ليس صعباً الالتفات وليس بعسيرٍ الانتباه أنّ للقرب نوعَيْن:
مادّي ومعنوي.
فبلدان متجاوران:
هما قريبان بالمعيار الأوّل.
وجاران في نفس المبنى أو ذات الحيّ والمسكن الشّعبي:
يشملهما أيضاً المنظار الأوّل.
وطالبا علمٍ في قاعة دراسيّة مشتركة:
يشكّلان مصداقاً للنّوع الأوّل.
وموظّفان في شركة واحدة وبذات الفرع ونفس القسم:
من الواضح أنّهما مثال جَلِيّ للمنحى الأوّل.
في المقابل:
شخصان تلتقي أفكارهما ومسلكيّاتهما على نحو مطّرد:
قريبان بالمعيار الثّاني.
فردان يسكنان في بقعتَيْن متباعدتَيْن، إلّا أنّ أحدهما لا يتوقّف عن الدّعاء للآخر في موارد الدّعاء والحالات العباديّة:
ليس غريباً أن يشكّلا مصداقاً للقرب من المنظار الثّاني.
إنسان في أرض من هذه المعمورة الواسعة يتّبع تعليمات جهة معيّنة أو مرشد كذائيّ باستمرار على مدار أيّام دهره:
لا يُستبعَد أن يُصَنَّف المُتَّبِع قريباً من المُتَّبَع وفق النّوع الثّاني.
مواطن يقبع في "ساحة ما" ولا ينفكّ يتفاعل عاطفيّاً مع قضيّة حياتيّة تبعد عنه أميالاً... ومثلها المزيد:
فلا تتردّد في تصنيفه قريباً منها بناءً على المنحى الثّاني.
صعوداً إلى العنوان والتّساؤل المطروح، لا يُسْتَبْعَد أن يكون المعنى المقصود ـ ضمنيّاً ـ واضحاً، وهو النّوع الثّاني (المعنوي) دون الأوّل (المادّي).
فوفق المعيار الأوّل ـ المادّي، من الطّبيعي أن يكون أهل "كربلاء" هم الأقرب إلى "أبي الأحرار" جغرافيّاً لما تُشَكِّله "كربلاء" من بقعة حاضنة لضريح "سيّد الشّهداء". ولكن، ماذا عن البُعْد المعنوي؟ ومَنْ يتصدّر المشهد في هذا المجال؟
إحياءات على امتداد اتّساع العالم، نَعْيٌ، مواعظ، لطم وغيرها، من الممكن أنّ الكثير وُفِّقوا لها وكانوا من الفائزين بشرف خدمة "سيد الشّهداء"... ولكن: مَنْ أقرب للحسين؟
من النّاحية النّظريّة، لا يُتَوَقَّع أن تكون الإجابة صعبة، فمن الطّبيعي أنّ الأقرب إلى "الحسين" هو الأكثر التزاماً بخط "الحسين" ونهجه، والأشدّ تثبّتاً بمسلكه، والأعمق حرصاً على اتّباع مساره العملي، وصاحب مستوى عال ومنسوب مرتفع من الاهتمام لكي يكون من أتباعه الغعليّين في ميادين التّطبيق وساحات التّنفيذ.
ومن المعلوم أنّ "الحسين" هو وليّ اللّه جلّ وعلا، وابن بنت رسوله.
تالياً، من المنطقي، أنّ الأقرب إلى "الحسين" هو الأقرب إلى "ربّ الحسين".
وعليه، النّتيجة الطّبيعيّة في هذا المجال لا تبتعد عن المضمون التّالي:
الأقرب إلى "الحسين" هو الأقرب إلى "اللّه".
فَلْنَلْتَزِم بالمضمون النّظري بترجمته لواقع عملي، والتّصنيف على "ربّ الحسين"، وهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين: {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
وللحكاية تَتِمَّة
[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ]
أبو تراب كرّار العاملي