ماذا قال ريتشارد داوكنز عن كتاب لورنس كراوس (كون من لاشيء)؟
    السبت 18 سبتمبر / أيلول 2021 - 06:28
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة:
    في مقالين منفصلين ,قدّمتُ للقاريء مقاطع مُختصرة من الفصلين الأوّل والثاني لكتاب لورنس كراوس (كون من لاشيء) ,لأجل التعريف بالكتاب!
    في الواقع الكتاب يتكون من 11 فصل ,كنتُ سأستمر بتقديم مقاطع مُختارة من كُلٍ منها ,لولا وجود عقبة لا يمكن إجتيازها في هذه الحالة .تلك العقبة تتمثل في التفاصيل والشروحات العلميّة (التي يقدمها المؤلف) عن الكون بدايته ونهايته ,
    والضوء وإنحناءاته وتطبيقاته ,والنظرية النسبية العامة لآينشتاين وعلاقتها مع كلّ ذلك ,ونظريات علماء آخرين .هذه لا يُمكن أن تُفهم إذا اُجتزأت من سياقها! 
    لذا إشفاقاً على القاريء من الفوضى أو اللخبطة التي سيقع فيها ,اُفضّل ترك هذا الكتاب لمن يوّد التعمّق في فهم علم الكون ,أي للقاريء نفسه!
    سوف أقفز الى الخاتمة وما قاله عالم البايولوجي الشهير (د.ريتشارد داوكنز) عن هذا الكتاب!
    ***
    [[article_title_text]]

    ***
    فيمــا بعد / بقلم ريتشارد داوكنز (مقاطع)!
    لاشيء يوسّع آفاق العقل مثلَ كونٍ يتمدّد!
    موسيقى الكواكب ترنيمة ذات إيقاع طفولي .
    اُغنية قصيرة مقابل النغمات الجليلة التي تعزفها السمفونيّة المجريّة!
    وإذ تغيّرَ المجازُ والبُعد ,تذرو رياح العصور الجيولوجيّة الناحته تُرابَ القرون وسُدُم ما نظنّهُ تأريخٌ قديم!
    إنّ عُمر الكون حتى الذي يصل بدّقة (كما أكدّ لنا لورنس كراوس) الى أربعة أرقام معنوية هي (13,72) مليار عام يتضاءل بآلاف في السنوات القادمة!
    غير أنّ رؤية (كراوس) لعلمِ الكون والمستقبل البعيد تحمل مفارقة وتثير الخوف!
    على الأرجح سوف يمضي التقدّم العلمي في الجهة المعاكسة!
    نحنُ نعتقد إذا كان هناك علماء فلك بعد تريليوني عام بعد الميلاد ,فغالباً سوف تتجاوز رؤيتهم للكون رؤيتنا!
    ***
    نعرف الآن أنّنا نعيش وسط 100 مليار مجرّة!
    نعرف كذلك حدوث الإنفجار الكبير لأنّ الأدلّة عليه تحيط بنا في كلّ مكان!
    يخبرنا (إشعاع الإنزياح) الأحمر الصادر من المجرّات البعيدة عن مُعامل تمدّد هابل ,ثمّ نستنبط حدوثه رجوعاً !
    إنّنا نتمتع بميزة رؤية الدليل .لأنّنا نطّل على كونٍ وليـد ,كما نَنعمُ في هذا العصر البازغ بأنّ النور مازال يستطيع السفر من مجرّة الى أخرى!
    وكما صاغها كراوس وزميل آخر بحكمة :
    [ نحنُ نعيش في عصرٍ خاص ,إنّهُ الوقت الوحيد الذي نستطيع فيه التأكد عن طريق الرصد ,أنّنا نعيش في عصرٍ خاص جداً ]!
    وحسب رؤية كراوس سوف يزداد تسطّح الكون ليصل الى اللاشيء الذي يعكس بدايتهِ .لن يكون هناك علماء كون يبحثون ,لن يكون هناك شيء على الإطلاق ,
    ولا حتى ذرّات .. لاشيء!
    لو أنّك تعتقد أنّ هذا الكلام كئيب ومُتعِس ,فهذا أمر سيّء جداً ,لأنّ الواقع لا يدين لنا بالراحة!
    ***
    لماذا هناك شيء ما .. بدل من لاشيء؟ حسب السؤال اللاهوتي المُتكرر!
    لعلنا نصل مع الإنتهاء من كتاب كراوس الى أروع الدروس :
    أنّ الفيزياء لا تخبرنا فقط كيف يخرج شيء ما من لا شيء ,لكنّها تذهب أبعد من ذلك ,لماذا اللاشيء متقلقل (مضطرب)؟
    إنّ التكوين العفوي (لشيءٍ ما .. من لاشيء) حدثَ على نحوٍ هائل في بداية الزمان والمكان ,في حدثٍ فريد من نوعه معروف اليوم بإسم الإنفجار العظيم!
