تخطيط ... بمناهج تَخَبُّط وتزييف فاضحة؟!
أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
أولا. عندما يغيب التخطيط ... يُشَرّعن النهب:
بعد أن أحرق علي بن علاوي وخالد بن بتال الأخضر واليابس من العباد والاقتصاد بموازنتهما "المُخطط" لها، جلسا باسترخاء ظاهر بمكاتبهما المُترفة غير عابئين بمصير تنفيذها من عدمه، ولكن رجل اللجنة المالية النيابية المُترفة أيضا محمد الشبكي خرج على العباد والاقتصاد متعاطفا أو متنمرا أو شامتا ليُبشرهم بتعطيل تنفيذ الموازنة، وضياعها المحتمل وربما نهبها، لثلاثة أسباب، قال عنها "مالية وفنية وسياسية" ("صوت العراق"، 25 تموز 2021)، بينما جواد الكعبي يعزوها لغياب و/أو عدم حرفية التخطيط:
1) لم تأخذ وزارتي المالية والتخطيط بالحسبان وضع "خطة عمل" لاحتمال طعن الحكومة بالموازنة، رغم أن قانون الإدارة المالية لا يُجيز للوزارتين تأخير تنفيذها بحجة الطعن!
2) لم تُشغل وزارتي المالية والتخطيط نفسيهما بصياغة "خطة إجرائية" لتجاوز روتين علاقتيهما بالمحافظات، المُعطل لإطلاق التمويل من وزارة المالية!
3) لم تقم وزارتي المالية والتخطيط برسم "خطة طوارئ" لمواجهة الإشكالات السياسية المُعيقة لتنفيذ الخطة المالية، التي توظفها بعض المحافظات للتعمد بعدم المصادقة على موازناتها والمصادقة عليها لدى وزارة التخطيط!
... "العيب فيكم .. يا بحبايبكم ... أما (التخطيط) ... يا عيني عليه"!
ثانيا . تزيـــيــف مُـشتـــــرك ... لا يجد ما يـسنـــــده:
رصدت في منشور على صفحتي في الفيسبوك قبل أيام ظاهرة اختفاء وزير المالية عن الحضور الإعلامي المُستفز والمأزوم والصاخب، بعد أن صادق البرلمان على موازنته نهاية آذار الماضي. وعلى ما يبدو قرأ الوزير المنشور، ولكي يُثبت لكاتبه أنه موجود وبخير، دعا السفير البريطاني لدى العراق إلى مكتبه ليُخبره: "أن وزارة المالية تتبنى مجموعة من الخطط والبرامج المحفزة للاقتصاد، كما أنها عملت على تحقيق مؤشرات اقتصادية ايجابية" ("الأخبار"، 1 آب 2021):
•كان يُفترض بخطط وبرامج الوزير أن تتزامن مع تطبيق قراره بخفض قيمة الدينار في 20 كانون الأول 2020، وليس بعد قرابة ثمانية أشهر إذا صح وجودها ونجاعتها!
•لم تلمس العباد والاقتصاد وجودا لأية "مؤشرات اقتصادية ايجابية"، وجاءت قدرة وزارة المالية على دفع معاشات موظفي ومتقاعدي الدولة بفضل زيادة أسعار النفط الدولية!
•وعلى ما أظن كان السفير مُرائيا عندما "عبّر عن إعجابه بالأداء الايجابي للاقتصاد العراقي وجهود وزارة المالية في دعم وإتاحة فرص النمو الحقيقية"، كما يقول بيان الوزارة!
•لا أعلم حاجة الوزير لاطلاع السفير على نواياه، ولكني أعلم أن الوزير يعرف ضآلة تأثير حكومة صاحبة الجلالة الاقتصادي والسياسي الراهن والمستقبلي في العراق!
•لا أعلم حاجة السفير لمعرفة أخبار الوزير المهنية، ولكني أعلم بأنه يعلم علم اليقين التاريخ الكامل لفشل الوزير بإدارة أعماله الخاصة في بريطانيا العظمى!
... ما قاله الوزير والسفير مُخالف لواقع الحال وليس موجها للرأي العام العراقي، ولكن الحقيقي فيه وجود غرض مشترك لهما في هذا التزييف الفاضح لا علم ليّ بماهيته وبدوافعه، ولكني أُخمن صلته بترتيبات انتقال الوزير إلى عاصمة الضباب ... بعد الانتخابات!
ثالثا. "عوفوا مصالحكم ... وجلبوا بدشاديش قادة بُناة العراق":
هذا ما دعا له الرئيس الكاظمي عند ترأُسه اجتماع اللجنة العليا للإصلاح ("صوت العراق"، 3 آب 2021): "مستقبل أبنائنا أهم من أي شيء، فهم بناة العراق، وهم من سيقوده، فلنترك مصالحنا ونفكر بأبنائنا.. لذلك نعلن عن بدء تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي ضمن الورقة البيضاء للسنوات الخمس القادمة.. ومنذ إطلاقها لمعالجة الفساد المتفشي بالبلد ونحن نعمل على خلق جو مناسب لتطبيقها". لا أدري لمَنْ موجهة دعوة "رئيس قادة بناة العراق!"، ولكني سأفترض شمولي بها أيضا كمواطن، لذلك يُحتم واجبي تحري حقيقتها ومآل تلبيتها:
1) ماذا تتضمن الخطة:
•خفض قيمة الدينار لجعل كل الأصول الرأسمالية للاقتصاد رخيصة لمَنْ يملك الدولار!
•بيع عقارات الدولة ومؤسسات القطاع العام بالدينار الرخيص لمَنْ نهب المال العام!
