هيا.. ارحلوا إلى خلافة القرون الوسطى
شدوا الرحال وسدوا الفرج، وسنوا الرماح والسيوف، وسوموا الخيول، وأعدوا رباطها، واستعيروا قصيدة إخوانكم الدواعش «صليل الصوارم» تصحبكم على وقعها إلى دولة الخلافة الجديدة، إلى أفغانستان البكر البالغ الرشيد، التى لم تقم لها قائمة منذ نصف قرن، وخرجت من سلسلة التاريخ إلى القرون الوسطى والتخلف و«الشباشب». هيا أيها المجاهدون فى كل مكان فى العالم، الساعون إلى دولة الخلافة، هذه دولتكم وهذا أملكم ومرادكم ومسعاكم، وليس إلى دول الكفر والزندقة والمدنية والعلمانية، واتركوهم بكفرهم يعمهون.
لا تنزعجوا ولا تهنوا ولا تحزنوا أيها الأفاضل من إقامة هذه الدولة، فلن تقوم لها قائمة أبدًا، سيحل الخراب والدمار والسرقة فى كل مكان، وتعم الفوضى والاضطرابات والسرقات بكل الشوارع، وتعود أسواق النخاسة والعبيد والحريم، وتسود لغة القتل على الهوية والقبلية، وسيأكل الكبير الصغير، ويدوس القوي على الضعيف، ويأكل الشبعان قوت الجائع، ويدوس الظالم والمظلوم على القانون، هذا حالهم منذ قرون، وهذه دولتهم منذ الأوائل، صناعة الأجداد يتوارثها الأحفاد، وبضاعة لن تبور، يتقنها السلف والمعاصرون منهم، هؤلاء منذ سبعينيات القرن الماضى وملايين المجاهدين من كل حدب وصوب تصف الصفوف، ومليارات الدولارات والريالات تتدفق من بنوك العالم فى جيوب قيادات الجهاد والمقاتلين ولم تفلح دولتهم، بل حاربوا بعضهم بعضا من أعلى شواهق الجبال (أحمد شاه مسعود، وحكمتيار، وبرهان الدين ربانى وجنودهم)، وحصدت هذه النيران الصديقة من الأرواح أضعاف ما حصدته نيران الروس وحكومة نجيب الله فى كابول من الإخوة المجاهدين، ولم تفلح هذه المليارات فى إقامة مدرسة أو مستشفى أو جامعة واحدة، بل تفرغوا لقطع يد السارق وليس بسارق، ورجم الزانية وليست بزانية، وقتل المرتد وليس بمرتد، كل الحدود أقاموها على الشبهة، وكنت أتساءل كلما همّوا بإقامة حد من هذه الحدود: هذا هو السارق فأين المسروق؟ وهذه هى الزانية فأين الزانى؟ وهذا هو المرتد ولماذا لا يرتد مما يرى ويسمع؟ وكذلك يفعلون!!. فى تسعينيات القرن الماضى، وفى رحلتى إلى بيشاور من ميتشجان بأمريكا لتقديم المساعدات الإنسانية من الجمعيات الخيرية إلى أطفال أفغانستان (وهى الرحلة التى قلبت أفكارى رأسا على عقب) وفى معسكر للأطفال المشردين داخل أفغانستان تابع للمجاهد «قلب الدين حكمتيار» وكان أحد الأطراف المهمة فى الحرب الأفغانية، تحدثت مع مندوب «حكمتيار» وقلت له يا سيدى (أرى المليارات والإعانات تتدفق عليكم من كل مكان فى العالم، ولا يصل منها للأطفال إلا القليل، وأحسبها تجارة وتحسبونها جهادا، والأمراض والأوبئة متفشية بين الأطفال، وتجولت هنا وهناك، فلم تر عينى مستشفى أو مدرسة أو معهدا حتى فى الأماكن التى لم تصلها الحرب والدمار، ثلاثة عشر عاما مدة جهادكم بلا صحة أو تعليم، جيل كامل دخل خط الفقر والجهل والمرض والجوع.. هل ستحكمون البلاد إذا وصلتم إلى الحكم بهؤلاء المرضى المشوهين؟).. وكان لهذا السؤال وقع الصاعقة على نفوسهم جميعا، أما كيف خرجت من أفغانستان ونجوت من القتل؟.. فلها حكاية مثيرة، ربما تسعفنى الأيام القادمة لروايتها، ما رأيته ورآه العالم بالأمس فى قصر الرئاسة فى كابول والمطار الدولى من فوضى وعشوائية وهذا الهرج والمرج يؤكد ما قلته منذ ربع قرن، وإن كان قيام هذه الإمارة بالتآمر مع الأمريكان لزعزعة اقتصاد الصين، ووقف طريق الحرير، أو بالتآمر مع الأمريكان ومخابرات عربية لإقامة الإمارة السنية لإسقاط النظام الملالى الشيعى فى إيران، كما جمعتهم من قبل لتفتيت الاتحاد السوفيتى.. فهم بطبيعتهم متآمرون حتى النخاع، مرتشون حتى الثمالة، يبيعون أنفسهم كما يبيعون أسراهم فى سوق النخاسة، فليس لهم عزيز أو رفيق.. فاطمئنوا أيضا فليس الأمريكان بهذا الغباء وهذه السذاجة هذه المرة، وليست المخابرات العالمية بالبلاهة حتى تترك لهم الحبل على الغارب كما تركتهم من قبل، وحتى يتجرع العالم العذاب والإرهاب والترويع كما تجرعوه سنوات وسنوات.. إلا أن الأمر ربما له وجه آخر، وهو تجميع هؤلاء جميعا فى بؤرة واحدة ومصيدة واحدة، وتجميع شتاتهم وحصارهم فى مستنقع واحد وبركة واحدة.. يؤدون مهمتهم ضد الصين أو إيران من ناحية إذا كان الأمر كذلك، والآخر حصارهم كالجرذان والخلاص منهم فى الوقت المطلوب.
إياك أن تظن أن العالم غافل عن مصائبهم حتى يصنع منهم قوة يصعب القضاء عليها، هذا زمن قد ولّى وفات، فليس لديهم أخطر من هذا التيار السياسى.
اتركوهم يرحلوا فى سلام، وافتحوا لهم الأبواب على مصاريعها، وأغمضوا عنهم نصف عين والأخرى تسبقهم إلى هناك.. تراقب وترصد وتسجل.. ولا يعود منهم لأرض الوطن واحد منهم حيًا أو ميتًا.
الفارق بين الأمس واليوم، أنهم فى الأمس سمحوا للعائدين من أفغانستان بالدخول إلى أرض الوطن، فكان الإرهاب والتطرف والفوضى والانقسام.. دعوهم يخرجوا بلا عودة، ويغادروا بلا إياب وبلا وطن أو أهل، فهم يستحقون ذلك وأكثر.
(الدولة المدنية هى الحل)
"المصري اليوم"
adelnoman52@yahoo.com