في الغرب تتحوّل أغلب أفلام الخيال العلمي الى واقع ملموس!
    الخميس 6 أكتوبر / تشرين الأول 2022 - 19:42
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    في فترة الشباب (في الماضي السحيق) ,عندما كنتُ اُشاهد أحد أفلام الخيال العِلمي ,كنتُ أعجب لقدرة كاتب القصة والسيناريو وحتى المُخرج ,لهذا الخيال الواسع الذي يمتلكونه ,كيف تأتيهم كلّ هذه الأفكار ومن أين؟
    ثم أركن الى فكرة أنّ العبقرية هي نوع من أنواع الجنون في النهاية ,وأتذكر صورة آينشتاين المشهورة التي يحارُ فيها المرء ,هل هذا الرجل عبقري أم مجنون؟
    ***
    صورة :
    metaversum
     
    [[article_title_text]]

    أفكار خيالية تحوّلت الى حقيقة على الارض!
    من أوائل تلك الأفكار العلمية الخياليّة في حينها ,ثمّ لاحقاً أصبحت واقعاً ملموساً حتى بيد الأطفال ,كنّا نشاهد المسلسل الشهير رحلة الى النجوم (ستارترك) في سبعينات القرن الماضي .كان يعرض أشياء من قبيل تخاطب شخصين عن بُعد صورةً وصوتاً ,كأنّهما جالسين معاً .ثمّ إنتقال أحدهم من المركبة الفضائية الى أحد الكواكب القريبة ,كأنّ جسمه يتسامى فيذوب هنا ليظهر هناك خلال لحظة .
    بعدها شاهدنا عشرات الأفلام عن الإنتقال في الزمن الى الأمام أو الوراء .وأفلام عن غزو الكواكب الاخرى داخل أو خارج مجرتنا (درب التبّانة) ,أو العكس غزو تلك المخلوقات الفضائية لكوكبنا الأزرق الجميل ومحاولة تدميره عن بكرةِ أبيه ,قبل أن يتصدّى لهم بطل أرضي خارق .ناهيك عن أفلام عديدة عن فناء كوكبنا نتيجة عوامل تهديد المناخ ,وما شابه!
    نعم الموبايل والسيارات ذاتية القيادة والهولوگرام (الصور ثلاثية الأبعاد) ,ومثلها الطباعة ثلاثية الأبعاد وبدلة الرجل الحديدي ,والساعات الذكيّة والطائرات بدون طيّار وعشرات الأجهزة الطبية الحديثة وتقنية النانو ,والأسلحة الليزرية في الطائرات (الروسيّة) وغير ذلك ,كلّها كانت محض خيال علمي ثمّ أصبحت حقيقة واقعة!
    وهناك مشاريع مستقبلية في الأجل القريب ,كمشروع جبار يسمونه (هيكلة المُدن المَرنة 2030),تشارك فيه دول عظمى ومؤسسات وشركات وأثرياء من جميع أرجاء العالم ,هدفه تحويل مُدُن المستقبل ,الى مُدن مَرنة مُستدامة قادرة على الصمود بوجه تهديدات المناخ والأخطار الطبيعية والبشرية!
    كما أنّ هناك عشرات المشاريع للسيطرة على تهديدات المناخ ,منها الزراعة العمودية أو الرأسية بطريقة تشبه فكرة الجنائن المُعلّقة التي أمر بها الملك البابلي (نبوخذ نصّر الثاني) حوالي عام 600 قبل الميلاد .
    كذلك إستغلال أيّ فضاء بما يُسمى إستثمارات صديقة للكوكب ,تبدأ من المخلفات البشرية ثم تتوسع لتشمل جميع أوجه الحياة .
    هذا عدا عن تحليّة مياه البحر لمُجابهة نقص المياه الصالحة للإستهلاك البشري!
