كتاب كنت أتمنى ان لا اقرأه..
كثيرة هي الكتب التي تقرأها بعد ان تدمن على المطالعة وتسير في طريق المعرفة والبحث.. وتستهويك المجلدات والمصادر والمخطوطات.. وحينما تتعب من كتب الفلسفة والاقتصاد وبقية الكتب العلمية وتقرر التخفيف من حدة التركيز والتفكير نسبياً.. تلجأ للأبداع فتختار الروايات والقصص ودواوين الشعر وكل ما له علاقة بالنقد والفن..
وفي لحظات التعب الشديد من آفة القراءة تلجأ للمجلات والجرائد والمقالات الخفيفة.. وبين هذا وذاك من المطبوعات تكون مجبراً أحيانا لقراءة كتاب والغوص في صفحاته بالرغم من ضحالة الكاتب وخواء محتوى المطبوع..
والأقسى في هذا المجال.. ان كنت مرغماً.. بسبب البحث او التوقف النقدي.. على قراءة كتاب تعرف محتواه مسبقاً وعدم جدوى قراءته مقدماً.. لكنك مضطر.. حينها تصبح القراءة عقوبة.. تتحملها على مضض بصمت لأنك لست مخيراً..
حدث هذا معي لأكثر من مرة.. وأنا اقرأ نتاجات ومخلفات ميشيل عفلق.. التي قال عنها الراحل فالح عبد الجبار في برنامج تلفزيوني: انها شوربة.. وتكرر هذا الحدث معي وأنا اقرأ في زمن حروب صدام ونظامه الكثير من الكتابات البذيئة والهابطة.. التي كانت تزين مشاعر شخوصها وتصورهم وهم يساقون لجبهات القتال والموت عنوة.. كأنهم يتسابقون للمشاركة في حفلة عريس او وليمة فرح..
ومع هذا لم يصل بي الحد ان أقول يوما ما.. انني تأسفت على قراءة هذا الكتاب او ذاك المطبوع ولم أكن أتمنى ان لا اقرأه..
لكن هذا الشعور حدث معي الآن.. وأنا بعد لم انتهي من قراءة ما سطره السياب في كتابه.. (كنت شيوعياً) وهو يسرد على حلقات تجاوزت صفحاتها الـ 264 صفحة بالتمام والكمال افتراءاته.. بأسلوب سوقي مبتذل بكل ما في الكلمة من معنى.. وهجوم لا يقدم عليه إلاّ سفيه وحاقد لئيم تخلى عن ضميره وانسانيته.. لا لسبب الاّ لينال ممن اعتبرهم خصومه واعداءه.. وحينما لم يجد عندهم من الزلات والاخطاء والنواقص ما يناسب هجومه وحقده.. ليرتكز عليها في تبرير موقفه.. راح يتصنع الأحداث ويختلق المواقف.. بخيال مريض يفبرك قصصاً وحكايا ويلصقها بالأسماء التي تعرف عليها وعمل معها في فترة وجوده بين الشيوعيين لتكون النتيجة..
صفر أخلاق..
وصفر التزامات..
وميوعة واغتصابات للنساء ولواطة وتحرش جنسي يمارسه فهد ومن معه تارة.. وبهاء الدين نوري ثانية وعامر عبد الله ثالثة.. وتتالى الأسماء لتشمل حزب توده ومن ناضل في صفوفه ممن يدعي السياب معرفتهم عن قرب..
هكذا تسير "المذكرات" التي سطرها السياب في حلقات (كنت شيوعياً) ولم يكتفي عند هذه الحدود وواصل ليكشف عن مكنونات عنصرية تطال الآخرين من موقعه العروبي والإسلامي الذي اعتكز عليه وتقوقع فيه.. ليكتشف في الطرف الثاني من المعادلة.. ماركس اليهودي.. ولينين هو الآخر يهودي.. وان الأكراد عنصريون ومعادون للعرب.. وهكذا يهود العراق والشيوعيون منهم بالذات هم صهاينة هكذا يسير بتصنيفاته ليشمل الفرس وغيرهم واضعاً شاعرين مهمين هما الجواهري والبياتي في هذه الخانة..
كأن العرب.. ومن يحمل راية العروبة والإسلام منهم تحديداً.. هم رسل سلام ومحبة.. ينادون بالحق وينشدون رحمة الإله في هذا الكون.. وبقية الاقوام والأجناس البشرية.. ليسوا إلاّ كواسر ووحوش ضارية وكائنات بلا اخلاق..
أما الشيوعيون فليسوا الاّ ملحدين.. وفساق يمارسون الرذيلة.. ليس لهم هدف الاّ خداع الآخرين.. وهم عملاء مأجورين للاستعمار ومخططات الأجانب.. باعوا فلسطين.. ودمروا العرب.. واندمجوا مع نوايا الفرس المعادية.. وليس لهم غاية الاً تدمير المجتمعات العربية.. وإشاعة الرذيلة في المجتمعات المحصنة بالإسلام والعروبة.. وما ينسب إليهم من دور اجتماعي وسياسي.. ومشاركة فاعلة في الانتفاضات والهبات الجماهيرية.. بما فيها وثبة كانون 1948 وثورة تموز 1958.. ليس الاّ أكاذيب تعتمد على سرقة جهود الآخرين.. وتعظيم دورهم المحدود..
