مؤتمر أربيل للسلام
    الخميس 30 سبتمبر / أيلول 2021 - 15:42
    قاسم محمد الكفائي
    في يوم الجمعة الفائت الرابع والعشرون من أيلول الجاري 2021 تم عقد مؤتمر في مدينة أربيل بشمال العراق التي هي عاصمة الأكراد البرزانيين وكان المشاركون هم نخبة لا يعرفها المجتمع العراقي تكاد تكون نكرة لا تمثل العراق ولا العراقيين. المؤتمر جاء بتحضيرات مسبقة قامت بها وزارة داخلية أربيل وبرضى وتوجيهات القادة الأكراد على رأسهم مسعود البرزاني، ثم التنسيق مع دوائر صهيونية داخل وخارج إسرائيل. هذا التحليل أمرا واقعيا يستند الى مسيرة الحركة الكردية منذ نشأتها والى اليوم وكيف أن لها علاقات متجذرة مع الحركة الصهيونية العالمية والمتمثلة بكيان إسرائيل. فكما يفهمه المطبعون من العرب وغيرهم بأن إسرائيل هي ملاذهم الآمن وأن الركون تحت فيئها مغنما ويطيل العمر، مع أن هذا الكيان يعلم جيدا أن هؤلاء هم جبناء وأيتام ولأنه يعلم بدوافعِهم وإفلاسِهم أمام أمتهم عامة وشعوبهم خاصة، ويعرف أنه مُهدد بالزوال أمام تحديات محور المقاومة الذي يتسع ويكبر على مستوى الدول العربية والإسلامية، وأمام شعوبها.
    فالقيادة الكردية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع هذا الكيان ولن تتبدل أمام المتغيرات التي واجهتها إما صعودا حين كانت الحركة الكردية تحظى بدعم مباشر من شاه إيران محمد رضا بهلوي في حربه وعصيانه على حكومات العراق المتعاقبة، أو عند النكسة حين أدار ظهرَه وأمر ملا مصطفى البرزاني بالإنسحاب وإلقاء السلاح عام 1975 مثلا. وقد لا يعلم الكثير من الناس بأن مسؤول الملف الكردي لدى إسرائيل هو ضابط موساد كبير مع جماعات كردية يهودية عاشت هناك منذ عقود وليس وزارة من وزارات إسرائيل، فيتم استقبال وفودَهم السرية من خلال هذا الضابط دون أن يحققَ لهم أيةَ اعتبار آخر خلاف ما يظهر على وسائل الإعلام. فالمؤتمر كما هو مخططٌ له إهتم بتأسيس حالة الرضى والترويض في نفوس الناس والحكومة في بغداد حتى وإن فشل بإنجاز أغلب المهام لكنه يبقى حالة مؤثرة يُنجّز من خلالها قياس درجة قبول أو رفض حالة التطبيع مع الكيان الصهيوني المتمثل بإسرائيل لدى الفريقين. فالتحضير للمؤتمر ثم انعقاده تم بإسلوب ناعم مدروس من شأنه رفع الشك والشبهة عن حكومة أربيل ودفع المسؤولية الكبرى على عاتق منظمات المجتمع المدني كحيلة كردية-إسرائيلية لا تنطلي على "الصاحي والغافي" لأنها قبيحة بشكلها وعفنة بطعمها ورائحتها.
    التطبيع مع الكيان الصهيوني هو عملٌ مُحببٌ لدى المنبطحين الضعفاء، والهاربين من شعوبهم، واليائسين. وعند أحقر خلق الله و( أضرطهم) شأنا، فكيف يرضى الأشراف الخاصة والأباة من عامة الشعوب بهذا الذل وهذه المهانة، إنه أمرٌ يستحيلُ قبوله أو تحقيقة، وياليت يعلم الجبناء أن التحضيرات التي يقوم بها المعسكر الآخر تجري على قدم وساق لزوال هذا الكابوس الرابض على أرض فلسطين بالقوة.
    فمن يتحمل المسؤولية هو مسعود البارزاني أولا ومن بعده حكومته اللاشرعية في قاموس الجغرافية السياسية العراقية لابدّ لها أن تُحاسَب ويتم تسقيطها عندما تستفيق حكومتنا الحالية في بغداد أو يستبدلها الشعب العراقي بحكومة وطنية حقيقية تحرص على خارطة العراق من التقطيع والمزايدات ومن طرهات الحكم الذاتي. فالعراق هو واحد بأرضه وسمائه يعيش فيه أبنائه بطوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم ليحظى الإنسان الكردي بكل حقوقه تحت سقف عدالة الأنبياء والأديان السماوية، وسقف احترام المواطنَة.
