أعلن السيد مقتدى الصدر مقاطعته للأنتخابات القادمة، تبعه في ذلك الحزب الشيوعي العراقي. قراران يتسمان بالاهمية، وتَحملان في طياتهما إدانة واضحة لجدوى ألانتخابات وللعملية الديمقراطية برمتها. ان هاتين الحركتين في طبيعة تكوينها وأهدافها غير مُتجانستين، على الرغم انهما عملا معاً تحت سقف إئتلاف "سائرون" في الأنتخابات الماضية، وحققا نجاحاً يُذكر. موقف كهذا يتطلب الجواب على السؤال التالي: ما العمل بعد عدم المشاركة في الأنتخابات؟
الكل يتفق من أن العملية السياسية ومنها الأنتخابات، فاسدة ومنخورة حتى العظام، وأن الآمال في إحداث تغيير في تركيبة مجلس النواب المُقسم محاصصياً شبه مستحيلة. ولكن هل أن المقاطعة هي الحل الأفضل؟ للأسف الشديد لا اعتقد ذلك. لأن مقاطعة الأنتخابات من قبل بعض الجهات، سوف يمنح الفرصة للجهات الأخرى ان تَستغل ذلك لتسد الفراغ، وبالتالي ينحصر ألاستحواذ على السلطات والثروات بأيادي أقل ويتركز الفساد بيد سلطة تكون منفردة بمقومات البلد.
الصدريون يختلفون عن الشيوعيون من حيث العدد والعدة والقدرة على التأثير على ما يجري في البرلمان والحكومة والشارع، مُضافاً لذلك يمتلكون حجم وافر من علاقات إقليمية سواء من خلال أجهزة الدولة او من خارجها. وفي النهاية سنرى ان الصدر والصدريين سوف يتراجعون عن المقاطعة، ويشاركون بالأنتخابات لثلاثة أسباب: أولها لأن الآخرين سيطلبون منهم ذلك، فعلى سبيل المثال، السيد الكاظمي اعلن عن اسفه لعدم مشاركة الصدر، وهذا يعني مطالبته بأن يشارك. والسبب الآخر ان النواب الصدرين سيضغطون على الصدر للتراجع عن موقفه، فإن تعنت فإن غالبيتهم سوف ينشقون عنه ويرشحون تحت مكونات انتخابية جديدة بأسماء اخرى او يندمجون مع إئتلافات وقوائم مستعدة لأحتضانهم. أما السبب الثالث والمهم فإن عضوية مجلس النواب، أمتيازات وحصانة وحماية وتغطية، وليست واجب وطني كما هو مفروض. النيابة ليست وظيفة عالية الدفع والمخصصات فقط، وإنما شركة قابضة عملاقة للعديد من المشاريع والمقاولات والعلاقات والزيجات والسفرات والعلاجات، التي لا يمكن في اي حال من الأحوال ان يستغني عنها النواب الصدريين طواعية لوجه الله.
يأخذ الحزب الشيوعي قراراته من مفهوم المصلحة العامة والوطن اولاً، مناهضاً للفساد والمحاصصة والطائفية، التي لا تلقَ استجابة في صناديق ألاقتراع للأسف الشديد على الرغْم من تأييدها من قبل المثقفين والواعين. لذا يرى الشيوعيون ان حظهم محدود جداً ضمن ظروف قانون انتخابات مُصمم لمصلحة الكتل الكبرى، ضمن بيئة معظم الأصوات توزع إما طائفياً او عرقياً او عشائرياً او مناطقياً أو بتفاعل عاملين او أكثر من هذه العوامل، وليس على أساس البرامج ألاقتصادية والأصلاحات ألاجتماعية ورفع مستوى التعليم والثقافة وتحسين الرعاية الصحية وتحقيق العدالة ألاجتماعية والى آخر ما ينادي به اليسار والتيار الديمقراطي العلماني والمخلصين في العراق.
إن مقاطعة ألانتخابات من قبل بعض الأحزاب سوف لن تُلغي الأنتخابات او حتى لن تُقلل من شأن نتائجها، لأنها سوف تمنح فرصة للآخرين للاستحواذ على مقاعد أكثر كما ذكرنا. وإذا رجعنا للسؤال الأول: ما العمل وما هو البديل؟ ان الشيوعيين ومجموعة شباب تشرين، ما زالوا ينشطون في المطالبات والمظاهرات والوقفات ألاحتجاجية، وقدموا في ذلك العديد من التضحيات والشهداء خاصة في مدن بغداد والنجف والناصرية. إنه نشاطاً جماهيري له دور عظيم في خلق الوعي لدى الشباب، ولكنه لن يكون عاملاً حاسماً، إن لم تشارك به كل المحافظات من دهوك حتى الفاو، وبزخم عالٍ كما حدث في مصر عدة مرات. وهذا ليس مقدراً له ان يحدث حالياً لانقسام الشارع العراقي قومياً وطائفياً بشكل مكبل للأيادي والعقول بأغلال حديدية للأسف الشديد.
هناك احتمال ان تستفاد مجموعة منْ هُم في السلطة حالياً، مع مجموعة من ضباط الجيش الحاليين والمتقاعدين، وبأسناد خارجي، تغيير السلطة كما حدث سابقاً في مصر والجزائر وما يحدث حالياً في تونس. وهناك احتمالات تشير الى إمكانية حدوث مثل هكذا حركة، خاصة بعد نجاحها في تونس، وتسمى تصحيحية وضد الفساد، وسيرحب الشعب بها ويفرح نتيجة يأسه من الواقع المرير، الى حين ان تنكشف الأوراق من جديد، ويعيد التاريخ نفسه.
لا يمكننا ان نستخف بالأسباب التي دعت الى عدم المشاركة في الأنتخابات من قبل الشيوعي أعرق الأحزاب العراقية، والكتلة الصدرية وهي اكبر الكتل البرلمانية، ولا يمكن ان نستنكر أو نؤيد قرار مفصلي كهذا، ولكن في اعتقادي ممكن ان نحاورهما، ونطرح رأينا المتواضع. ان المشكلة الأساسية في اعتقادي هي مجلس النواب، لأنه ليس سلطة تشريعية فقط، وإنما سلطة تختار السلطة القضائية والتنفيذية أيضاً. فإن كانوا فاسدين فسيختارون منْ هم مثلهم. الحل ان يشارك الصدريون والشيوعيون والعلمانيون والمستقلون في الأنتخابات ويتعلمون كيف يفوزوا بمقاعد كافية للتحكم في البرلمان، او على الأقل يُكونوا كتلة معارضة قوية بشرط ان لا تشترك في السلطات التنفيذية كي تصبح رقيباً شعبياً على الدولة. معنى ذلك ان تنأى كتلة المعارضة عن ألاشتراك بأي منصب رئاسي او وزاري او حتى إداري عالي، كي تبقى قادرة على ان تقوم بدورها الإشرافي في التشريع والمراقبة والمحاسبة.