إدارة أمانة بغداد وإصلاح النظام الصحي البيئي في العاصمة
    الخميس 16 سبتمبر / أيلول 2021 - 16:15
    أ. د. محمد العبيدي
    بروفيسور متخصص بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية
    إن أهم ما يميز البيئة الطبيعية هو التوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة والذي يسمى بالتوازن البيئي، وإن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة ناتج عن أنشطة الإنسان سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا. 

    إن أخطر أنواع التلوث هي تلوث الهواء والماء والتربة، يليها التلوث بالإشعاع الكهرومغناطيسي كالذي ينبعث من أبراج الهواتف النقالة. 

    ومن بين أنواع التلوث أعلاه يعتبر تلوث الماء من أوائل الموضوعات التي إهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث، وليس من الغريب أن يكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من حجم تلك التي تناولت باقي فروع التلوث. ولعل السر في ذلك مرده إلى سببين :

    الأول: أهمية الماء وضرورته، فهو يدخل في كل العمليات البايولوجية والصناعية، ولا يمكن لأي كائن حي مهما كان شكله أو نوعه أو حجمه أن يعيش بدونه. 

    الثاني: أن الماء يشغل أكبر حيز في الكرة الأرضية، وهو أكثر مادة منفردة موجودة به، إذ تبلغ مساحة السطح المائي حوالي 70.8% من مساحة الكرة الارضية. وبالتالي فإن تلوث الماء يؤدي إلى حدوث أضرار بالغة ذات أخطار جسيمة بالكائنات الحية، ويخل بالتوازن البيئي الذي لن يكون له معنى ولن تكون له قيمة إذا ما فسدت خواص المكون الرئيسي له وهو الماء.

    ومن أهم ملوثات الماء في بغداد بشكل خاص هي مياه الصرف الصحي ومياه المجاري التي عند إنتقالها  إلى الأنهار والتربة فإنها تسبب تلوثاً خطيراً يؤدي إلى ضرر كبير لا يحمد عقباه على الصحة العامة. 
    وكإختصاصي بالصحة البيئية، فقد قمت بزيارات لبعض مناطق العاصمة للكشف عن بؤر بيئية تمثل مواقع خطرة مخلة بالصحة العامة فوجدت على سبيل المثال لا الحصر أن هناك موقعين في العاصمة يعتبران من أسوأ بؤر الإخلال بالتوازن البيئي في بغداد وأخطرها على صحة الإنسان، وهي:
    1.المبزل الواقع غرب بغداد، والذي يبدأ من منطقة العبيدي وينتهي ليصب بنهر دجلة عند صدر قناة الجيش حيث يعتبر بتقديري واحداً من أخطر بؤر التلوث البيئي والصحي في دول العالم الثالث، ذلك نظراً لإتساع رقعته الجغرافية حيث طوله بحدود 40 – 45 كلم ولأنه يمر في أكثر المناطق كثافة بالسكان في العاصمة، كما أنه يستعمل لتصريف المياه الثقيلة للدور السكنية التي يمر بها إضافة لرمي كل أشكال الأوساخ والقاذورات والحيوانات الميتة فيه.
    ومن خلال عملي كمستشار بالصحة البيئية مع العديد من المنظمات الدولية، فقد زرت أكثر من 50 عاصمة من شرق الكرة الأرضية إلى غربها (دول في أمريكا اللاتينية وآسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، إضافة لدول حوض البحر المتوسط ومعظم دول أوربا الغربية)، فإني لم أجد أو أشاهد بؤرة تلوث بيئي/صحي تخل بالتوازن البيئي وتشكل خطراً كبيرا على الصحة العامة كالذي شاهدته في المبزل المذكور، كما أني لم أشاهد عاصمة أوسخ بيئياً من بغداد.
    2.محطة جمع وضخ مياه الصرف الصحي التي تقع وسط حي سكني من أحياء منطقة السبع إبكار (بغداد-الرصافة) والتي لم أرى مثل موقعها المؤثر سلباً على البيئة والصحة العامة في أي دولة من دول العالم التي عملت فيها أو زرتها، ولا أدري أي جهة نفذت بناء هذه المحطة وسط حي سكني ولا كيف فكر المسؤولون ببنائها هناك.

    إن مياه المبزل الملوثة بمياه الصرف الصحي والأوساخ على إختلاف أنواعها والمياه الثقيلة التي تجمع في محطة السبع إبكار تضخ إلى محطة تقع في صدر قناة الجيش والتي بدورها تضح تلك المياه القذرة إلى نهر دجلة، وبهذا تتلوث مياه النهر ناقة ذلك التلوث من تلك المنطقة وحتى مصب النهر.  

    بصراحة، إنه أخطر بؤرة تلوث للمياه في العالم بحيث أنه يؤثر ليس فقط على صحة البشر جنوب منطقة محطة الضخ في صدر قناة الجيش، بل على التربة وعلى كل المنتجات الزراعية التي تسقى من تلك المياه الملوثة لري الأراضي الزراعية منها وعلى إمتداد نهر دجلة. 

    لهذا يجب ردم مبزل غرب بغداد تماما كما تم ردم نهر الخر سابقا في عام 2002، وإيقاف العمل بمحطة  جمع وضخ مياه الصرف الصحي في منطقة السبع إبكار ومن ثم ردمها والتخلي عنها تماماً. كما ننصح الجهات المسؤولة عن البيئة في العاصمة والمسؤولة عن التخلص من مياه الصرف الصحي فيها الإستفادة من الطرق الحديثة في معالجة مياه الصرف الصحي وكيفية الإستفادة منها بعد معالجتها.

