في الايام القاسية لنظام صدام حسين الدموي وحزب البعث العربي تعرض المواطنون للملاحقة والاعتقال والتعذيب ، وكان نصيب الشعب الكردي من الجور والتنكيل اشد واكبر وان عشرات الالوف من ابنائه باتوا صحايا ولا ينسى الناس الجرائم البشعة لعمليات الانفال القذرة والسيئة الصيت ، وفي تلك الايام استطاع رفاق الحزب الشيوعي وعدد من الناس المناضلين الشجعان ان يظهروا شهامتهم تجاه المنكوبين والعوائل المشردة وهنا لابد من ذكر اولئك الرفاق والناس الطيبين:
وفقا لقرار ما يسمى (مجلس قيادة الثورة) تم نقلي من مديرية تربية السليمانية الى الادارة المحلية في ميسان ( العمارة) ، وبعد عدة ايام عدت الى السليمانية وتركت زوجتى واطفالي ، وكان عمر اكبرهم ثمان سنوات وتوجهت للجبال والتحقت بقوات الپیشمهركه الانصار للحزب الشيوعي العراقي.
ان زوجتي { خيرية عبدالرحمن زنگنه ــ ام اري} تقول : تركنا احمد والتحق برفاقه وترك لي مرارة الحياة والعذاب وتشابكت الامور ولم اعرف ماذا افعل انا وخمسة اطفال وداهمني الخوف والرعب، كنت اخاف ان تأتي اجهزة الامن والاستخبارات وان تعتقلني واولادي، واضطريت ان اتصل باهلي ، وقد جاء بعد يوم واحد والدي وسررت بقدومه كثيرا وبعد استراحته ناقشت معه امورا عديدة فتقرر ان يسافر والدي الى عمله في حقول لحيس والرميلة في البصرة ( والدي مع عائلته تم طردهم ضمن عمليات التعريب البعثية القذرة من النفطخانة في خانقين الى لحيس والرميلة في البصرة) ولكن عائلته ( والدتي واخوتي واخواتي توجهت) الى بابل (الحلة) لان اخي الاكبر عبدالجبار وبسبب وظيفته كان يسكن في بابل ، كما تقرر ان انجز انا خلال نصف شهر كل الاعمال والامور التي تتعلق باطفالي وادوات المنزل.
في البداية وبمساعدة الشيوعي الباسل الراحل ازاد حمدي معلم مدرسة گوران الابتدائية للبنين حيث يدرس ابنائي اري وارام هناك تم تنظيم شهادة نقلهما من تربية السليمانية الى تربية محافظة بابل ( ولد الشيوعي ازاد حمدي في قضاء ههڵهبجه ــ حلبجة وكان بشوشا والابتسامة على شفتيه دائما , كان كاتبا وفنانا تشكيليا له اصدارات عديدة وكان محبوبا) .
تقول ام اري : جاءت خانزاد زوجة شقيق احمد واخذت معها المواد الصغيرة والنواعم الى دربندخان، واما عباس شقيق احمد اخذ التلفزيون والثلاجة والكتب ومكتبة احمد، ووزعت المواد الباقية على دار الرفيق الشوعي المعروف عثمان محمد سليمان الوجه المحبوب عندالجميع وكان ذكيا ونزيها، والاخ حمة توفيق ميران الرجل الشهم والباسل والمحبوب هو الاخر، وكانت تلك الايام قاسية وكان القليل من الناس
يجرؤ ان يقوم بتقبل اثاث وادوات بيت شيوعي يحمل السلاح ضد السلطة ، ورغم همجية النظام فان اولئك الناس كانوا يقولون اننا وعائلاتنا فدوة وضحايا للمناضلين، وتضيف ام اري قائلة , انكم خالدون الى الابد وانا مدينة لكم .
فكرت ان انقل الافرشة والمواد الاخرى من السليمانية الى بابل وخاصة انا واولادي تركنا بيت الوالد واجرنا بيتا ونعيش لوحدنا ونحن بامس الحاجة الى مستلزمات البيت وناقشت الفكرة مع اخوتي لمفاتحة العقيد طاهر الشيخ محمد ـأحمد برنه وهو صديق ورفيق احمد وصديق العائلة واخوتي لمساعدتي ففاتحته وقال تدرون ان السلطة ترصد تحركاتنا وليس من السهل نقل بيت من السليمانية الى بابل الا بشرط واحد ان نحرر كتابا يتضمن بان المواد المنقولة تعود لخادمتنا ووافقت وتم نقل مواد واثاث البيت بسلام.
في تلك السنوات كانت اوضاع العراق مزرية وخاصة من الناحية الاقتصادية وان البلدان فرضوا حصارا على العراق ، وكنت اشتغل ليل نهار في الخياطة لكي استطيع توفير العيش لي ولاولادي ونحن اصبحنا عائلة كبيرة قوامها ستة اشخاص، وكان همنا الوحيد هو خوفنا ان يتم اعتقالي او احد ابنائي واجراء التحقيفات معنا.