    في هذا الشأن ,معلوم أنّ (إسرائيل) تُعد رائدة في هذا المجال ,وهناك مشروع إسمه (الماء مقابل الكهرباء) لتزويد الأردن (من بين أفقر دول العالم بالمياه) ,
    بنسبة كافية من هذه المياه ,مقابل الحصول على الكهرباء الذي ستوفره الطاقة الشمسيّة في صحراء الأردن الواسعة ,بإستثمار (إماراتي) بنحو 8 مليار دولار!
    لكن النوّاب الإردنيون الإسلاميّون الشرفاء ,عارضوا هذا المشروع الحضاري البيئي المفيد للجميع ,كون إسرائيل طرف فيه ,فيا للغباء البشري بلا حدود!
    من جهة أخرى ,قبل إسبوع أعلنت وكالة ناسا الفضائية الأمريكية عن نجاحها بتدبير إصطدام مقصود (عمداً) بين مركبة فضائية وكويكب صغير بهدف تغيير مسارهِ (المُفترض) ,كي لا يصطدم بكوكبنا الأرضي .إنظر رابط 1
    هذه سابقة أولى في تأريخ البشرية لتجنب النيازك وتأثيراتها التي قد تكون مُدمرة. كما حصل في (أسوء يوم في تأريخ الارض) قبل 66 مليون عام ,عندما إرتطم كويكب صغير (بحجم مانهاتن) بالأرض ,في منطقة شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية ,مُخلفاً وراءه حفرة بعمق 30 كيلومتر .إنتشر بعدها الدمار في الأرض ,وإنقرضت حينها الكثير من الأحياء من بينها الديناصورات!
    هذا الحدث ذكرني بفيلم بروس والاس (أرماجيدون إنتاج 1998) ,حيث يقوم هو وفريقه بزرع قنبلة نووية داخل قلب كويكب متجه للإصطدام بالارض ,لغرض تفجيره وتشتيتهِ ,لكنّه يضطر للتضحية بحياتهِ لإنجاز تلك المهمة الخارقة!
    وحدها أفلام (الزومبيز) المقيتة ,أو الأموات الذي عادوا للحياة وهي تُعّد بالعشرات ,ستبقى في ظنّي خرافية 100% .أمّا ما عداها ممّا ذكر أعلاه فهناك أساس من الصحة ,على الأقل نظريّاً!
    ***
    تقنية الميتافيرس ـ رابط 2
    يشرح (د.نضال قسّوم) بإختصار ويُسرٍ ووضوح هذا المفهوم فيقول :
    إنّه عالم رقمي إفتراضي ,عالَم شبه حقيقي ,شبه واقعي ,لكنّه مُحاكاة للواقع!
    أو هو عالم الإنترنت في ثلاثة أبعاد .يعني بدل أن ندخل الى الإنترنت بحركات وأجهزة ,ندخل بأنفسنا بثلاثة أبعاد و(بإستخدام نظارات خاصة)!
    (تذكروا فيلم مستر بين وكثير من الألعاب الإلكترونية ثلاثية الأبعاد)!
    ماهدف ذلك ؟
    القائمون على مشروع الميتافيرس ,يريدون أن ندخل الى الإنترنت بأنفسنا وبثلاث أبعاد ,لنقوم بكلّ الأعمال التي نقوم بها اليوم على أرض الواقع!
    يعني بدل أنّي أتحرك فعليّاً (يضيف قسّوم) وأذهب الى المكتب أو صفّ التدريس أو البنك أو التسوّق أو غير ذلك ,فلن أتحرّك من مكاني في هذه الحالة.
    بل سيقوم بذلك نموذج أو شكل منّي ,أختار أنا له شكل ولون ولباس وصوت معيّن وطريقة حركة معينة ..الخ ,ثمّ يدخل هذا (نضال الإفتراضي) ليقوم بكلّ هذهِ العمليات ,يُدرّس يشتري يبيع يتفاعل يلتقي مع أشخاص آخرين يتحاور معهم وهكذا .جدير بالذكر أنّ تقنية (الميتافيرس) تتطلب وجود بنية تحية وأشياء عديدة من بينها مايسمى سلسلة الكُتَلْ أو (البلوك چين)!