    كما ومن المهم جداً على أمانة بغداد إتخاذ الخطوات التالية:
    1.خلق توازن دقيق في البيئة قائم بين عناصرها المختلفة، أي الحفاظ على التوازن البيئي، لأن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا.
    2.تشكيل هيئة للصحة البيئية في أمانة بغداد وتكون هذه هيئة رقابية تفتيشية مهمتها منع وتجريم أي إخلال بعوامل الحفاظ على بيئة صحية في العاصمة.
    3.تفعيل عمل الشرطة البيئية بالتنسيق مع وزارة الداخلية حيث أن هذه الكيان موجود ولكنه لا يؤدي أي عمل إطلاقاً وكما هو معمول به في دول شمال أفريقيا العربية. تكون مهمة هذه الشرطة هو تجريم وتغريم أي مواطن أو مؤسسة تخل بالصحة البيئية في العاصمة وخصوصا رمي النفايات في غير الأماكن المخصصة لها. بل ويفضل إنشاء جهاز خاص بأمانة بغداد لهذا الغرض بحيث أن الغرامات تذهب مباشرة لرصيد أمانة بغداد لإستعمال قس دفع رواتب الشرطة البيئية وشراء وإدامة سياراتها، كما ويجب إنشاء موقعين (واحد في الرصافة والآخر في الكرخ) لإحتجاز المخالفين ولحين تجريمهم وإحالتهم للمحاكم المختصة.
    4.منع الذبح العشوائي منعاً باتاً وتغريم وتجريم من يقوم به وجعله فقط في المجازر المتوفرة داخل العاصمة والتي تكفي لجزر الحيوانات لكافة سكنة بغداد.
    5.المنع التام لوجود الحيوانات داخل بغداد وشوارعها والتي نراها بكثرة وفي جميع مناطق العاصمة وتغريم وتجريم القائمين بها.
    6.زيادة عدد سيارات جمع القمامة وجعل عملها أسبوعيا في جميع مناطق بغداد. كما وإنشاء مصنع لأكياس القمامة يباع للمواطن بأسعار الكلفة إضافة لتزويد جميع المساكن والمحلات بحاويات صغيرة لجمع القمامة ويغرم كل من يرمي النفايات خارجها.
    7.منع وتجريم القيام بإنشاء محلات/أماكن لتصليح وإدامة السيارات داخل الأحياء السكنية وعلى الشوارع المهمة للعاصمة.
    8.زيادة عدد المناطق المزروعة والمشجرة داخل بغداد وبناء سياج أخضر حول العاصمة.
    9.الوقف التام لبناء الدور بشكل عشوائي في المناطق الزراعية داخل حدود أمانة بغداد وتجريم ومعاقبة كل من يقوم بذلك ومن دون إجازة بناء يستحصل عليها من أمانة بغداد.
    10.يمنع منعاً باتاً بناء دور سكنية بمساحة أقل من 100 متر مربع تستحصل الموافقها مسبقا من أمانة بغداد.
    11.الإلتزام التام بـ ´قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009´ الذي من المفروض أن تنفذ بنوده جميع المؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذه، وهي جميع الوزارات بدون إستثناء، وكما وردت في القانون نفسه، إضافة إلى الإلتزام به من قبل المواطنين.
    12.بناء محطتين جديدتين لتصفية المياه الثقيلة وإعادتها لتصبح مياه صالحة للإستخدام البشري وهي غير مكلفة كثيرا وبغداد وحدها تحتاج لإثنين منها، واحد في الرصافة والآخر في الكرخ، إضافة إلى صيانة المحطتين الموجودتين حالياً واللتان لم تجري عليها أي صيانة منذ إنشائهما في الستينات ولحد الآن.
    13.رفع جميع الأنقاض الموجودة على ضفتي قناة الجيش وإعادة زراعتها وتشجيرها والأهم هو تنضيف مجرى قناة الجيش بأكمله من المنشأ وحتى المصب لأنه أصبح الآن بؤرة بيئية خطرة جداً. 
    14.وفي رأيي، يجب التعاقد مع شركات أجنبية متخصصة بإعادة تبليط شوارع العاصمة الرئيسية ومعاقبة المتجاوزين عليها.
    15.عدا ما ذكر مسبقاً، يجب التخلص النهائي والتام من جميع البؤر البيئية الخطرة على صحة المواطن وعلى رأسها:
    رفع جميع أبراج الهاتف النقال من داخل المدن والتي تستعمل الموجات الراديوية/الكهرومغناطيسية القصيرة المدى وإستبدالها بأبراج خارج المدن بحيث تستعمل الموجات الراديوية/الكهرومغناطيسية البعيدة المدى والأكثر أماناً.
    التخلص النهائي، وبطرق فنية حديثة، من دخان معامل الطابوق التي ثبت نشرها للسرطان في المناطق القريبة منها.
    16.وضع دراسات مستفيضة للتخلص من التلوث الحاصل في الهواء والماء والتربة في العاصمة بغداد.

    أ. د. محمد العبيدي
    أخصائي بالصحة البيئية
    [[article_title_text]]
    [[article_title_text]]

    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media