•نقل ملكية ثروة الشعب النفطية لشركات النفط الأجنبية وبما يُخالف أحكام الدستور النافذ!
2) هل فعلا جرى خلق الجو المناسب لتطبيق الخطة:
•لم يجرِ إدراجها ضمن خطة إستراتيجية وطنية بعيدة المدى مُعتمدة رسميا لتنمية الاقتصاد!
•لم تحصل على رضا الناس وبعض القوى السياسية ومجتمع الأعمال الوطني الخاص!
•لن "يحصل جهد عَرّابها في إعدادها على دعم المجتمع الدولي" (المصدر نفسه، 5 آب)!
•مازال الفساد الإداري والمالي والسياسي سيد الموقف في إدارة الاقتصاد!
•لا يُشارك "قادة حزب الورقة البيضاء" بالانتخابات حتى يُطبقوا خطتها في حال فوزهم!
•لم يعلن أحد من القوى المُشاركة بالانتخابات عزمه على تبنيها وتطبيقها في حال فوزه!
... ربما لا يعلم أو لا يعّي أو يتجاهل الرئيس أن تفكيرنا بمصالحنا كقادة رأي عام لبناء العراق، هو التجسيد الملموس والفاعل والمسئول عن ضمان مستقبل ... أبناء شعبنا!
رابعا. علامات ... "موسم الهجرة إلى الشمال":
يفتقد وزير ماليتنا للغة السياسة والاختصاص المُحترف، لذلك لا أستطيع اقتباس نص حديثه المُبعثر في "المجلس الأطلسي لمبادرة العراق" وقت زيارة الرئيس الكاظمي إلى واشنطن، وإنما سأكتفي بعرض مضمونه فقط نقلا عن ("صوت العراق"، 5 آب 2021):
1) جَهل مُطبق: سأل وزيرنا وزيرة الخزانة الأمريكية عن مدى وعمق تعهد بلادها بدعم خطته الإصلاحية، وعلى ما يبدو لم يحصل على ما يطمئن له قلبه، إذ قال لها نتمنى أن توسع بلادك من مشاركتها مع اقتصادنا وأن لا تكون مقتصرة على النفط والغاز والطاقة... بينما كمامة الوزيرة كانت تخفي ابتسامة ماكرة من جهل الوزير بوضع الطاقة في العراق ومغادرة أكسون موبيل حقول نفطه!
2) غُرور كاذب: تباهى الوزير أمام جماعة المجلس الأطلسي بورقته البيضاء بأنها ليست خطة قصيرة الأجل ولم تكن نتاج شخص واحد، بل هي حصيلة دراسات متراكمة امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما ... ولكن الجماعة يعرفون بأنه "سِلكّها" بعد توزيره بأسبوع من سلة أوراق عمل مختلفة عراقية وأجنبية كثيرة وقديمة، وهي في غالبيتها العظمى توصيات نظرية عامة!
3) مُكابرة فَجّة: سألوا وزيرنا في المجلس الأطلسي عن مصير ورقته البيضاء بعد الانتخابات، فحدثهم عن خطة الإصلاح الشاقة وأنها باقية وضرورة توليه "متابعة" تنفيذها بنفسه، وحاجته لدعم أكبر من المجتمع الدولي ... وظن المجلس أن الوزير يُريد استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع بتكليفه مهمة متابعة تنفيذ ورقته!
... لا معنى ولا نفع ولا قيمة لوزير خسر أهله وركض ليربح ... الغرباء!
خامسا. ثلاثة ورابعهم ... علي علاوي، وخامسهم ... مصطفى الكاظمي:
1) سأل النائب مزاحم التميمي على صفحته في الفيسبوك "خبراء المال والاقتصاد عن رأيهم بسعي وزير المالية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي"، مُستدركا بالقول: "فضلا عن ثقل هذا الدين فإن شروطه ستكون قاسية، ثم ما حاجتنا إليه ولدينا وفرة لا بأس بها من فروق أسعار النفط؟ وماذا سنحصل فيما نهج الوزارة يضغط على المواطن ويكاد يسحق معيشته"!
2) يقول النائب جمال كوجر "لم يضع البرلمان موازنة تكميلية لاستخدام فرق سعر الدولار عما هو مثبت في الموازنة، ويوزع الفرق على أربعة أبواب: سد عجز الموازنة، تعزيز احتياطي البنك المركزي، سداد الديون، وسد نقص السيولة" ("صوت العراق"، 8 آب 2021)!
3) يرى الأكاديمي جواد الكعبي أن سر السلوك المهني غير السوّي للوزير يكمن في شخصيته:
•فهي عدوانية تجاه الفقراء ربما منذ طفولته، وعلاج هذا المرض يكون بعزله والحجر عليه!
•انفصامها عن الواقع بادعاء العبقرية، وعلاج هذا المرض يكون إما بمنحه جائزة نوبل للفشل لإشباع غروره، أو بزرقه حقنة مهدئة من داء سِعّار العظمة!
•ربما الرجل لا عدواني ولا عبقري، كل ما في الأمر أنه وبوعي تام يُريد وضع لحية اقتصاد بلادنا بيد "الصندوق"، وعلاج هذا المرض يكون بمنعه قضائيا من العبث بلحانا!
... بعد تكليف الكاظمي برئاسة الحكومة، ظننت أن عمله في صحافة المعارضة طويلا وترأُسه جهاز المخابرات سيكفلان له حُسن الاختيار، ولكنه مع الأسف وقع في براثن "عدوانية وسفاهة وخيانة" صائدي الرؤوس ... لإشغال حقائبها الوزارية!
د. جواد الكعبي/ باحث أكاديمي
13 آب 2021
jawadlafta@yahoo.com