البعد القانوني في العقود
    الخميس 9 سبتمبر / أيلول 2021 - 07:47
    زعيم الخيرالله
    العَقْدُ في اللغةِ نَقيضُ الحَلِّ ، يقالُ : عَقَدَ الحبلَ اذا ربطَهُ ، وحلَّ الرباطَ اذا فَكَّهُ . وعَرَّفَ فقهاءُ المسلمين العَقْدَ : بأَنَّهُ تلاقي ارادتينِ أَوأَكثَر على إِحداثِ إِلتِزامٍ مُحَدَّدٍ والوفاءِ بهِ ، وعرَّفَهُ القانونيون بأَنَّهُ توافقُ إِرادَتَيْنِ أَو أَكثَر على إِحْداثِ أَثَرٍ قانُونِيٍّ أَونَقْلِهِ.
     وقد أَكَّدَ القرآنُ الكَريمُ على أَهمية الوفاءِ بالعُقُودِ كما جاء في قوله تعالى :
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ). المائدة: الاية :  (1) . وقوله تعالى :
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). البقرة: الاية:  (282) .
    فالعقود هي تنظيمات قانونية لحفظ حقوق الناس ؛ ولكن الله تعالى لم يُرِد للناس أَنْ يكونَ القانونُ السَّقفَ الأعلى في حياتها .هوَ هذه الاجراءاتُ القانونيَّةُ وحدَها . ففي عقد الزواج الذي هو عقدٌ قانونيٌّ لم يُرِدِ اللهُ لهذهِ العلاقةِ أَنْ تكونَ علاقةً قانونيَّةً فقط تربط الزوج وزوجَه بل ارادَ أَنْ يعيشَ الزوجانِ في علاقةٍ روحيَّةٍ سامِيَّةٍ تُؤَطِرُها المَوَدَةُ والرَّحْمَةُ ، يقول الله تعالى:
    (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). الروم: الاية: (21).
     وحتى في آيَةِ الدَّيْنِ ، الاية نَظَّمَتْ العلاقةَ القانونيَّةَ بينَ الدائنِ والمَدين ، ولكنها في آيَةٍ أُخرى اشارت الى علاقة الرحمة بالمدينِ المُعْسِرِ  وامهاله ، بل الايةُ شجعت على اعفاء المدين من الدَّينِ يقولُ الله تعالى:
    (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). البقرة: الاية: (280).
    وفي سورة المطففين تحدثت الايةُ عن الذين يطففون في الوزن اذا كان الامر لصالح المشتري ويستوفون الحق كاملاً من المُشتري اذا كانت المسأَلَةُ لصالِحهم  ، وهذه هي : " ازدواجية المكاييل " وهذا مصطلح قرآنيٌّ ينبغي ان نستعملهُ بدلاً من ازدواجية المعايير. يقول الله تعالى :
    (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين). المطففين: الاية:1-3 .
    فالاية بينت الجانب الحقوقي في التعامل مع الناس ولكن ختمت الاية بالتذكير بأَنَّ الناسَ مبعوثونَ ليومٍ عظيم .
    العلاقات الاجتماعية والانسانيّة ليست محكومةٌ  بالعقود ، والاجراءات ِ القانونيَّةِ فقط . نعم : العقود مهمة في تنظيم العلاقات بين افراد المجتمع تنظيماً قانونيا حقوقياً من اجل تحقيق العدل ، ولكن هناك كثير من العلاقات لاتحكمها نظرية العقد الاجتماعي التي تحدث عنها هوبز وجون لوك وجان جاك روسو .
    فهناك أَفرادٌ لايشملهم العقد الاجتماعي أَو أَيَّ عَقْدٍ آخَر ، كعلاقةِ الأُمِّ برضيعها ، فالرَّضيعُ ليسَ مؤهَلاً لِِئن يكونَ طَرَفاً في عَقْدٍ . وكبار السن والعجزة والمعوقين اذا طبقنا عليهم قواعد العقد الاجتماعي يجب ان لانقوم برعايتهم والاهتمامِ بهم فضلاً عن كونهم ليس لديهم اية أَهلِيّةٍ لابرام عقدٍ من العقود ؛ لانهم يشترطون في المتعاقدين ان يكونا متساويينِ ويشترطون-كذلك - الحرية في طرفي العقد .
    فنحنُ نحتاج الى أَشياءَ أَكبر من العقود ، نحتاجُ الى المودة والرحمة والانسانية والاخلاق وكل القِيَمِ الخَيِّرَةِ لكي ترقى مجتمعاتُنا .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media