هذه هي رؤية السياب.. وهذا هو تقييمه للأحداث.. التي رواها وسطرها بأسلوب سوقي مبتذل.. لا يليق به كشاعر ومثقف.. ولا كانسان من حقه ان يغير قناعاته.. وينسحب او يستقيل من الجهة او الحزب الذي انتسب اليه..
لكن ليس من حقه ان يسطر لنا هذه الأكاذيب.. ويساهم في زرع الأحقاد والعنصرية بيننا كمواطنين وبشر من شتى التسميات والتكوينات الإنسانية.. حينما يقول ان الشيوعيين زهقوا حياة عائلة كاملة في كركوك.. قتلوا الأب وبتروا ثدي الأم وقطعوا كف الطفل الصغير ووضعوا ثدي امه فيه..
هذا ما سطره السياب في (29) حلقة.. تلتها (11) حلقة من اعترافاته و"مذكراته " التي بدأت بنشرها جريدة الحرية البغدادية في 14 شباط 1959.. التي كان يرأس تحريرها قاسم حمودي المحامي.. واعدها للنشر وليد خالد احمد حسن.. لتصدر في كتاب عن دار الجمل عام 2007.. وهي موضوعة على شبكة الانترنيت لمن يرغب الاطلاع عليها..
ولو دققنا في الدوافع والمبررات التي ساقت السياب ليسطر هذه الاعترافات المشينة.. والمذكرات العجيبة.. لما وجدنا سبباً واحداً مقنعاً ومبرراً لكل هذه الأكاذيب.. وهذا التحول اللاأخلاقي في مواقف السياب كشخصية ثقافية وانسان.. ناهيك عن خلق ابسط مناضل سياسي انساق في مشروع تغييري للمجتمع كما هو الحال مع الشيوعيين في العراق..
ولا يبقى امامنا الا ان نربط التواريخ ببعضها.. لنستنتج ان ثمة علاقة.. علاقة سياسية بين ما كتبه السياب واندفاعه العنيف لينقلب على الشيوعيين وينشر أولى هذه الحلقات بتاريخ 14 شباط 1959 في صحيفة يديرها من خطط لمؤامرة الشواف في الموصل في آذار 1959.. باستدراج ودعم ممن كان يخطط ويمهد لانقلاب 8 شباط 1963..
هذا الانقلاب الذي مجده السيّاب وتفاخر بجرائمه كأي فاشي محب للدماء في هذا الكون..
قال عنه الكاتب حميد كشكول في مقال ناقد نشره في الحوار المتمدن تحت عنوان.. السّياب عاشق انقلاب 8 شباط النازي.. (نراه في تمجيده للانقلاب الدموي في 8 شباط 1963.... ليس ذاك الشاعر الرقيق المجدد الأول للشعر العربي الحديث. إنه في قصيدته هذه يقطر عنصرية وطائفية ونازية)..
ومن المؤكد ان هذه الادعاءات الرخيصة كانت تؤجج المواقف.. وتدفع بعبد الكريم قاسم الذي كان يحشر السياب اسمه فيها.. ناهيك عن قصائده المخصصة لمدح الزعيم ومنها (قصيدة يا أبا الاحرار) التي يقول فيها:
(يا كريما ما رأينا مثله
من كريم يا نجي المكرمات
يا أبا الأحرار يا رافعها
رابة تزهو على شط الفرات)
وتلاها قصائد مدح أخرى على نفس المنوال تبجل بقاسم رغم موقفه المعلن من الشيوعيين قبل ان ينقلب السياب على الزعيم نفسه ويلحقه بهم ليهاجمه هو الآخر في صبيحة يوم الانقلاب بقصيدة حملت عنوان (قصيدة إلى العراق الثائر).. هي في المحتوى قصيدة داعشية بامتياز تمجد العنف والقتل تصف قاسم بعدو الشعب..
هذه التحولات والتبدلات المتناقضة في السلوك والموقف تعكس خواء السياب الفكري مقارنة بشاعريته كانت نتيجتها الندامة كما ذكر عبد الصاحب الموسوي.. وهو يتحدث عن أيامه الأخيرة في مستشفى الكويت.
(كنت أكثر زائريه القليلين مكثا عنده واستماعا اليه، وكانت به رغبة شديدة للكلام عن كل شيء والتحدث في كل موضوع وخصوصا ما يتعلق بحاله وتنكر الحكومة العراقية له. وكان يشعر بندم جارح حين يتذكر مقالاته التي نشرها في جريدة قومية بعنوان " كنت شيوعيا ".
وكان يشد بيده اليمنى(السليمة) على شعره الخفيف جداً ويصرخ بكلمة شتيمة على نفسه لأنه ارتكب تلك الحماقة ورضا ان يكذب على رفاق لا يستحقون ان يوصموا بما وصمهم به على طول تلك المقالات. وكان يقسم بأسلوب متشنج ان كل ما كتبه كذب في كذب اضطره على ارتكابه سوء وضعه الاقتصادي. كما كان يذكر بندم شديد قبوله للمساعدة التي قدمها عبد الكريم قاسم من أجل ان يتعالج في الخارج)
لهذا قلت كنت أتمنى ان لا اقرأ هذا الكتاب..
صباح كنجي
19/7/2021