من المضحك أنه تقرر عرض هذا الفيلم يوم 21 فبراير هذا العام 2021 عمداً كي لا يشاهده أحد بسبب إدانته الفاضحه للبلد راعي الديمقراطيه وحقوق الإنسان في العالم , حيث كانت السينمات مقفله بسبب فايروس كورونا فلم يُشاهد في أي دار عرض , كما أن نسخه المعروضه اونلاين محدودة جداً , اذا كنت راغباً بمشاهدته حقاً فستعثر عليه مجاناً على قناة : موفي بوكس  

الفيلم يصور قصه حقيقيه وقعت للموريتاني ( محمدو ولد صلاحي ) الذي أمضى 14 عام في سجن غوانتانامو قبل أن يخلى سبيله لعدم ثبوت أية تهمة عليه . كان محمدو قد كتب مذكراته في كتاب بعنوان ( يوميات غوانتانامو ) صادرها منه الرقيب الأمريكي وشطب أغلب صفحاتها , ولكن بعد تبرئته أعيدت له مع نسخ من أجزائها المشطوبه فقام بطباعتها في كتاب تم الإعتماد عليه لكتابة سيناريو الفيلم 

الفيلم من إخراج كيفن ماكدونالد , قام بدور محمدو الممثل الجزائري طاهر رحيم , قامت جودي فوستر بدور المحاميه , وأدوار مساعده قام بها كل من : شيلاني وودلي , بيندكت كومبرباتش , زخاري ليفي . وفي حفل توزيع جوائز غولدن غلوب 78 حصل طاهر رحيم على جائزة أفضل ممثل , فيما حصلت جودي فوستر على جائزة أفضل ممثل مساعد . ولكي نفهم ما الذي يدور في الفيلم لابد من الدخول بهذه المقدمه : 

يعود تأسيس الدوله السعوديه الأولى الى تحالف محمد بن عبد الوهاب مع محمد بن سعود في عام 1744  حيث تم تزاوج الدين مع السياسه فبدأ استعمال الدين بما يخدم المصالح التي تراها الدوله ,  وقامت فكرة التحالف على نبذ ومحاربة البدع والشرك متمثله بالقبور والأضرحه المنتشره في الجزيره العربيه والدعوه إلى العوده إلى الإسلام النقي الصحيح , غير أن الاتفاق لم يكن إصلاحاً دينياَ بالمره , ولكن  صفقه سياسيه بقناع ديني , ألزمت ابن سعود أن يحمي ابن عبد الوهاب في نشر أفكاره , على أن يقوم ابن عبد الوهاب بمنح الشرعيه الدينيه لحكم محمد بن سعود في الجزيرة العربيه وتم توطيد العلاقه بين الرجلين بقيام ابن سعود  بالزواج من إحدى بنات محمد بن عبد الوهاب التسعه

 

إنتهت الدوله السعوديه الأولى عام 1818 بحمله كلّف بها السلطان العثماني واليه على مصر محمد علي الذي أرسل الحمله بقيادة ابراهيم باشا هاجمت الدرعيه عاصمة آل سعود القديمه وأسقطتها وأسرت الأمراء ووضعتهم في أقفاص خشبيه وأرسلتهم الى الإستانه فقام السلطان العثماني بإعدامهم في إحتفال عام تخلله إطلاق الألعاب الناريه . فرّ من تمكّن من آل سعود وعاشوا لاجئين في الكويت   

بعد حفر قناة السويس وتحول البحرين الأبيض والأحمر من بحيرات داخليه لاتهم أحد الى شريان يهم مواصلات كل العالم وقيام بريطانيا عام 1882 بإحتلال مصر , قامت الولايات المتحده بعدة محاولات للحصول على موطيء قدم في المنطقه ومن تلك المحاولات بحثها عمن تبقى من آل سعود اللاجئين في الكويت فأعادوا 80 سعودياً الى الدرعيه سراً عام 1902 قاموا بقتل واليها واصبحوا يتقدمون في نجد والحجاز لإحتلالهما بمساعدة الأمريكان . حين إحتلوا الطائف عام 1924 وجدت بريطانيا أنها غير قادره على حماية مكه والمدينه من آل سعود والوهابيه الذين يقف الأمريكان خلفهم فقامت بنقض إتفاقها مع الشريف حسين بن علي بعد مراسلات ( حسين _ مكماهون ) 1915_1916 بتعيينه ملكاً على العرب بعد نجاح ثورته ضد العثمانيين لكنها وعدته أن تجعل من أولاده ملوكاً على العرب في الأجزاء التي تسيطر عليها  

