التحول نحو آسيا.. هل تغادر أميركا الشرق الأوسط حقا؟
    الثلاثاء 28 سبتمبر / أيلول 2021 - 15:29
    [[article_title_text]]
    تدريبات عسكرية في سماء قطر.. صورة وزعتها وزارة الدفاع الأميركية
    (الحرة) واشنطن: شربل أنطون - فاجأ الرئيس الأميركي جو بايدن الجميع بالإعلان عن الاتفاق الثلاثي المؤسِس لتحالف "أوكوس" بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وأتبع ذلك باستضافة قمّة في البيت الأبيض لقادة دول مجموعة "الرباعية" التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة.

    ما هي أهداف الإدارة الأميركية من هذه الخطوات الاستراتيجية؟ وهل يتسارع التوجه الأميركي نحو آسيا لمواجهة الصين؟ وكيف سيؤثر ذلك على الشرق الأوسط؟

    برنامج "عاصمة القرار" على قناة "الحرة"، غاص في أبعاد هذا الملف مع برنت سادلر، كبير الباحثين في "مؤسسة هيريتدج" الأميركية في واشنطن، الذي كان مسؤولاً عن قسم الصين في البحرية الأميركية بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). ومع إيثان بول الباحث في "معهد كوينسي" الأميركي في العاصمة، الذي كان مراسلاً صحفياً في هونغ كونغ.

    وشارك في قسم من الحوار نضال شقير، وهو محلل سياسي مقيم في باريس.

    تحالف "أوكوس".. ردع الصين؟
    يعتبر برنت سادلر أن اتفاق أستراليا وبريطانيا وأميركا "اتفاق جيّد له أبعاد استراتيجية وعسكرية". فيما لا يوافق إيثان بول على ذلك، فالاتفاق برأيه "لم يحلّ المشكلة الهيكلية التي تعاني منها المنطقة، والتي لا تفتح المجال للأمن والاستقرار هناك".

    ويتابع أن الاتفاق سيساهم في "ديناميكية ستستمر في السنوات المقبلة، وأن أيّ فريق، سواءً كان أميركا أو حلفاؤها من جهة، أو الصين من جهة أخرى، لن يتمكن من السيطرة على هذه الديناميكيات التي ستؤدي إلى مشكلات قد تؤدي إلى أزمة على مستوى كل منطقة" المحيطين الهادئ والهندي.

    جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق للرئيس السابق دونالد ترامب، يقول إن اتفاق أوكوس "يُمثِل لحظة جلوس وملاحظة، ربما يكون محوراً حقيقياً في المحيط الهادئ لتقييد الصين". ويضيف أن "الولايات المتحدة هي الآن في اللعبة".

    وفي السياق عينه، يشدد عضوا مجلس الشيوخ، الديمقراطي توم كاربر والجمهوري جون كورنين، على أنه" لا يمكن للولايات المتحدة أن تظل في غرفة الانتظار. علينا أن نستعيد مقعدنا من أجل التنسيق مجدداً مع حلفائنا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".

    الكاتب الأميركي روبرت كابلان يرى أن إدارة بايدن "تعرقل تقدم الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وأن تحالف أوكوس "يمنح أميركا أرضية جيوسياسية بالقرب من مجال نفوذ الصين؛ ويساهم في طمأنة حلفاء واشنطن في اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وسنغافورة، بشأن عزم أميركا على ردع الصين، ويحفزهم أكثر على الوقوف في وجه بكين".

    ويضيف روبرت كابلان في "الواشنطن بوست" أن هذا "التحالف الأنغلوساكسوني يربط عملياً حلف الناتو بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويوقف زحف الصين" على تلك المنطقة.

    واشنطن - بكين.. نحو "حرب باردة"؟
    يصف برانت سادلر الوضع بـ "المنافسة بين القوى الكبرى، ويرى أن المنافسة مصطلح مناسب لزماننا أكثر من تعبير الحرب الباردة".

    ويستطرد بأن وصف هذه المنافسة بـ "الصراع الشامل الذي يتحوّل من أيديولوجي إلى عسكري واقتصادي، له جذور في الماضي، حيث يعتبر الحزب الشيوعي الصيني أن الولايات المتحدة هي العدو الاستراتيجي للصين". 