    لقد انتكس العراق الدولة وتحطمت أماني الشعب بسيطرة الجائعين الحفاة (الخردة) على مقدراته ونهبها، وضاع العراق عندما وصل الأمر بمسعود البارزاني أن يمسك الناظور العسكري، لابسا شلواره التقليدي وهو ويراقب قطعات العدو (الجيش العراقي) على خط التماس مع البيشمركة، ومن علامات ضياع العراق هو أن يُفرَش السجاد الأحمر للمسؤول الكردي الرفيع المستوى عندما يزور بغداد وكأنه ضيفا قادما من دولة أخرى، فتُجرى له مراسيم الزيارة وفق بروتوكول رسمي مَهيب. بل الأنكى هو فتح قنصليات دول صهيونية في أربيل وبالمقابل فتحت حكومة الأكراد قنصلياتِها في تلك الدول ورفعت علمها فوقها مستقلا. بكل ما تقدم أنا لا أستهدف على سبيل المثال (أم خورشيد الكردية ولا ولديها خورشيد وصالح... موضوعي بحث حلقتنا رقم 3 من سلسلة مقالات دروب الموت المنشورة على موقع صحيفة akhbaar.org)، ولا أعني هويتها ولا قوميتها أو لغتها. هذا ضرب من الجهل بكل المقاييس، وحالة عنصرية مقيتة لا تخلف غير الرماد والندم كما فعل نظام صدام المجرم. الذي أعنيه هو القيادة السياسية الكردية التي سطت على مقدرات وإرادة الشعب الكردي وجعلته أسير مشاريعها الصهيونية البغيضة بعنوان الشرعية والإنتماء القومي والدفاع عن اللغة والشلوار. في زمن حكم الحفاة، والفاسدين الرابضين على بغداد المحطمة صار إقليم الشمال دولة مستقلة تأوي المجرمين والهاربين ودعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصار قاعدة للموساد لإلتهام العراق، أوالتجسس الأمريكي على دولتي إيران وروسيا وبعض دول المنطقة. إن العلاقة الكردية الإسرائيلية وممارسة تعزيزها والنشاطات التي تؤديها حكومة أربيل تتم بالتنسيق مع حكومة المملكة الأردنية بعلم الملك عبد الثاني حفيد الملك عبد الله الأول الذي هلك رميا بالرصاص الفلسطيني عام 1951بسبب عمالته للمملكة العظمى إنجلترا ومساهماته الكبيرة بدفع الحركات الصهيونية لاحتلال فلسطين ومحاربة ثوارها. فالمؤتمر التطبيعي الذي انعقد في أربيل بإشراف مبطن من لدن وزارة الداخلية الكردية لم يعد بمقدوره تحقيق كل النوايا ولا جزءً منها سوى أنه حالة تهريج وترويج لمشروع السلام والتطبيع (الهيمنة والتسلط والإنبطاح)الصهيوني. يبقى رد فعل حكومة بغداد فإنه مخجل إذا ما اسثنينا موقف السيد مقتدى الصدر الذي ينتمي لأصول محمدية وأسرة من أهل العلم والشرف والإنتماء الوطني (لا أدعي هناك مهنية بالعمل). كنت أتمنى أنا المواطن العراقي على كل المعنيين في مؤسسة القضاء العراقي بهذا الملف الشؤم والخطير، وعلى وزير داخلية حكومة بغداد بالتحديد أن يُفعِّلوا أوامر القبض التي صدرت بحق المشاركين التافهين، السذَّج لتنفيذهِا بكل ما أوتي من قوة، ومتابعة جميع المروجين والمشجعين له في بغداد، وإنزال أشد العقوبات بحقهم وفق مواد قانون العقوبات العراقي.
    ما لا يتحمله الشعب العراقي بكل طوائفه أن يرى جغرافية وطنه تتفكك، ويرى الجزءَ المبتور يصبح ملاذا للمجرمين والمخططات الصهيونية التي تستهدف الأجزاء الأخرى منه وتستهدف خيراته ومستقبله، والأبعد من كل هذا تستهدف الدين والأخلاق والهوية والإنتماء، ما يعني أن موقف الشعب العراقي من هذا المؤتمر المذل الذي أداره بن الصهيوني المجرم شمعون بيريز هو موقف الرفض والإستنكار بأشد العبارات، ويقف كذلك ضد وجود كيان سياسي كردي بهذا الحجم في شمالنا الحبيب ما يستوجب الرجوع الى خارطة العراق السياسية ما قبل عام 1990والعمل على إعادة دمج إقليم الشمال إداريا وسياسيا بالوسط والجنوب والعاصمة بغداد بعد إسقاط حلم وهيكل حكومة أربيل التي تعمل جاهدة لتحقيق مآرب الصهاينة في العراق وفلسطين وسورية ولبنان بإقامة مشاريعَ نجسة يرفضها الدين، ويرفضها الإنتماء القومي العراقي.

    قاسم محمد الكفائي Twitter………Qasim.ALkefaee.canada
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media