الوهابيون الذين كانوا يحكمون نجد والحجاز بتعاليمهم الدينيه المفرطه في التشدد رأوا أن أرض الجزيرة العربيه خالية من الماء ما يجعل صلاة المؤمنين منقوصه بسبب سوء الوضوء , لهذا شجعوهم أو أجبروهم على ترك ديارهم والرحيل الى الواحات التي يكثر فيها الماء ( الهُجُر ) وإدعوا عليهم أن هجراتهم تلك تشبه هجرة المسلمين الأوائل مع النبي محمد وأقسموهم على البقاء ( أخوان لمن طاع الله ) فتشكلت من ذلك البذره الأولى لمشروع : الأخوان المسلمين , تعهدوا فيها بحماية هجرهم من الشرك والضلاله وجهاد الكفار اينما وجدوا , وكان القصد من ذلك هو محاربة البريطانيين . عثر الأمريكان عن النفط في نجد والحجاز بكميات هائله , فكيف سيقومون بإستخراجه وتصديره وحمايته اذا كان أخوان لمن أطاع الله ينظرون لهم بنفس العين التي ينظرون بها الى البريطانيين ؟ 

قام الملك عبد العزيز آل سعود بتحريم الجهاد على المؤمنين بحجة وجود مبتكرات كالسياره والمذياع والهاتف قادره على نقل أفكار الكفار وخبثهم دون حاجتهم الى التواجد في أرض المسلمين وعليه يتوجب عدم قتال غير المسلمين لأن وجودهم من عدمه سيان , فوقعت الحرب بين المؤمنين والملك عام 1928 وتمكن الملك من هزيمتهم هزيمة منكره  

على الفور قام الأمريكان بتصدير الأخوانيه الى مصر فقام حسن البنا بتأسيس أول خليه أخوانيه مصريه 1928  لمناكفة البريطانيين فيها , وفي الحال تتلمذ على يديه الجزائري ( الفضيل الورتلاني ) الذي عاد الى الجزائر التي تحتلها فرنسا منذ عام 1830 وأسس فيها أول خلية أخوانيه عام 1934 بينما لم تنتهِ الأخوانيه بهزيمة الأخوان امام الملك في نجد والحجاز التي تحول إسمها الى : المملكه العربيه السعوديه بعد أن نجح الأمريكان بتأسيس أرامكو1930  

نمسك الخيط من طرف آخر ونتحدث عن صراعات الدوله القويه . حالة السكون لا تجلب ربحاً للدولة القويه ولهذا عليها دائماً أن تكون في حالة حرب تقلب الثابت وتستفيد من المتغير. حروب الدوله القويه تحكمها 3 قوانين . لا يجوز للدولة القويه أن تستعمل قوتها الكامله فتنهي الصراع بوقت قصير وتعود الى حالة السكون , ولايجوز لها إستعمال قوة ضعيفه تجعل أعداءها يتغلبون على مصالحها , لهذا عليها أستخدام قوة متوسطه تديم الحرب ولا تنهي الصراع .. ولكن .. اذا طال الصراع أكثر مما يجب فستبدو الدوله القويه ضعيفة غير قادره على الحسم وللتغلب على ذلك عليها اتباع سياسة الحروب المتعدده التي تنجب إحداها الأخرى 

بعد مؤتمر بوتسدام الذي أعقب الحرب العالميه الثانيه أُعلنت الحرب البارده بين الولايات المتحده والإتحاد السوفييتي كان الغرض منها تحريك القتال في كل العالم بين التنظيمات الرأسماليه والشيوعيه بما يقلب ثوابت كثيره تستفيد منها الولايات المتحده في استعمار العالم , والأهم هو بناء الستار الحديدي بين شرق أوربا وغربها حتى لا تعزز اوربا جهودها وتقف بوجه التغلغل الأمريكي فيها والتمدد منها الى آسيا عبر البر . حين نجح ستالين في بناء ذلك الستار بدأ العد التنازلي للحرب البارده وبالوصول الى عام 1979 بدأ الإعداد لتفريخ الحرب التي ستعقب  الحرب البارده 