    ويضيف سادلر أنه يمكن للولايات المتحدة والصين "التنافس في بعض المجالات، والتعاون في مجالات أخرى في نفس الوقت، وهذه ديناميكية صعبة بالنسبة للولايات المتحدة" على حد تعبيره.

    جواب إيثان بول على هذا الرأي يتمثل في أن "بكين تعتقد منذ تسعينيات القرن الماضي أن هذه حرب باردة، ويجب التدقيق في القول إن الصين اختارت أن تكون عدواً لأميركا، لأن التقدم الاقتصادي الصيني حصل مع سيطرة هائلة لأميركا في تلك المنطقة، أميركا لديها حلفاء أساسيون قريبون من الصين، وقد نشرت أميركا قواعد عسكرية" في المنطقة.


    وفي ذات الموضوع، قال الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إننا سنقف إلى جانب حلفائنا وأصدقائنا، وسنتصدى لمحاولات الدول القويّة السيطرة على الدول الضعيفة، سواء من خلال تغيير حدود الأراضي بالقوة، أو ممارسة الإكراه الاقتصادي، أو الاستغلال التكنولوجي، أو التضليل الإعلامي. لكننا لا نسعى لحرب باردة جديدة أو إلى عالم منقسم إلى كتل جامدة".

    ويتفق السِناتور الجمهوري، توم كاتن، مع مسألة عدم سعي الولايات المتحدة إلى حرب باردة جديدة. لأننا "نفضل أن يكون لدينا سلام مع كل الأمم. لكن عندما تشن الصين حرباً باردة ضد الولايات المتحدة، الخيار حينها ليس بين دخول الحرب أم لا، بل الخيار هو بين ربح الحرب أو خسارتها"، حسب تعبير السِناتور الجمهوري الذي انتقد بايدن على عدم ذِكر الصين في خطابه.

    تحالف "أوكوس".. "طعنة في ظهر" فرنسا؟
    ويُشدد برانت سادلر على أن تحالف أوكوس "لا يُشكل طعنة في ظهر فرنسا، لأنه قد تمّ إلغاء برنامج الغواصات الهجومية قبل أن يظهر إلى العلن، وذلك بعد عملية تدقيق أسترالية مع الفرنسيين خلال العامين المنصرمين، التي أدّت إلى خيبة أمل أسترالية بالنسبة للتوقيت الزمني والتأخير الحاصل، خاصة في برنامج المجموعة البحرية. فالحكومة الفرنسية لم تتفاجأ بإنهاء الصفقة مع أستراليا" برأي برنت سادلر.

    من جهته لا يعتقد إيثان بول أن إدارة الرئيس بايدن "تعاملت مع المسألة بالطريقة الملائمة، فالتعاطي مع فرنسا كان سيئاً؛ التصرّف المسؤول يفرض على أميركا إعلام فرنسا مسبقاً لأنها شريك أساسي" للولايات المتحدة.

    ومن جهته يعتقد نضال شقير أن "التحالف الاستراتيجي الأميركي الأوروبي مستمر رغم المقاربات المختلفة بين الطرفين. وأن الجوهر الأمني ثابت في مواجهة الأخطار الآتية من الصين وغيرها".

    ويضيف شقير أن "فرنسا وأوروبا تتطلعان إلى علاقات تحالفية طبيعية ومتينة بينها وبين الولايات المتحدة في عهد بايدن، بعد أن أهمل ترامب أوروبا وضغط عليها إلى حد أن البعض بدأ يفكر بأوروبا أولاً على غرار شعار ترامب أميركا أولاً". فالاتحاد الأوروبي – برأي نِضال شقير- يسعى إلى "شراكة متينة مع أميركا، وأن إدخال فرنسا وغيرها من دول أوروبا في أوكوس سيقوّي هذا التحالف".

