الإعلانُ في القُرآنِ الْكَرِيماا
    الأربعاء 15 سبتمبر / أيلول 2021 - 06:49
    زعيم الخيرالله
    ألإعلانُ في اللُّغَةِ يعني الظُّهُورَ ،يقالُ : أَعلَنَ يُعْلِنُ إِعلاناً اذا أَظهَرَ الشَّيْءَ . وفي مُعجَمِ مَقاييسِ اللُّغَةِ : الْعَيْنُ واللامُ والنونُ أَصْلٌ صَحيحٌ يّدُّلُ على إِظهارِ الشَّيْءِ والاشارةِ اليهِ وظُهُورِهِ .( ابن فارس،معجم المقاييس في اللغة،ص 689).
    أَمّا الاعلانُ فهو المبالَغَةُ في الإظهارِ ؛ ولذلك قال الفقهاءُ باستحبابِ اعلانِ الزَّواجِ .
     وقد عَرّفُوا الإعلانَ بِأَنَّهُ : هو مجموعةُ الانشطَةِ التي يُمكِنُ عن طريقِها تَوْجيهُ رسالَةٍ شَفَوِيَّةٍ أَوْمَرْئِيَّةٍ ويكونُ المُرسِلُ هنا أَي: المقصودُ بالرِّسالَةِ هو جُمهورُ المُسْتَهْلِكينَ من السُّلْعَةَ أَو الخِدْمَةِ ؛ وذلكَ بواسِطَةِ جِهَةٍ معلومَةٍ مقابلَ أَجْرٍ مَدفوعٍ .
     وَعُرِّفَ الاعلانُ التِّجاريُّ بِأَنَّهُ : عَمَلِيَّةُ اتصالٍ مدفوعةٌ تستَهدِفُ إِعلامَ شَخْصٍ أَو أَكثَر وَالتَّأثيرِ عليهِ. ( معلا، الاصولُ العلميَّةُ للترويجِ ، ص 296).
    وقد استخدم الاعلانُ في مجال التسويقِ والذي هو اداةٌ من أَدَواتِ التَّسويقِ . واستخدمت اساليبُ متعددةٌ للتأثيرِ على عقلِ المستهلكِ بل حتى على عقلِهِ الباطن فيشتري السُّلعَةَ بشكلٍ لاشعوريٍّ كما في حالةِ الاعلانِ اللاشعوريِّ .
    والتَّسْويقُ عِلْمٌ قائِمٌ بذاتِهِ وُظِّفَ فيهِ أَكْثَرُ من علمٍ كَعِلمِ النَّفْسِ وعلم الاجتماعِ لِلتأثيرِ على المُستهلِكِ .
    هَلْ استَخْدَمَ القُرآنُ الكريمُ الاعلانَ في اسالِيبِهِ؟
    -------------------------------------
    تحدثَ القُرآنُ الكريم عن نبيِّ الله نوحٍ (ع) في رفعِ صوتِهِ كأُسلُوب من اساليبِ الاعلان الصَّوْتِيِّ . يقولُ اللهُ تعالى :
    (ثُمَّ إِنِّىٓ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا). نوح: الاية: 9 . واستخدم القرآنُ الكريمُ الاعلانَ للترويج للعسلِ باعتبارهِ شفاءٌ للناس. يقولُ اللهُ تعالى:
    (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).النحل: الاية: (69).
    الاعلان القرآنيُّ لمشروبات الجنة
    ----------------------------
    لتسويقِ مشروباتِ الجَنَّةِ استَخْدَمَ القُرآنُ الكريمُ اسلوب الاعلانِ والترغيب في نعيمها وشرابها مقارِناً بينها وبين مشروبات الدُّنيا المشوبةِ بالأَلَمِ والاذى . يقولُ تعالى:
    (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)
    في مقارنَةٍ بين مشروبات الدنيا ومشروبات الجنة ، ومقارَنَةٍ بين نعيمِ الْجَنَّةِ وعذابِ الآخِرَةِ. ماءُ الدنيا يتغير ويأسَنُ ، ولبنُ الدنيا يفسد ويتغير وخمر الدنيا فيه اذىً وصداع وهذه لذة للشاربين ، وعسلُ الجَنَّةِ مُصَفَّى من كل شائبة على خلاف عسل الدنيا المخلوط بالشوائب . فهذا تسويقً وترغيبٌ بهذهِ المشروبات التي لايشوبها نقصٌ ولايصحبها أَذىً كمشروباتِ الدنيا .