جهيمان العتيبي أخواني سعودي تم دفعه بواسطة امريكان من أصل افريقي يدّعون الإسلام أمدوه بالمال والسلاح الذي هُرِب إليه من لبنان واليمن فقام بإحتلال الحرم المكي يوم 20 نوفمبر1979 فعم الهياج في العالم الإسلامي لإستنهاض حمية المسلمين . قامت المملكه السعوديه بالإستعانه بخبرات الجندرمه الفرنسيه والجنود الباكستانيين للقضاء على التمرد فقبضت على المتسببين واعدمت منهم من اعدمت وبقي آخرون  في سجونها . وما هي غير ايام حتى إحتل الإتحاد السوفييتي أفغانستان 27 ديسمبر 1979 , فعلت نبرة المؤمنين للدفاع عن بلد مسلم احتله الكفار 

اشرفت المخابرات المصريه والجزائريه على تسفير المتطوعين من افريقيا للقتال في أفغانستان , واشرفت السعوديه على تسفير اسلامييها وتمويل القتال , وفتحت المخابرات الباكستانيه اراضيها لإيواء القادمين , فيما أشرفت المخابرات الاسرائيليه على التدريب , وساهم الجميع بمد هذه المفقسه بمختلف أنواع الدعم المطلوب . بعد 10 سنوات من الحرب وفي يوم 2 فبراير 1989 أعلن الإتحاد السوفييتي إنسحابه من أفغانستان , عاد الإسلاميون الى أوطانهم عبءاً عليها كمقاتلين متمرسين دون عمل ولا مورد . 2 اغسطس 1990 إجتاح صدام حسين الكويت , فعرض أسامه بن لادن على السلطات السعوديه حرباً جهاديه لا احد يدري كم ستطول لإخراج صدام من الكويت , حين رُفض طلبه بدأت عبارة المجندات اللواتي يدنسن أرض الحرم بالتعالي في كل مكان , وكأن الأمريكيات غير موجودات في أرض الحرم منذ عام 1930 عام تأسيس أرامكو 

كما إنقلب الملك عبد العزيز بن سعود على وهابية ( أخوان لمن أطاع الله ) إنقلب عليهم الملك فهد بن عبد العزيز بقبوله وحاشيته المتنفذه وهابيه جديده هي الوهابيه ( الجاميه والمدخليه ) التي كان اتباعها يسمون أنفسهم ب ( سلفيي الولاء ) ويتبعون الشيخين ربيع بن هادي المدخلي وهو سعودي , ومحمد أمان الجامي وهو أثيوبي قاما قبيل حرب الخليج الثانيه بداية التسعينيات بالتعبير عن رفض رد الفعل الذي أبداه التيار الإسلامي بمعارضة الاستعانه بالولايات المتحده لإخراج القوات العراقيه من الكويت انطلاقاً من فتاوي توصي بطاعة الحاكم وأولي الأمر 

 مكّنت الرعايه الرسميه للجاميه من حصول محمد أمان الجامي على عمادة كلية الحديث في الجامعه الإسلاميه في المدينه المنوره حتى وفاته , فيما كان ربيع بن هادي المدخلي استاذاً فيها .  أفتت اللجنه الحاليه لعلماء المسلمين بتكفير صدام حسين لتصبح معاونة الأمريكان لقتاله ككافر جائزه ، و تم التعامل مع العلماء الذين وقفوا ضد دخول القوات الأمريكية ارض نجد والحجاز على أنهم فاسقين ومن أصحاب البدع رغم أنهم وهابيون حنابله فغصت بهم السجون وأُجبِر الكثير منهم على التراجع عن مواقفه وكانت الحرب التي وقعت داخل المؤسسه الدينيه لغرض تسيير المؤسسه وفق أهواء الحاكم وسلطته السياسيه وليس لأي غرض آخر  

 

في 7 اغسطس 1998 تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام عاصمة تنزانيا ونيروبي عاصمة كينيا وتم اتهام تنظيم القاعدة بتنفيذ الهجمتين فقام الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون بإصدار أوامره في 20 اغسطس 1998 بقصف أهداف في السودان وأفغانستان بصواريخ توما هوك , الأهداف في أفغانستان وصفها بيل كلينتون بمعسكرات لتدريب الارهابيين , كان بيل كلينتون يريد ضجة عارمه تغطي على ضجة فضيحة علاقته مع مونيكا لوينسكي . بوصول بوش الإبن الى سدة الحكم تم تفجير برجي مركز التجاره العالمي في 11 سبتمبر 2001 وتم إتهام إسلاميين من الفئه التي تعارض الوجود الأمريكي في أرض نجد والحجاز بها 