    وتعليقاً على هذه المسالة، يقول إيثان بول إن "أوروبا تتقرب إلى أميركا لموازنة الصين، لكن إن لم يثق الأوروبيون بقدرة أميركا على التعامل مع الصين، فإن عليهم اختيار طريق آخر لمقاربة هذا الموضوع". أما مقاربة برانت سادلر فتنطلق من سؤال أساسي: ما هي مصلحة أوروبا اليوم؟ ويجيب "أن الناتو خدم أوروبا بشكل فعّال خلال العقود الماضية، وأن استمرار حلف شمال الاطلسي يصُبٌ في المصلحة المشتركة لأميركا وأوروبا معاً".

    مجموعة "الرباعية".. موازنة الصين أو مواجهتها؟
    يعتقد إيثان بول أن مجموعة "الرباعية"، التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة الأميركية، والتي "سعت في السنوات الأخيرة لضم نيوزلندا والفلبين وفيتنام، هي إطار لا يستطيع أن يوازن الصين التي استثمرت منذ سنوات في قدراتها في المنطقة لحماية نفسها". ويرى أن مجموعة الرباعية "ستؤدي إلى لعبة لا نهاية لها" في تلك المنطقة.

    ويختلف برانت سادلر مع توصيف زميله إيثان بول، لأن "الرباعية مجموعة قديمة تتطور منذ تسعينيات القرن المنصرم. وهي ليست توجهاً جديداً ولا ردّ فعل أمنيا ضد الصين".

    ويُذكِّر سادلر بأن التغيير الهام في تلك المنطقة يتمثل في "التوسّع العسكري الكبير للصين، لا سيما أنشطتها حول تايوان وفي بحر الصين الجنوبي، وإعلان بكين مؤخراً عن توسيع ترسانتها النووية، مما ضاعف المخاوف والهواجس الأمنية لشركاء واشنطن" في المنطقة.

    ويختم بأن " مجموعة الرباعية لم تتخذ أي خطوات عدائية تجاه بكين، بل أنها تحاول بناء علاقات مستقرة ومتوازنة في المنطقة، وهذا توجه أميركي إيجابي، وعلى الصين أن تكون شريكاً مسؤولاً" أيضاً.

    "أوكوس".. هل تنسحب أميركا من الشرق الأوسط؟
    يقول الكاتب الأميركي روبرت كابلان "إن الانسحاب من أفغانستان، وصفقة بيع الغواصات النووية لأستراليا يؤشران إلى خروج أميركا من منطقة الشرق الأوسط المضطربة، نحو التنافس الصريح مع الصين".

    بينما لا يوافق برانت سادلر على هذا التوصيف لأن "الجيش الأميركي والمصالح الاقتصادية الأميركية لا تزال موجودة بكثرة في الشرق الأوسط؛ فهناك أسطول أميركي في البحرين، وقوات أميركية منتشرة من جيبوتي إلى السعودية والإمارات وقطر، وهذا وجود عسكري كبير لن يتغير إلا إذا طلبت دول مجلس التعاون من أميركا الانسحاب، وأنا لا أرى حدوث ذلك".

    ويخلص سادلر إلى "أنه من الخطأ القول إن الولايات المتحدة تغادر الشرق الأوسط، في حين أنها تعيد التركيز على الصين".

    ويرحب إيثان بول بقرار الرئيس بايدن "الشجاع بالانسحاب من حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن تستمر أميركا في خوضها. ولكن ما رأيناه في اتفاق أوكوس وفي مجموعة الرباعية، هو أن الرئيس بايدن يبتعد عن الشرق الأوسط لتعزيز التنافس مع الصين، هذا التنافس ليس لديه هدف نهائي ولا نعرف كيف ومتى سينتهي".

    ويشارك بعض الباحثين الأميركيين الكاتب فريد زكريا قوله إن "مُرتكز الجغرافيا السياسية قد تَحرّك شرقاً، وأن آسيا ستكون في محور القضايا الدولية لعقود مقبلة"، بدلاً من الشرق الأوسط. فهل يمثل تحالف "أوكوس" فرصةً لحلفاء أميركا للتركيز على استقرار منطقة آسيا في مواجهة محاولات الصين الهيمنة عليها؟

    شربل أنطون -واشنطن
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media