    فقد ذكر اللهُ خمر الدنيا بنقائصها بمفهوم المخالفة ، اذ انَّ خمرَ الآخرةِ " لايصدعون عنها ولاينزفون " وبمفهوم المخالفة ، خمر الدنيا يصدَّعون عنها ويُنزفون. قال تعالى واصفاً خمرَ الجنة:
    (لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ).الواقعة: الاية: 19.
     خمر الجنَّةِ فهو لذَّةٌ للشاربين . هذا اسلوب تسويق وتشويق وترغيب في هذه المشروبات وقد قارنها بمشروبات الدنيا ومايعتورها من نقائص .
    ايضاً سوَّقَ شراب اهل الجنة ورغَّبَ فيه عن طريق الاعلان عنه .كما في قوله عزَّ اسمُهُ:
    {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (22ـ28). فهذا تسويق لهذا الشراب الطاهر ووصفه بأنّهُ مختوم ومختوم بالمسك فهو لذيذ وطيب الرائحة . وهذا اعلانٌ استخدمه القرآنُ الكريمُ لتسويق الجنة وعرضها عرضاً طيباً ليشتاق اليها من يرغب فيها ، وذكر في هذا السياق مفردة التنافس ليوحي بهذا الاعلان التنافسي .
    وتحدث عن الجنة والمغفرة باسلوب اعلانيٍّ لتسويقها والترغيب بها ، واستخدم مفردة المسارعة التي توحي اننا في ميدان سباق لابد ان نصل الى الهدف بسرعةٍ .
    (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). آل عمران: الاية: (133). وفي آيَةٍ أُخرى استخدم مفردة سابقوا :
    (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). الحديد: الاية: (21).
    ولعلَّ البعضُ يعترضُ عليَّ لانني أكثرتُ من ذكرِ التسويق ، وهذه مفردةٌ مادِيَّةٌ فكيف تستخدمها للترويج للقيم ولنعيمِ الآخرة الذي لايشبهُ نعيمَ الدُّنيا الاّ بالألفاظ فقط ؛ فخمرُ الدنيا يشتركُ معَ خمرِ الآخرةِ باللفظِ فقط ولكنه يختلفُ عنهُ اختلافاً كليّاً بالطعم والرائحة فلايوجد اشتراك الا  باللفظ. ، ولكنَّ القرآنَ الكريم استخدمَ مفردةَ التِّجارةِ لامور الاخرة واعتبر رأسمالَ هذهِ التجارة الايمان بالله والرسول والجهاد بالاموال والانفس ، وهذهِ هي التِّجارةُ الحَقَّةُ ، التِّجارَةُ التي تُنجي من عذابٍ أَليمٍ : يقول الله تعالى :
    ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ). الصَّف: الاية:(12)}. فلامانعَ من استخدامِ مفردةِ التسويق بعدَ أَنْ استخدمَ القرآنُ مفردةَ التجارة وهو يتحدثُ عن شؤونٍ أُخرويَّةٍ .
    وفي مسأَلَةِ الحَجِّ استخدم القرآنُ اساليب التسويق والتشويق باسلوب اعلاني جميل للدعوة الى قضية كبرى وهي قضيَّة الحج :
    ("وأذّن في الناس بالحجِّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"). الحج: الايات: 27-28.
    هنا نقرأ في الآيَةِ الشريفةِ " وَأَذِّن" والأَذانُ هو اعلانٌ صوتيٌّ ، وذكر اللهُ تعالى " منافع للناس " من اجل تسويق وتشويق فكرة الحج للناس وان كانوا يأتونَ من مكانٍ بعيد ، ولكن هذه المنافع ربطها القران الكريم بذكر الله ، وربط مارزقهم الله من بهيمة الانعام لاليأكلوا منها فقط وانما ليطعموا البائس الفقير ايضاً ؛ لاننا لانقرأ اعلاناً مادياً يستهدف ربحاً مادياً بل نقرأ اعلاناً الهياً طافحاً بالقيم الاخلاقيّة .
     وفي الختام فإنَّ القرآنَ الكريم استخدم الاعلانَ كأُسلوبٍ من اساليب التسويق للافكار والمفاهيم ، ولكنه يختلف عن اعلانات التُّجار التي تستهدفُ الربحَ الماديَّ فقط وفيها كذب وتضليل واغراء وخداع ، ولكنّ الاعلانَ القُرآنيَّ يتميَّزُ بالصدقِ والشَّفافيَّةِ وعرض ِالافكار ِباسلوبٍ يرتقي بالدنيا ويُحَلِّقُ بها في اجواءِ الآخِرَةِ .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media