قلنا أن المخابرات الجزائريه أشرفت على تسفير إسلاميين أفارقه الى أفغانستان لقتال السوفييت , محمدو ولد صلاحي كان واحداً منهم أمضى في افغانستان فترة قصيره تلقى فيها التدريب وقاتل الى جانب الأمريكان وحين إنتهت الحرب عاد الى موريتانيا ثم حصل على بعثه دراسيه في ألمانيا . في العام 1990 تم استدعاؤه من ألمانيا لمساعدة الأمريكان للإطاحة بحكومة نجيب الله الشيوعيه , ثم عاد الى ألمانيا , سافر الى افغانستان مجدداً عام 1992 وبعد انتهاء مهمته قال إنه قطع كل علاقة له مع تنظيم القاعده 

غادر ألمانيا الى مونتريال في نوفمبر 99 وعاش فيها حتى يناير 2000  وحين تمت المهاجمه الفاشله لتفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في 12 أكتوبر 2000 بينما كانت ترسو في ميناء عدن حيث قتل في الهجوم 17 بحار امريكي . قامت السلطات الكنديه بالتحقيق معه بإعتباره مقيماً على اراضيها ورغم تبرئته الا انه عاد الى موريتانيا وبقي فيها . بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تم تدقيق كل العلاقات والإتصالات بين تنظيم القاعده والخارج فعثر على رقم هاتفه كأحد ارقام هاتف الثريا الخاص بأسامه بن لادن , كان ابن خالته هو المتصل يسأل عن والد ابن الخاله المريض وقام بتحويل مبلغ 5 آلاف دولار لتغطية مصاريف العلاج , بالتدقيق أكثر في اتصالات محمدو ولد صلاحي , عثر على إسمي مروان الشحي وزياد الجراح اللذين فجرا نفسيهما في الطائرتين اللتين ضربتا برجي مركز التجارة العالمي , كانا قد باتا عنده في شقته ليلة واحده حين كان يعيش في ألمانيا قبل سنوات 

جاءت السلطات الموريتانيه واعتقلته من بيته وسلمته الى المخابرات الجزائريه ومنها الى الأردنيه التي بقي محجوزاً  لديها 8 أشهر , بعدها تم نقله الى أفغانستان ومنها الى غوانتنامو, تعرض للضرب والتعذيب الممنهج في سبيل انتزاع معلومات منه لكنه كان ينفي أي علاقة له بما يتهم به 

داخل السجن كان يكتب يومياته التي يصادرها الرقيب ويشطب أجزاء منها , ولم يكونوا يصدقونه لذلك امتنع عن التعاون معهم , فضربوه ضرباً مبرحاً ووضعوه في ثلاجه على شكل زنزانه ثم دخلت عليه مجنده ترتدي قناعاً قامت بإغتصابه , وكلمه أحد حرس السجن أنهم أصدروا امراً بجلب أمه الى غوانتناموا , ثم وهو يهذي من الضرب والبرد ولا يكاد يميز شيئاً وضعوا أمامه عباءة تجسد شكل أمه لجعله ينهار 

في إحدى الحوادث الموثقه تم تعصيب عينيه واقتياده إلى البحر في قارب لتنفيذ إعدامه الوهمي . رفض المقدم ستيوارت كوتش محاكمة صلاحي أمام لجنة عسكرية في عام 2003  وقال إن اعترافات صلاحي التي تدينه تم أخذها من خلال التعذيب مما يجعلها غير مقبوله بموجب القانونين الأمريكي والدولي . في عام 2010  أصدر القاضي جيمس روبرتسون أمر الإفراج عن صلاحي في 22 مارس . 29 مارس استأنفت وزارة العدل القرار فألغت محكمة الاستئناف الحكم وأعادت القضيه الى محكمة البداءه في 5 نوفمبر 2010  لمزيد من التحقق 

في 14 يوليو 2016  تمت الموافقه الإفراج عن محمدو ولد صلاحي من الاحتجاز . أعيد الى موريتانيا 17 أكتوبر 2016 بعد سجنه في غوانتنامو لأكثر من 14 عام دون إثبات تهمة عليه , الذنب الذي اقترفه هو الشك في تعامله مع مجموعه من السلفيين الذين يرفضون الوجود الأمريكي في ارض نجد والحجاز .. ضد رغبة الملك وحاشيته المتنفذه , وضد مصلحة الولايات المتحده 

د. ميسون البياتي