د. عبد الأمير البدري
مُني حزب "العدالة والتنمية" (ذو المرجعية الإسلامية) بهزيمة قاسية في الانتخابات العامة التي شهدها المغرب، أخيراً. وهي هزيمة يرجعها مراقبون تحدثوا لـ"الشرق"، إلى مجموعة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذها الحزب خلال ولايتين حكوميتين، قاد فيهما الائتلاف الحاكم، وكذلك "تليين خطه السياسي" منذ إعفاء الملك زعيمه السابق عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة قبل خمسة أعوام، وإلى الانقسامات الداخلية أيضاً.
هكذا، وبعد توليه رئاسة حكومتين لمدة عشر سنوات في أعقاب اعتماد دستور جديد في المملكة عام 2011، وسع صلاحيات الحكومة والبرلمان، انطفأ "مصباح" العدالة والتنمية (المصباح رمز الحزب) ليتراجع تمثيل الحزب في مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان، من 125 مقعداً حصدها في انتخابات 2016 إلى 13 مقعداً فقط في الانتخابات الأخيرة، وفقاً للنتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية.
تجدر الإشارة إلى أن "العدالة والتنمية"، فقد الصدراة لصالح حزب "التجمع الوطني للأحرار"، المصنف ليبرالياً، على الرغم من أن الأخير شاركه الحكومة المنتهية ولايتها، وشغل فيها وزارات أساسية مثل الزراعة، التي يتولاها رئيسه عزيز أخنوش منذ عام 2007، والذي أصدر الملك المغربي محمد السادس، الجمعة، قراراً بتعيينه رئيساً للحكومة الجديدة وكلفه بتشكيلها.
أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حمودي، وصف النتائج التي حصدها "العدالة والتنمية" بالهزيمة بالمدوية و"المفاجئة"، وقال إنها نتيجة "تليين الحزب خطه السياسي منذ إبعاد زعيمه السابق عبد الإله بنكيران" عن رئاسة الحكومة في عام 2017.
بدوره، قال المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتحي إن من بين الأسباب الرئيسية لتقهقر حزب "العدالة والتنمية"، أن الحزب "لم يستطع أن يمارس الدور الذي كان ينتظره المغاربة من رئيس الحكومة في ظل دستور 2011، الذي وسع صلاحيات رئاسة الحكومة والبرلمان".
وأضاف الفاتحي في حديث لـ"الشرق" أن رئيس الحكومة المنتهية ولايتها سعد الدين العثماني "بدا كأنه موظف ينفذ التعليمات، لا كرئيس حكومة يمتلك من آليات السلطة التنفيذية ما يتيح له الاجتهاد في ممارسة السلطة"، مشيراً إلى أن هذا "كان مخالفاً لما يطلبه الشارع المغربي، الذي يريد سلطة تنفيذية منتخبة، تتخذ قرارت قوية في انسجام مع برنامجها الانتخابي، حتى وإن حاولت منازعة صلاحيات الملك في بعض الاختصاصات التدبيرية".
واعتبر المحلل السياسي المغربي أن الحزب الذي صوتت لصالحه في السابق قطاعات واسعة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة "اتخذ جملة من القرارت غير الشعبية في المجال الاجتماعي والاقتصادي، منها رفع الدعم عن المحروقات ورفع سن التقاعد، والاقتطاع من رواتب المضربين من الموظفين".
منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية في عام 1997، ظلّ الحزب ذو المرجعية الإسلامية يحقق نتائج تصاعدية، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة، وذلك في أعقاب احتجاجات 2011 التي طالبت "بإسقاط الفساد والاستبداد".
وبعد ذلك بخمسة أعوام، استطاع الحفاظ على موقعه وفاز بانتخابات 2016 بفارق مهمّ عن أقرب منافسيه، بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران. واشتهر الأخير بحضوره الإعلامي البارز وانتقاده المتواصل لـ"التحكّم"، في إشارة منه إلى الدولة العميقة.
وعلى الرغم من فوزه بانتخابات عام 2016، لم يستطع بنكيران تشكيل حكومة ثانية، وبقي مصراً على رفض شروط وضعها رئيس حزب التجمع عزيز أخنوش، في ظل أزمة سياسية استمرت أشهراً، قبل أن يعفيه الملك ويعين بدلاً منه الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني، ليقبل الأخير مباشرة بعد تعيينه شروط أخنوش كافة، ما أظهر الحزب في صورة ضعيفة.
ورأى المحلل السياسي مصطفى السحيمي أن قبول العثماني تلك الشروط "كان من باب التوافق، لكنه اعتبر خضوعاً من طرفه، ما أضعفه منذ البداية".
من جهته، يشير أستاذ العلوم السياسية أحمد بوز إلى أن "انهيار" الحزب ذي المرجعية الإسلامية في هذه الانتخابات، يرتبط أيضاً "باستمرار الازدواجية التي يمارسها، والتي تتجلى بشعارات قوية تخالف الممارسة".
ويخص بوز بالذكر، توقيع رئيس الحكومة المنتهية ولايته سعد الدين العثماني على اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل أواخر العام الماضي، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء "بينما دانت ذراعه الدعوية ذلك".
تجدر الإشارة إلى أن "العدالة والتنمية" يرتبط بـ"حركة التوحيد والإصلاح"، وهي جمعية دعوية نشطة، تُعتبر مناهضة التطبيع مع إسرائيل من شعاراتها الرئيسية.
بدوره، ربط أستاذ العلوم السياسية محمد الزهراوي، بين "اندحار" حزب العدالة والتنمية، وقبوله باتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل. وقال لـ"الشرق" إن هذا القرار كان من بين أسباب رئيسية دفعت إلى "حياد أو فشل حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوية للحزب) في حشد الدعم والتعبئة للحزب خلال هذه الانتخابات".
إلى ذلك، وجد الحزب نفسه مرة أخرى في تناقض مع مواقفه المعلنة، عندما تبنى قانوناً ينص على استعمال اللغة الفرنسية في التدريس، فيما خاضت ذراعه الدعوية وأمينه العام السابق حملة ضد "استهداف" اللغة العربية.
وتكرر الأمر مجدداً عندما تبنت الحكومة قانوناً لإباحة زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، لكن نواب الحزب في البرلمان امتنعوا عن تبنيه بعد تهديد بنكيران بالاستقالة منه، بدعوى أن المشروع المذكور بمثابة "شرعنة للمخدرات".
وعكست الخلافات انقساماً واضحاً بين خطين، وأثّرت سلباً على الاستعداد للانتخابات وفقاً للمحلل السياسي إسماعيل حمودي، الذي لفت إلى "تواري حركة التوحيد والإصلاح خلال الانتخابات، وعدم دعوة أعضائها للتصويت لصالح الحزب"، مؤكداً أنه في النهاية "توجه العثماني وتيار الوزراء إلى الانتخابات معزولين".
هكذا، كانت أولى نتائج الهزيمة المدوية استقالة أعضاء الأمانة العامة للحزب من قيادته، بمن فيهم سعد الدين العثماني. فيما أعلنت الأمانة العامة المستقيلة مساء الخميس، أنها "تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة".