"ثأر سياسي من تحالفات الصدر".. "رسائل لتحقيق مكاسب" وراء الهجمات الأخيرة في العراق
(الحرة) - هجمات متزامنة استهدفت مقار حزبية سنية وشخصيات كردية، فضلا عن قصف صاروخي طال السفارة الأميركية في بغداد، في تطور يحدث "لأول مرة" في العراق تواكبه توترات سياسية متواصلة منذ أشهر على خلفية نتائج الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي.
ويرى مراقبون أن هذه الهجمات تحمل "رسائل سياسية" سواء لأطراف محلية وأخرى غربية يحاول منفذوها إيصالها للضغط والحصول على "مكاسب" قبل حسم ملف تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد.
بدأت الهجمات، مساء الخميس، عندما استهدفت ثلاثة صواريخ السفارة الأميركية ببغداد، مما أدى إلى إصابة امرأة وطفل.
وطالت سلسلة هجمات هذا الشهر، قواعد أو منشآت تضم عسكريين أميركيين وأفرادا من البعثة الدبلوماسية لكنها لم تتسبب في سقوط ضحايا. وتحمّل الولايات المتحدة جماعات مسلحة متحالفة مع إيران المسؤولية عنها،
ونفذت جماعات مسلحة مموالية لإيران في السنوات الماضية عشرات الهجمات المماثلة ولم تسبب في معظمها أضرارا تذكر، لكن الهجمات أصبحت تطورا بشكل أكبر العام الماضي لتشمل استخدام طائرات مسيرة.
وبعد ساعات قليلة من استهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، هزت تفجيرات مقرات حزبية في العاصمة، بغداد، فجر الجمعة، وأسفرت عن أضرار مادية، من دون تسجيل أي خسائر بشرية، وفقا لمصادر قناة الحرة.
وقالت مصادر في الشرطة العراقية إن انفجارا بعبوة ناسفة استهدف مقر حزب "تقدم"، الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، مما أدى إلى إصابة حارسين، ووقوع أضرار بأبواب المبنى ونوافذه.
وذكرت الشرطة أن انفجارا مماثلا استهدف أيضا مقر تحالف "عزم"، الذي ينتمي إليه سياسي سني آخر هو خميس الخنجر، لكنه أسفر عن أضرار طفيفة فقط.
كذلك أفادت وسائل إعلام محلية، بينها "السومرية نيوز"، بأن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي عبد الكريم الفيلي، تعرض لمحاولة اغتيال في بغداد، الجمعة، عندما فتح مسلحون مجهولون النار على موكبه على طريق قناة الجيش السريع شرقي العاصمة.
وجاءت هذه الهجمات بعد أيام من اختيار البرلمان العراقي، الذي تشكل مؤخرا عقب انتخابات عامة جرت في العاشر من أكتوبر، الحلبوسي، رئيسا له لفترة ثانية يوم الأحد الماضي، إلى جانب انتخاب القيادي في الكتلة الصدرية النائب حاكم الزاملي والنائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبدالله، نائبين لرئيس البرلمان.
ويرى المحلل السياسي، عقيل عباس، أنه "من الواضح" أن الهجمات التي حصلت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية "مرتبطة بجلسة البرلمان الأخيرة، لأن القوى التي تحالفت داخل البرلمان لتشكيل حكومة الأغلبية هي التي تتعرض لهذه الهجمات".
يقول عباس لموقع "الحرة" إن هذه الهجمات "غير مسبوقة وتحصل للمرة الأولى، لأنها وقعت في سياق سياسي محدد".
ويضيف أن "الذين نفذوا الهجمات واضح أنهم متضررون سياسيا ويريدون أن يفككوا هذا التحالف السياسي الجديد، وإرسال رسائل أن المضي قدما به غير مسموح".
وتابع عباس أن "هذه الأطراف يائسة من إمكانية التوصل لاتفاق مع رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، لأنه رفض التعامل معهم، وبالتالي هم ذاهبون باتجاه الضغط على الأطراف الأضعف في التحالف، وهم السنة والأكراد".
يتفق رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، مع هذا الطرح ويشير إلى أن الهجمات الأخيرة تحمل "رسائل سياسية ومحاولة لإرباك الوضع الأمني كأحد الأهداف التي تندفع بها بعض الواجهات السياسية لبعض الفصائل لغرض إعاقة تشكيل الحكومة أو احراجها بعد تشكيلها".
ويضيف الشمري لموقع "الحرة" أن "طبيعة الصراع السياسي بين القوى والأطراف الشيعية بات ينعكس بشكل كبير جدا على الشارع"، مشيرا إلى أن "هذه الجهات تتجنب الاحتكاك مع الكتلة الصدرية أو الذهاب باتجاه صراع شيعي شيعي، وبالتالي تجد أن استهداف السفارة الأميركية هو الخيار الأكثر قدرة على أن تمضي معه".
