(دروب الموت 19) إعتقالي في مطار برمنكهام عام 1998
    الأربعاء 1 سبتمبر / أيلول 2021 - 19:30
    قاسم محمد الكفائي
    المقدمة
    بدوافع الفائدة من دروس الحياة، عِبرِها وعبراتِها، أتمنى على أخي القارىء الكريم أن يتابع حلقاتنا "دروبُ الموت" إبتداءً من الحلقة الأولى ولو اقتضى أن يطالعها في كل يوم حلقة، عندها تكتمل الصورة وتتغير النظرة ويتغير واقعُ التحليل كي أترفعُ عن أية شبهة قد تخطر على بال المتابعين قرّاء أو متخصصين. يا ليتني لم أوجز ولم أخفِ قصصا وحوادثَ نادرة كنت قد تعرَّضت لها. فالواقعُ الذي يحيط بي يلزمني مكرها أن أكون ذا حكمة وعقلانية بإفراط حين يجردني مشاعري ونزواتي أنا الإنسان الذي ُظلم ولم يجد له نصيرا وسط زحام النفاق، واللصوصية، والترهل بالألتزام الديني والسياسي المُنحرف . فما يظهر على  هذا المنبر المحترم أنه لم يألو جهدا بإنسيابية النشر والإبداع فيه، علينا أن نحرصَ على نعمةٍ صارت بين أيدينا ونصونَ أهدافَها. إنتهت. 
    قطعتُ تذكرة الطائرة للسفر من مطار مدينة تورنتو بكندا الى مدينة برمنكهام في بريطانيا، كان ذلك يوم 10/7/1998 الذي فيه هبطت الطائرة (ترانسفر كندا) في مطار برمنكهام وقد بزغت للتو شمسُ الصباح. 
    كنتُ أتحسب في حينها لو وقع أمرٌ ما دون علمي بالذي سيقع. هذا الشعور هو نتيجة معاناتي اليومية كصراع ناعم تتعامل به المخابرات الكندية للنيل مني دون أن يشكل أثرا ولا قرقعة ولا حالة من الريبة لدى العموم.
    نزلتُ من الطائرة مع النازلين، ومشينا نقطع البوابات حتى وصلنا الى موظفة الهجرة فوقفتُ في الصف أنتظر دوري لغرض ختم الدخولية على جواز سفري الكندي الصادر من دائرة جوازات تورنتو. كانت الموظفة مشغولة بختم تأشيرة الدخول على جوازات جميع المسافرين حتى جاء دوري فتقدمتُ قليلا نحوها وسلمتها جواز سفري. إطلعت على الصفحة الأولى منه ونظرت إلي قليلا، على الفور حجزت الجواز وطلبت مني أن أجلس على كرسي كان بعيدا عنها بضعة أمتار. هي مشغولة كعادتها وأنا أراقب عملها كيف تتعامل مع جميع المسافرين بشيء من الليونة وعدم اعتراضها على أي منهم في مسألة الدخول.  
    ولما إنتهت من مهمة فحص جوازات المسافرين جائتني على الفور وطلبت مني أن أتبعها. تبعتها الى غرفة صغيرة جدا فيها كرسيان وتلفاز، أمرتني بالجلوس وخرجَت. فبقيتُ أنتظر لأكثر من ساعتين كما أتذكر. جائتني هي نفسها وأمرتني أن أتبعها الى السيد "جان"، ولما دخلتُ عليه رحب بي وبدئا الإثنان التحقيق معي من الألف الى الياء. وأخبرتهم بأن وجهتي هي عمان – الأردن لأن أولادي الأربعة وشقيقتي وأولادها الثلاثة وصلوا توَّا من العراق وينتظروني هناك. سألتهم " لماذا كل هذا الإجراء، وهل من مبرر يدفعكم لاحتجازي والتحقيق معي... أجابني السيد جان ضابط المخابرات البريطاني " نحن غير سعداء بدخولك أراضينا" ثم كرَّرت موظفة ُالمطار هذه الجملة  في فصل آخر من التحقيق. لم أجد جوابا منهما حين أسألهما عن المبرر الحقيقي لهذا الإجراء، ولما يأستُ منهم فتحت فمي ومددتُ لساني ونطقت بما لا يتوقعونه: ما معناه " أنتم لا تستطيعون أن تمرروا عليَّ أساليبكم، عليكم أن تبحثوا عن غيري، وتكفيني تجربتي المظلمة معكم. أنتم مَن قسَّم الأرض، وقضيتم على أمم فاندثرت، فكيف بي أنا الذي لا حول لي بينكم، فكل الذي يجري عليَّ  الآن هو مطلبٌ مخابراتي كندي بغرض إرباك حياتي وتدميري. أنا حاضر لما تريدون فعله لكنكم في تقديري مجرد دمى في هذا الملف والشرق الأوسط بخير". كانا هادئين، مبتسمين فردَّ علي "جان".. هذا رأيك وعليك العودة الى بلدك كندا. قلت له... "وهو المطلوب".
