ونريد أن نوضح في البداية إن الحسين لم يبايع يزيد ولم يقر لأنه كان أمام زمانه و لا يجوز مبايعة مثل هذا الفاجر اللعين ولهذا كلنا نعرف مقولاته الخالدة في هذا المجال والتي لو بايع ذلك اللعين يزيد لأصبحت مثلبة يتلطخ به هو وأهل البيت و لا يجوز بل ويحرم فعل مثل هذا الأمر الخطير لهذا قام بها الفعل العظيم بسفك دمه الشريف وهو عارف بذلك من طلب الإصلاح في أمة جده وتصحيح مسيرة الإسلام والذي أرادوا بنو أمية أن يبقى بالاسم فقط وإفراغه من كل معانيه العظيمة والخالدة والتي سوف نتطرق إليها في نقاطنا القادمة والذي كان هذا الدور العظيم منوط بهذه الشخصية الخالدة منذ ولادته والتي قال لها نبينا الأكرم محمد(ص) { أن لك درجة في الجنة لن تنالها إلا باستشهادك }(1).
" لقد أراد الإمام أن يعيد سنة جده وأبيه في قيادة المسلمين والحفاظ على مبادئ الإسلام وحمايتها، ومن هنا كانت دعوته في هذه الوصية دعوة اختيار، فمن تبعه على وفق هدى الإسلام ومبادئه وسنة الرسول فهو على الحق الذي أراده الله ودعا إليه في كتابه، ومن لم يتبعه واختار الدنيا فهو حرُّ في اختياره، وسوف يصبر الإمام على كل حال حتى يقضي الله في أمره ويحكم بينه وبين القوم الظالمين لقد كانت دعوة الإمام دعوة صادقة لإصلاح الفساد وإعادة العمل بالقيم والمفاهيم التي أقرها الدين الإسلامي، وقد عبرت أبنية هذه الوصية بدقة عن مراد الإمام وكشفت من خلال تراكيبها عن الصراع الشديد من أجل حطام الدنيا الزائلة، لقد كانت دعوة صادقة من أجل تحكيم مبادئ الدين الإسلامي في بناء المجتمع ليصل من خلال ذلك إلى بر الأمان، ولكنها دعوة لم تجد أُذناً صاغية وشغلت الدنيا الناس عن الإسلام "(2).
فهذا هو أهم وخلاصة البعد الحركي لنهضة الحسين في مقولته هذه .
ثانياً : البعد الفقهي :
وهذا البعد يمكن استشراف ملامحه من خلال النص الذي قال فيه الأمام الحسين التالي : { أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَر }، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو يعتبر من أعظم الفرائض الإسلامية وهو يمثل أحد فروع الإسلام العشرة عند المذهب الشيعي والتي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين وقد اوضح الشارع المقدس ما يتعلق بهذه الفريضة من شروط وواجبات وقد اكد القرآن الكريم هذا الفرض من خلال عدة آيات ولجعل الأمة المحمدية من خير الأمم حيث يقول في محكم كتابه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(3).
وهذه الآية توضح أن الأمة مازالت بخير من خلال تطبيق هذه الآية الكريمة، وقد روى عن الأمام محمد الباقر(ع)في التأكيد على عظمة هذه الفريضة المهمة حيث يذكر في حديثه { إنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ سبيلُ الأنبياءِ، ومنهاجُ الصلحاءِ، فريضةٌ عظيمةٌ بها تُقام الفرائضُ، وتأمنُ المذاهبُ، وتحلُّ المكاسبُ، وتردُّ المظالمُ، وتعمَّرُ الأرضُ، ويُنتصفُ من المظلوم، ويستقيمُ الأمرُ}(4).
والحسين من خلال اعلانه وتصريحه بتطبيق هذا الأمر الرباني والفريضة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)وهو واجب رباني ليعطي الأمر في أنه لا يجب مخالفة هذه الفريضة، وكان الأمام الحسين(ع)هو أولى ليقوم بهذا الواجب الشرعي وفي حالة عكس ذلك هو معصية الله جل وعلا. وبالتالي اراد ان يلقي الضوء على أن هذه الفريضة وهي من اعظم الفرائض التي فرضها الله تعالى على الأمة الإسلامية والتي ان يكون عهد لها في تنفيذ هذه الفريضة مهما كلف الأمر وهو بذل النفس والاستشهاد من أجل هذا، وهو ما يعني الجهاد في سبيل الله التي أوجبها الله على عباده المؤمنين، وبالتالي تكون رسالة واضحة في الخروج على الحكام الطغاة والظالمين للحفاظ على بيضة الإسلام والشريعة سواء كان الحاكم كان يزيد(لعنه الله) أم غيره، وهذا كان يعبر عن دستور سنهُ أبي الأحرار والثوار(روحي له الفداء)لكل الأحرار والثوار في العالم بعدم السكوت ومداهنة الباطل وهي تدلل على مصداقية النهضة الحسينية ومشروعيتها، و وقد جاء عنه أيضاً إذا تركت الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعرضت جميعاً للبوار والدمار صالحها وطالحها كما جاء في حديث جابر عن الإمام الباقر (ع) قال: { قال عليٌّ (ع): أوحى الله تعالى جلّت قدرته إلى شيعا (شعيب) (ع) إنَّي مهلك من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارِهم, وستّين ألفاً من خيارهم, فقال (ع): هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي }(5).
وليدلل أن القبول ومداهنة هو امر يدخل في معصية الله وعدم تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقرآن الكريم يبيِّنُ لنا في كثيرٍ من آياته عن سيرة الأنبياء (عليهم السلام) ودعوتهم التي كانت قائمة على نشر الخير والمعروف في المجتمع ونبذ الشرك والمنكر منه ..
والحقيقة ان هذا الأمر درس بليغ للمسلمين في التفكير ملياً في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون الخنوع والرضا والرؤيا برؤي خانعة، تؤدي بالتالي إلى التخاذل وضياع للأمة والعودة القهقرى بديننا الحنيف والأمة إلى الوراء، لنرى ما يحصل في امتنا الإسلامية في وقتنا الحاضر هو أكبر دليل على ما نقول ليصبح القرار والرأي بأيدي المفسدين دون الصالحين والمصلحين. لتصح قول الأمام الحسين فيما يحصل في يومن هذا وهي { النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ }(6).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٢١٧. منشورات المكتبة الشيعية. بحار الأنوار ج44ص313ب37 .
2 ـ مقال بعنوان(تأملات في وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية قبل خروجه إلى كربلاء ). بقلم: الدكتور عبد الكاظم الياسري . موقع مكتبة العتبة الحسينية المقدسة.الرابط :
http://imamhussain-lib.com/arabic/pages/bohoth020.php
3 ـ [آل عمران : 110].
4 ـ ميزان الحكمة، محمد الريشهري ج5 ص1943 باب (فعل المعروف). جامع السعادات - محمد مهدي النراقي - ج ٢ - الصفحة ١٨٤. منشورات المكتبة الشيعية.
5 ـ ميزان الحكمة - محمد الريشهري /ج ٤ الصفحة ٣٠٩٠. منشورات المكتبة الشيعية. الكافي: ٥ / 56 / 1.
6 ـ لواعج الأشجان، ص 102. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 382 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية. تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ٢٤٥. منشورات المكتبة الشيعية.