    ثمّ تلت ذلك فترة تضخميّة حين إستغرقَ الكون وكلّ مايحتويه جزء من الثانية لينمو الى ثمانية وعشرين قيمة اُسيّة (هذا يساوي واحد مع 28 صفراً فكّر بهذا)!
    يـا لهُ من تصوّر غريب وسخيف ..(يتهكّم داوكنز كما سيتضح)!
    حقّاً هؤلاء العلماء سيّئون ,بقدر سوء أساتذة القرون الوسطى الذين يحسبون عدد الملائكة فوق رأسِ دبّوس ,أو يتجادلون حول لُغزِ تحوّل الخُبز الى جسدِ المسيح!
    إنّ الأمر ليس هكذا ,ليس بهذا التصميم والحماسة والغزارة !
    هناك الكثير ممّا لا يعرفهُ العِلم وهو يعكف على هذا بهمّة ونشاط!
    لكن بعضاً ممّا نعرفه اليوم بثقة وبدّقة متناهيتين أنّ عُمر الكون يُقاس بمليارات السنوات 13,72 مليار عام!
    ***
    قد يبدو العِلم غريباً غامضاً ,بل أكثر غرابة وأقلّ غموضاً من أيّ لاهوت!
    لكن العِلم نافع .العلم يحصل على نتائج .يستطيع أن يطير بكَ الى زُحَل ,يقفز بكَ الى الزهرة والمشتري في الطريق!
    ربّما لانفهم نظرية الكمّ (يعلمُ الله أنّي لا أفهمها) لكن النظرية التي يمكن أن تتنبّأ بالعالم الحقيقي لحد عشرة أرقام عُشرية لايمكن أن تكون خاطئة بالمعنى المُباشر!
    بينما اللاهوت لا يفتقد الأرقام العشرية فقط إنّما يعوزه حتى أقلّ قدر من التواصل مع العالَم الواقعي!
    وكما قال (توماس جيفرسون) حين أسسّ جامعة فرجينيا :
    [لا يجب أن يكون هناك مكان لاُستاذية لاهوت في معهدنا]!
    لو سألتَ المؤمنين الدينيين لماذا يؤمنون؟ 
    فربّما ستسمع بعضاً من السفسطة اللاهوتيّة بإعتبار الله أساس كلّ وجود!
    لكن أغلبية المؤمنين الأكثر صدقاً وهشاشة سوف يقفزون الى نسخة الحُجة التي تتمحور حول التصميم الذكي ,أو العلّة الأولى!
    لم يحتجْ فلاسفة من معيار البريطاني (دافيد هيوم) لينهضوا من هذا الكرسي الوثير ليبيّنوا الضعف القاتل في حُجج المؤمنين!
    المُغالطة بالمصادرة على المطلوب ,أو إلتماس سؤال أصل الخالق!
    بل أنّ المسألة إحتاجت الى (تشارلس داروين) ,أن يكون في العالَم الحقيقي على متنِ (سفينة بيجيل) كي يكتشف البديل البسيط بساطة عبقرية التصميم .
    ذلك الذي أصبح اليوم حقيقة علمية مركزية ,التطوّر والإنتقاء الطبيعي!
    كان علم الأحياء أرض الصيد المُفضّلة دائماً لدى عُلماء اللاهوت الطبيعيين.
    حتى قام داروين دون عمد ( لأنّه كان أطيب وأنبل الرجال) بطردهم منها! 
    فرّوا الى المراعي الخالية من الفيزياء وأصول الكون ,ليجدوا هناك لورنس كراوس وأسلافه في إنتظارهم!
    لو أنّ كتاب داروين (أصل الأنواع) كان ضربة علم الأحيـاء القاضيّة لما وراء الطبيعة واللاهوت ,فربّما يجب أن نرى كتاب كراوس (كون من لاشيء) ,مُعادلاً له في عِلم الكون!
    ***
    الخلاصة:
    يقول العالِم (لورنس كراوس) في خاتمة كتابه (كون من لاشيء) مايلي :
    غاية كتابي أن اُقدّم للقاريء صورة مُستبصرة عن الكون كما نفهمه بحيث يصف التوقعات النظرية التي تقود الفيزياء الى الأمام!
    لقد أوضحتُ تحيّزي لفكرة (أنّ الكون بزغَ من لاشيء) ,بينما يمكن للقاريء التوصل الى إستنتاجه الخاص!
    الآن اُريد أن أنهي مناقشتي بالسؤال الرائع الذي طرحه آينشتاين :
    عمّا إذا كان لله الخيار في خلق الكون .. أم لا ؟
    إذ يقدّم هذا السؤال الدافع الأساس لكل بحث في البنية الجوهرية للمادة والفضاء والزمن ,البحث الذي إستغرق معظم حياتي المهنيـّة!

    رعد الحافظ
    18 سبتمبر 2021
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media