    طلبا مني العودة الى نفس الغرفة الصغيرة وفي إحدى الممرات شاهدتُ أربعة موظفين من المطار يفحصون حقائبي بدقة واهتمام وقد تبعثرت كل ما فيها من أشياء على الأرض كان من بينها رسالة مختومة حمَّلتني إياها فتاة عراقية من أخوتنا المسيحيين بعثت بها الى شقيقتها في عمان. طلبتُ من المفتشين أن يفعلوا ما يشاؤون بحاجياتي الخاصة إلا هذه الرسالة أرجو إحترامها للسبب كذا وهي أمانة. لم يعرفوا هذا المعنى ولم يأبهوا بطلبي ففتحوها فشعرت حينها بالعار والنكبة لأن صاحبتها لن تعذرني. الى هذه الساعة يشهدُ الله عليَّ لم أدرِ ما كتبتْه تلك المرأةُ فيها فهو أمر خاص بينها وبين شقيقتها كما هي أخبرتني، ولم أخوَل عليه بشيء. أعدتُ الرسالة لصاحبتها في تورنتو فامتلئت غيظا وهو حقها الطبيعي بحسب سذاجتها وطبيعة تفكيرها، لكنني أنا الضحية وليست رسالتها وقد تكون ليست ذا أهمية. جلستُ في تلك الغرفة الصغيرة وبعد فترة وجيزة جائتني نفس الموظفة تسألني عن طبيعة طعامي : هل تأكل لحم الحلال..فأنت مسلم. أخذتني الحمية على كفائتي في معرفة طبيعة الفكر البريطاني الناعم، وانتمائي الوطني، ورجولتي.. نهضت من مقعدي وقلت لها (ما معناه)... هل تحاولين أن تمرري عليّ شطارتك وتريدينني أن أقرَّ لك يوما على أنك تحترمين ديني؟ هذا الأسلوب الناعم الذي تمررونه على الملايين  لن يمرعليّ غير أنكم أعداء ديني وأمتي. خياركم لي بنوع الطعام معناه سم زعاف بحسب أبعاد تفكيركم. لا أريد لحمكم لأنه ليست حلال بحسب فهمي لعمق تفكيركم. إنزعجت وخرجت فجلبوا لي طعاما أكلت منه مضطرا الخبز والسلطه. حتى جاء وقت المساء ما بعد الثالثة عصرا تقريبا أصعدوني بسيارة (مشبكة) ومُحكمَة، خاصة بالشرطة وفي مقدمتها إثنان من الضباط السريين رجل وإمرأة إضافة للسائق. إنطلقت السيارة ولا أدري الى أين... إستغرقت الرحلة حوالي الساعة والعشرين دقيقة (كما أتذكر) جتى عرفت أننا في مدينة مانشستر..وكانت وجهتها السجن المركزي. مكثتُ تلك الليلة فيه، فكتبت على حائطه مع إسمي شعاري المفضل هو (الموت لإسرائيل باللغتين العربية والأنجليزية). في الصباح بعد وقت الفطور طلبوا مني الإستعداد للخروج دون معرفة تحديد وجهتي. بعدها نادوا علي وأخرجوني ضباط  المخابرات من زنزانتي واتجهوا بي بسيارتهم الى المطار.. في المدرج اقترَبت السيارة من طائرة كانت جاثمة أمروني بالصعود اليها مع تسليمي تذكرة هم قطعوها لي وأوراق تثبت منعي من دخول أراضيهم (مرفقة مع هذه الحلقة، وقد حاولت المخابرات الكندية خلال سنين مضت سرقة هذه الأوراق فقد نجحت بسرقة النسخ الأصلية مع أوراق كثيرة في أكثر من محاولة سرقة فهمهم هو إفراغ الضحية من كل وثيقة). صعدتُ الى الطائرة وجلستُ بالمقعد المخصَّص بحسب الأرقام وبقيت أنتظر حتى تحركت الطائرة الى مدرج آخر صعد اليها المسافرون. حطت طائرتنا بمطار تورنتو وكان عليَّ أن استلم حقيبتي في المكان المخصَّ ص لتسليم الحقائب. فوجدتها ممزقة تماما وقد ضاعت منها أغراض كثيرة كانت هدية الى أولادي في عمان (صوَّرتُ الحقيبة وأحتفظتُ بالصورة). في المطار كان رجلُ المخابرات ينتظرني كإجراء روتيني وكان سائق تاكسي هندي ينتظرني أيضا، بقى يتوسل بي أن ينقلني حيث أريد...وافقت بالصعود معه عمدا وكان طول الطريق من المطار الى البيت يسألني ويستفزني دون أن يحظى بشيء أنا بالأساس لا أمتلكه. راجعت بذاكرتي عملية مغادرتي الطائرة في مطار برمنكهام أول مرة ودخولي المطار وحينها توجستُ من إمرأة تعمل في المطار تلقتنا نحن المسافرين وهي تنظر بالوجوه عادت حين شاهدتني وبقت تسير بنفس الإتجاه والجهاز بيدها تواصل حديثها حتى وصلتُ أنا ووقفت في الصف مع الواقفين بانتظار ختم الدخولية. أما الموظفة التي ترعى عملية دخول المسافرين كما قلت سلفا إحتجزت جوازي وأمرتني بالجلوس على الكرسي دون عناء ولا تدقيق ولم تسألني بشيء. كنتُ أراعي في هذه القضية إستخلاص النتائج بأغلاطهم. مخابرات دولة كندا وأمريكا ودول أوروبا يعتبرون فكر الإنسان الشرق أوسطي والعربي على الخصوص هو فكر قرد، غير مأهَّل للنضج لحد الآن. ليس فينا كفاءة ولا قدرة على فهمهم، فيتصرفون ضدنا بجبروتهم وإستعلائهم بينما أنا العربي الناضج تماما في هذا الإختصاص أراهم في قمة التخلف إذا ما رفعنا عنهم مَن يساعدهم من الحلفاء الرجعيين في منطقتنا، وقدراتهم المالية الكبيرة،. بعد كل الذي جرى زرَعت المخابراتُ جهاز إنصات في المكان الذي عشتُ فيه ما بعد عودتي من بريطانيا الى كندا بعد تعطيل الإنترنيت عمدا وحضور فريق بغرض تصليحه. 

    قاسم محمد الكفائي
    Twitter……Qasim.ALkefaee.canada     
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media