لقد ازدادت هجمات النظام الدكتاتوري في العراق وتطورت وكنت خائفة ان تقوم السلطات القمعية اخذ ولدي اري وارام عنوة وانخراطهما في الجيش الشعبي، وتباحثت امرهما مع اخوتي ، وفرحت جدا عندما وافق اخواني لعودتنا الى السليمانية التي تحررت من نظام حزب البعث الجائر ولكن قالوا كيف تستطيعين انقاذهم. قلت استطيع انقاذهم بمساعدتكم,
في تلك الايام قام ازلام البعث بدهس احد اقاربنا واستشهاد الشاب (عباس برهان ميرزا رحيم) في بغداد، وتم نقل جثمانه الى مدينة خانقين واقامة العزاء له هناك وقد سافرت مع اخوتي وابنتي آڤان الى خانقين للمشاركة في التعزية وبعد مراسيم العزاء استعد اقاربنا للمغادرة الى كلار ودربندخان ورأيتها فرصة لارسال آڤان معهم، وتوجهت الى الاخ احمد محمد امين زوج اختي نازه نين وهو قريبنا ايضا وانسان يحب اقاربه وشجاع، وعندما طرحت الامر عليه قال هَيَّأَ وا لها عباءة وفعلا تم تهيئة العباءة وذهب احمد مع الاقارب وودعهم في اخر السيطرات وعندما سال الجندي في السيطرة من اين جاءت هذه النسوة قالوا من تعزية في خانقين ونعود الى كلار ودربندخان وسمحوا لهن بالعبور وعبرت بواسطتهن ابنتي افان الى كوردستان.
في مستهل شهر نيسان 1992 سافر احمد من روسيا الى السويد واصبح لاجئا وعند عودة الاخ العزيز الرفيق ابراهيم صوفي محمود ـ ابو تارا الى كوردستان اعطاه احمد رسالة لايصالها الى الاخ احمد محمد امين، واستطاع احمد بكل شجاعة حمل الرسالة بين سيطرات النظام الدموي وسافر خصيصا من السليمانية الى بابل وعند وصوله ذهب الى بيت والدي ومن دون ان يرتاخ قال لهم لنذهب الى بيت الاخت ام اري وعندي خبر مفرح ولا اقول شيئا هنا ، وفجأة تم طرق الباب وعندما فتحنا الباب دخل احمد واخوتي وزوجاتهم واخواتي وحين قال احمد هذه رسالة من كاك احمد سارعت اخواتي لاحتضاني مع الرقص والدبكة الكوردية ولكني لم اصدق لاننا لم نسمع اخبار احمد بعد عمايات الانفال القذرة وكنا نعتقد بانه استشهد ، وهنا طلبت الرسالة وعندما استلمتها علمت بان التوقيع هو لاحمد، وقد طلب احمد ترك مدينة بابل والقدوم الى السليمانية ومن ثم التحضير للسفر الى السويد ، لم ارضى بالطلب الا ان اخوتي شجعوني على قبول الطلب وفي الخطوة الاولى سافر اري وارام مع عمهم محمود الى السليمانية.
عندما كنت في بابل وخوفا من اجهزة الامن والاستخبارات كنت اسافر الى بغداد بغية الاتصال باحمد هاتفيا وفي اخر مكالمة وعند خروجي من بناية تلفونات السنك قابلتني ليلى وهي تقول : ها تروح يم احمد؟ قلت لا اروح للسليمانية ( ليلى من قريباتنا موطفة في التليفونات وهي بعثية وكنا نشك بها ان تخبر الجهات عنا).
كنت خائفة وفكرت كيف انقذ ابنتي{ الا } وخوفا من ليلى غيرت مسيرنا، ففي فجر احد الايام سافرنا ، انا والا وعمها محمود الى بغداد، وفي بغداد طلبت من محمود التوجه الى كراج الموصل وتعجب محمود وقال باندهاش لماذا كراج الموصل؟ قلت اود الذهاب الى اربيل عبر الموصل وبعد الظهر وصلنا الموصل واجرنا سيارة تكسي في كراج اربيل وقال لنا سائق السيارة لا تهتموا وسنصل الى اربيل بسلام، وفي سيطرة الموصل ــ اربيل طلبوا الهويات ولما دققوا في هوية الا صاح احدهم حلاوية وطالبانية واعطاهم السائق حاجة وسمحوا لنا بالعبور والوصول الى اربيل بسلام( في احصاء سنة 1957 كان بيت احمد في قرية كورشلة العائدة للشيخ رووف الطالباني وتم تسجيل ابو احمد طالباني ).
عندما كنت في بابل كنت ازور كل شهيرين او كل فصل مدينة السليمانية وكنت اتصل بالرفيق الراحل شيخ رسول، وكان يجمع المساعدة الحزبية لي ولاطفالي ونستلمها منه ( الشيخ رسول مدرس اعدادية الزراعة في بكره جو ــ السليمانية، رفيق شيوعي مناضل ونصير پێشمهرگه شجاع).
الرفيق الخالد جلال كريم { جلال ابو شوارب} مناضل عتيد وپیشمهرگه نصسر شجاع في الحزب الشيوعي العراقي في الايام الصعبة بعد مؤامرة 8 شباط 1963 الدموية الجبانة، اعتقل تعرض لصنوف التعذيب الوحشية ومن جرائها اصيب بعدة امراض، ولا انسى ابدا فانه وبالرغم من امراضه كان يجمع من اضدقائه ومعارفه مساعدات وعندما يعلم بوجودي في السليمانية يأتي بنفسه للمكان الذي انا فيه ويعطيني المساعدة
للمناضلين الخالدين الذكر الطيب والعطر وانخني امام قاماتهم.
المجد والخلود لكم..
29/9/2022