ويرى الشمري أيضا أن ما يجري "هو ثأر سياسي من طبيعة التحالف الذي عقده الصدر مع السنة والأكراد وأنتج رئاسة للبرلمان بعيدة عن الإطار التنسيقي".
ومن جانب آخر، يشير الشمري إلى أن منفذي الهجمات يريدون أن يوصلوا رسالة مفادها "إذا ما تم إقصاء بعض الواجهات السياسية للفصائل المسلحة أو قوى الإطار التنسيقي فإن الملف الأمني سيكون هو الورقة التي نستهدفها".
ويضم الإطار التنسيقي تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي الذي حصل على 17 مقعدا فقط مقابل 48 في البرلمان السابق، فضلا عن تحالف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي (33 مقعداً)، وأحزاب شيعية أخرى.
ولعدة أسابيع، أصرت القوى الموالية لإيران على رفضها نتائج الانتخابات وقدمت طعنا للمحكمة الاتحادية لإلغائها، لكن المحكمة ردت الدعوى.
وتقول الكتلة الصدرية بزعامة الصدر، التي حازت على أكبر عدد مقاعد (73 مقعدا)، إنها هي من تملك الكتلة الأكبر عبر تحالفات يرجح أنها مع المكونات السنية، لا سيما تحالف تقدم الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، والكردية لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان.
ودان رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، في بيان "الاعتداءات الأخيرة على المنطقة الخضراء ومقرات الأحزاب السياسية بشكل عام"، مشيرا إلى أن "هذه الأعمال غير مبررة"، ودعا "الأجهزة الأمنية أن تقوم بواجباتها في ضبط الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم".
بالمقابل، قال حزب "تقدم" بزعامة الحلبوسي إن "هذا الاعتداء الآثم لم يكن مستبعدا في تصوراتنا خصوصا في ظل التهديدات التي نسمعها وبشكل علني على خلفية الاستحقاقات الانتخابية".
وأضاف أن "التفسير الأبسط للديمقراطية هو التداول السلمي للسلطة وليس انتزاع السلطة عبر فرض الإرادات بالتهديد والتفجير والطائرات المسيرة".
بدوره علق زعيم تحالف "عزم"، خميس الخنجر، على الهجوم الذي استهدف أحد مقراته في بغداد، بالقول: "من لا يريد وحدة الإخوة في العمل السياسي لا يريد وحدة العراق.. ومن يلوح بالقوة فلن يحصل إلا على المزيد من العزلة".
"عمل إرهابي"
وقالت بعثة الأمم المتحدة في بغداد (يونامي) إن "الصواريخ التي تستهدف السفارات وتسبب إصابات في صفوف المدنيين العراقيين تشكل محاولات قاسية لزعزعة استقرار البلاد".
وأضافت أن "السلام والأمن شرطين أساسيين لمعالجة الأولويات المحلية العاجلة وإعادة تأكيد السيادة العراقية".
وقال الرئيس العراقي إن "استهداف البعثات الدبلوماسية وتعريض المدنيين للخطر، هو عمل إرهابي اجرامي وضرب لمصالح العراق وسمعته الدولية".
وأضاف أن "مثل هذه الأفعال مُدانة، وتوقيتها لعرقلة الاستحقاقات الوطنية الدستورية بتشكيل حكومة نريدها مقتدرة حامية للسيادة وامن المواطنين".
ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن جميع الهجمات التي وقعت في بغداد سواء التي استهدفت السفارة الأميركية أو المقار الحزبية.
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولين عراقيين أن "الولايات المتحدة بعثت برسائل عبر العراق إلى إيران تحذر فيها من أنها سترد على الهجمات التي تشنها الفصائل الموالية لها في العراق".
ويرى عقيل عباس أنه "ليس من الصعب عبر التحليل الوصول للمنفذين، لكن السؤال المطروح هو إلى أي مدى هم مستعدون أن يذهبوا بعيدا في ذلك".
ويشير عباس إلى أن "ما يحصل اليوم هو دليل يأس وأن جميع الأوراق السياسية التي بيدهم لم تعد تجدي نفعا"، مبينا أنه "في ظل تماسك الائتلاف الجديد بين الصدر والسنة والأكراد فأعتقد أنهم سيلجؤون إلى العنف المحدود والمسيطر عليهم عبر شن اعتداءات كتلك، على أن لا يسقط خلالها ضحايا، لأن هذا سيثير مشكلة بالنسبة لهم".
ويؤكد عباس أن الأطراف التي تقف خلف هذه الهجمات "في وضع محرج جدا، ولا خيارات حقيقية أمامهم، بالتالي هم يائسون ويمكن أن نتوقع منهم المزيد" من التصعيد.
بالمقابل يلفت الشمري إلى أن "الصراع السياسي في العراق حاليا في أعلى مستوياته"، مبينا أن "قادة الفصائل الموالية لطهران كانوا قد هددوا في السابق بأن العراق سيواجه أياما صعبة، ويبدو أن هذا الأمر بدأ يترجم على أرض الواقع".