تَحَدَّثَ بعضُ فلاسفةِ الاخلاق الغربيينَ عن الكائنات التي تمتلكُ إِحساساً وشعوراً بحيثُ تَحُسُّ بالألمِ وتَشْعُرُ باللّذَّةِ ، وقالوا : بأَنها متساوِيَةٌ أَخلاقِيّاً ، فهذا الفريقُ من فلاسِفَةِ الأخلاقِ لايُفَرِّقُ بين قتلِ فَأرَةٍ في عرضِ الطريقِ وبينَ قتلِ انسانٍ؛ لأَنَّ المقياسَ عندهم هو الاحساس والشعور باللذة والأَلَمِ ؛ ولذلك فجميع الكائناتِ الحَيَّةِ تتساوى وفقَ هذا المقياسِ ؛ ولذلك لاوجود لنظرة أَنَّ الانسان مخلوقٌ متفردٌ أوكلَ اللهُ اليهِ مهمةَ الخلافةِ على هذهِ الارض ، فهو لايتفوق على الكائنات ؛ بل انَّهُ جزءٌ من الطبيعةِ وهذا الكون ، وهو يخضعُ لقوانينِ الطَّبيعةِ كغيرهِ من الكائناتِ الحَيَّةِ.
وهذهِ النَّظرَةُ لمْ تُمَيِّزْ بينَ المَرتَبَةِ الوجوديَّةِ للكائناتِ الحَيَّةِ وبينَ المرتبَةِ الحُقوقِيَّةِ ،والمراتب الوجودية تستلزمُ مراتبَ حقوقيّةٍ تستحقها كل مرتبة من مراتب الوجود؛ فالمراتب الوجودية المختلفة تستلزم تفاوتاً في المراتب الحقوقية ، امّا المراتب الوجودية للنوع الواحد فهي تتساوى مع المراتب الحقوقيَّة لنفسِ النوع.
انا استخدم المصطلح واعني بهِ معنىً مُحَدَّداً ، الفلاسفةُ والعُرَفاء لايستخدمونَ المُصطَلَحَ بهذا المعنى . أَقصدُ بمراتب الوجود ، أَنَّ الوجودَ على مراتبَ مختلفةٍ ، فالهيولى ( المادة الاولى ) والتي هي مادةٌ محضةٌ خالِيّةٌ من أَيَّةِ صورَةٍ ، هي اَدنى مرتبةٍ في مراتبِ الوجود ، ويأتي الجماد وبعده النبات الذي هو أعلى رتبةً وجوديَّةً من الجماد ويترتب على المرتبة الوجوديَّة للنبات مرتبة حقوقيّة أعلى من مرتبةِ الجماد ، والحيوان لهُ مرتبةٌ وُجوديَّةٌ أَعلى من مرتبةِ النبات؛ ولذا فهو يتمتع بمرتبة حقوقيّة تفوق مرتبةَ النبات ، ويأتي الانسان ليحتل أعلى المراتب الوجودية في سُلَّمِ الوجودِ ولذلك فهو يتمتع بمرتبة حقوقيّة تفوق المراتب الحقوقيّة للحيوان والنبات والجماد. هذا في الانواع المختلفة ، أَمّا في نفس النوع فتتساوى المرتبة الوجوديّة والمرتبة الحقوقيّة ؛ فالنوع الانسانيُّ على سبيل المثال يتساوى افرادُهُ حقوقياً وان اختلفوا في مراتبهم الوجوديّة . احد أَعضاء مجلس النواب العراقيّ انتقد الامام عليّاً قائلاً : انه يتحدث عن نفسه بتميّزٍ عن بقية الناس ، مثل قول الامام علي عليه السلام في الخطبة الشقشقيّة:
( ينحدر عني السيل ،ولا يرقى إلي الطير) . هذا النائبُ لم يُفَرِّقُ بين المرتبةِ الوجوديّة لامير المؤمنين عليه السلام وبين المرتبة الحقوقيّة .
الامام علي (ع) يتحدث عن مرتبته الوجوديّة ، وعن ملكاته الذاتيّة ، وهذه لايشاركهُ فيها أحَدٌ ، أمّا مرتبتُهُ الحقوقيّةُ فيتساوى فيها مع ابسط افراد رعيته ، بل قد يأخُذث أَقَلَّ من حقه ، فقد اتى السوقِ يوماً هوَ وغلامُهُ قنبر فاشترى قميصينِ احدهما بدرهمين والاخر بثلاثةِ دراهمَ فأَعطى القميص الذي ثمنُهُ ثلاثة دراهمَ لغلامهِ واخذ القميص الذي ثمنه درهمين ، واعترض قنبر وقال له : سيدي انت ترتقي المنبر وترمُقُكَ الناس ُبابصارِها، فالقميص الذي ثمنه ثلاثة دراهم يليق بك ، فاجابه الامام (ع) : وانك شاب ولك شرهة الشباب فهذا القميص يناسبك . في المراتب الحقوقية للنوع الواحد تتساوى الحقوق رغم الاختلاف في المراتب الوجوديّة .
فجوابنا لاولئك الفلاسفة الغربيين : ان الانسان كائن متفردٌ في خصائصه ومراتبه الوجوديّة ؛ لذلك كان له التفوق والامتياز على سائر الكائنات ؛ لانَّ مراتبهُ الوجوديّةَ تستلزم مراتب حقوقيّة تميزه على الكائنات الاخرى .وهناك قانون كوني : ان الادنى يضحى به من اجل الأعلى.