتظرها بجوارِ مقرِّ الدروس الخصوصيّة ,تهجّمَ عليها ,ظلّ يضربها الى أن فقدت وعيها ,فإعتدى عليها ,ثمّ سرقَ هاتفها المحمول وإتصلَ بخطيبها ,قال لهُ : خطيبتك لم تَعُدْ تنفع للزواج .بالطبع لم تكتمل خطبتها لتكتشف لاحقاً أنّها حامل ,فتخوضُ معركة قضائيّة لا هوادةَ فيها ,لإثباتِ نسبِ طفلتها!]
ثمّ تكمل السيّدة ميسون قولها :أتحدّثُ عن الشابة المصرية (أمل عبد الحميد) التي كانت ضحيّة لجريمة إغتصاب في مصر في الدهقليّة!
في هذه اللحظة تظهر السيّدة أمل على الشاشة بكلّ هدوئها ومظلمتها ,بكلّ شبابها وبؤسها ,بكلّ كرامتها المطعونة وشرفها (حسب الإسلاميين) المهدور المستباح .
لتروي القصة من ألفها الى يائها ,ثمّ تجري دموعها في النهاية ,لتُبكي كلّ مَن له قلب أو حتى أدنى مشاعر إنسانية عادية!
نعم الإسلاميّون يظنّون الشرف هناك في المثلث ,وكلّ مايفعله الرجل من جرائم بهذا الخصوص ستكون حسب تعبيرهم مجرد (نزوة عابرة) .إنّما الفتاة هي المُجرمة ,هي الشيطان الذي أغوى (إبن آدم) لإقتحام ذلك الشرف!
ما أغضبني حقّاً في هذا الجزء من الحلقة ,موقف عمام البنت (أمل) حيث قاموا بضربها ومساومتها على حقّها في الإرث وما شابه ,فقط كي لا يقتلوها .بعدها سيزوجوها لرجل بمعرفتهم (ليس مهماً أن يكون عجوز أو مدمن أو حتى مجرم)!
المهم الآن الطفلة (بنت أمل) عمرها سنتين ونصف ,والمعضلة الكبرى هي قضية تسجيلها ونسبها ,رغم أن تحليل الـ (دي إن أيّ) أثبت الأب السافل الفاشل الفاعل!
هنا تبدأ السيدة ميسون نصّار بالترحيب بضيوفها :
الأولى / فاطمة الزهراء الإبراهيمي (يالهول الإسم) ,المُحاميّة من الرباط
تسألها ميسون سؤال غاية في البساطة والصراحة والمعقوليّة :
هل تستحق (إبنة أمل) أن تُنسَب الى والدها أم لا ؟
لن أكتب تفاصيل إجابة هذه المحامية الإسلامية الشريفة ,سأترك ذلك لكم لو وددتم متابعة الشريط أدناه .ستفهمون رغم كلّ الدجل والرقص على الحبال الذي مارسته هذه المحامية أنّها ضدّ ذلك ,دون أدنى خجل بل مع سبق الإصرار وبدمٍ بارد!
الثانية / السيّدة (ليلى عواضة) ,مُحامية وحقوقيّة في منظمة كفى في لبنان!
هذه السيدة ليست مُحجّبه ,إنّما هي عندي أشرف من كلّ المُحاميات الإسلاميّات المُحجبات على مدى الكوكب كلّه!
[ملاحظة : مقياس الشرف عندي ,العمل الأخلاق المواقف والقيم الإنسانية]!
قالت ليلى ,أوضحت ,دافعت عن حقوق الطفل المولود من حالة إغتصاب .
دافعت عن الضحيّة الحقيقية (الشابة البائسة أمل في هذه الحالة) ,شرحت كيف أنّ قوانين دولنا الإسلامية رجعية ذكوريّة ظالمة منذُ الأزل والى يومنا ,رغم كلّ التحسينات اللفظية التي يدخلونها عليها بضغطٍ من العالم الحُرّ بين فترةٍ و أخرى!
الثالثة / (دليلة حسين) رئيسة جمعية نور للمرأة والأسرة والطفل ,من الجزائر!
عند سؤالها عن رأيها في القضية أعلاه ,أوّل ما أجابت به:
أنا أستهجن كلّ ما يُقال عن الذكوريين والميثاق الغليظ وما شابه .هذا رأيي وهذا شرعي ,أنا متمسكة بشرعي لا أحب أن يُهان شرعي ,الشرع يؤخذ كلّه ..الخ!
سأترك لكم تخيّل باقي إجابة هذه السيّدة الشريفة وتمسكها بالشرع والشريعة!
الضيف الرابع / (محمد الشيخ ولد إمخيطير) ,ناشط حقوقي ورئيس منظمة تنويريون في بلاد الإسلام (سأحاول الإتصال به لاحقاً لشكرهِ)!
قال : الشريعة الفضفاضة التي يتحدّثون عن كونها لا تتغير بتاتاً!
وأضاف :على مرّ العصور وحين تعودين الى تأريخ الشريعة الإسلامية تغيّرت بالمُجمل إبتداءً بالعصر الراشدي وحتى يومنا هذا. حصلَ الكثير من الإجتهادات هنالك اُمور كانت معلومة من الدين بالضرورة في العصر العباسي ,لم تعُد لها أدنى قيمة في عالم اليوم!
بعد ذلك تقوم السيدة ميسون نصّار بعرض تقرير عن آراء بعض الناس الناطقين بالعربية (من الجزائر الى بيروت) .
الحقّ غالبيتهم تجيب ما معناه (الخاطيء عليه تحمّل وزر خطيئتهِ)!
لكن واحد (شريف) على الأقل أجاب عن سؤال : لمن يُنسب الطفل في حالة الإغتصاب ,للأب أم للأمّ؟
قال : لا هذا ولا تلك ,يُنسب للشيطان!
***
الخلاصة :
يُريد الشرفاء الإسلامويين نسب كلّ جرائمهم للشيطان القزم الأعرج الملعون!
لكن ماذا إذا لم نعثر على مثل هذا الشيطان فعليّاً ولم نستطع محاكمته ,هل ننسبها للضحيّة المسكينة المغلوبة على أمرها ,لنُخبّيء رؤوسنا في الرمال؟
على كلٍ أقول :في مثلِ هذه الحالات التي أسمع فيها آراء النساء الذكوريّات في بلادنا البائسة,يتصاعد داخلي الإحتقار الأكبر لكل ثقافة شموليّة فاشلة ظالمة أوصلت الإنسان والمجتمع عموماً لهذا الحضيض الذي نغوص نحنُ فيه اليوم!
كيف يختلف إثنان أصلاً على تسمية الطفل .. إبن حلال أم إبن زنا؟
كيف يختلفون على حقوقه وكرامته وإنسانيته وهو حتى لم يكن جنيناً في بطن اُمّه عندما حدثت الجريمة الأولى بحقّهِ؟
هل هذه هي الحكمة والموعظة الحسنة والأخلاق الحميدة التي توفرها الأديان؟
هل هذا هو الرأي السديد ممن يدعون أنفسهم بالصالحين العادلين المؤمنين بالعقيدة الحق؟ ما الذي يجعلنا ننهض ونلتحق بركب الحضارة العالمية إذا كنّا نفكر بهذه الطريقة؟
[لكن الفكرة الحقيرة مثل الفِطرْ تتسلّل وتندّس ,لا تريد ان تكون في مكان بعينهِ]
هكذا تكلّمَ زرادشت / فريدريك نيتشه!
***
الرابط :
أطفال خارج إطار الزواج ,ملائـكة بدون نسب! ج2
رعد الحافظ
23 يوليو 2021