    من بين المساهمين في تطوير هذه التقنية المتقدمة (مارك زوكربيرغ) ,مؤسس فيس بوك ,التي بدّلَ إسمها الى (ميتا) ,لأنّ الميتا ـ فيرس حسبهُ أنّها تقنية وعالَم المستقبل التي ستشمل كلّ نواحي الحياة والإقتصاد!
    ***
    إعادة الحيوانات المُنقرضة للحياة ـ رابط 3
    يشتغل بعض علماء اليوم على إعادة إحياء بعض أنواع الحيوانات المنقرضة!
    على سبيل المثال هناك شركة أمريكية حديثة العهد تأسست عام 2021 ,إسمها 
    (كولوسال بايوساينس) برئاسة عالم الوراثة الامريكي (جورج تشيرش) ,تأمل من التمكن من إعادة إحياء أحد الحيوانات المنقرضة هو(الماموث المكسو بالصوف),
    و ربّما حيوان آخر بحلول عام 2027 !
    بينما في جامعة ملبورن في استراليا يعمل علماء على إعادة إحياء نمر تسمانيا.
    إحدى الطرق المُتبعة في هذه العمليات تعتمد على شكل من الهندسة الوراثية العكسية .حيث يقوم العلماء بأخذ الخلايا الجذعية من الأنواع الحيّة ذات الحمض النووي المماثل ,وإستخدام تقنية تحرير الجينات لإعادة الأنواع المنقرضة للحياة!
    مثل هذه البحوث والمحاولات العلميّة لا تُجرى لأجلِ المتعة والتسلية والضحك ,
    بل غرضها (حسب العلماء المختصين) ,أنّها سوف تساعد على الحفاظ على التنوّع البايولوجي ,وإستعادة النُظم البيئية المُتضائلة ,والتعويض عن الضرر الذي تسبب فيه البشر أو الكوارث الطبيعية في الماضي!
    بينما فيما يخص الإنسان ,يعمل العلماء على إطالة حياتهِ وتحسينها وأن يعيش بصحة مقبولة حتى أيامهِ الأخيرة .يستغلون لأجل ذلك الثورات الحاصلة في الهندسة الوراثية وتقنية المعلومات والبيانات والذكاء الإصطناعي ,مثل وضع قطع إلكترونية داخل دماغ الإنسان وزرع أجهزة نانومترية في دمه وأعضائه لتحسين عملها .وغير ذلك ممّا حصلَ فعلاً ,أو لم يحصل بعد ,لكن تنبّأ به الكثير من بينهم (يوفال نوح هراري) في كتابهِ الإنسان الإله!
    ***
    الخلاصة :
    ألم أقل لكم أنّ أجيالنا الحالية محظوظة بشكلٍ خاص كونها شهدت كلّ تلك القفزات الكنغرية في التطوّر الإنساني العلمي الحضاري؟
    نعم ,كثيرة هي الأشياء التي كنّا بالأمس نعتبرها خيال علمي جامح ,أصبحت واقع ملموس مفيد في حياتنا  وبعضها لم يتحقق بعد ,ربّما يُمثل الإستعداد والوقاية من الكوارث المستقبلية المُحتملة!
    أحيانا لا ندري مَن يسبق بالفكرة ,المُشتغلين في صناعة السينما في هوليود وأمثالها ,أم العُلماء الذين يكتبون عن محاولاتهم البحثية وخططهم المستقبليّة؟
    لكن المُفارقة الكُبرى ,أنّ كلّ هذا يحدث في الغرب (الكافر),في ذات الوقت الذي نسمع فيه عن تفجير إنتحاري أفغاني نفسه في مسجد يعود للطائفة الشيعية ,أملاً  في نيل الشهادة والجنّة الموعودة .أو قتل الفتيات والنساء في إيران لمجرد كون الحُجاب (حُجاب العقل) غير منضبط ,بنظر الملالي المتخلفين!
    فإنظروا معي الى فارق الطريقين وفوائدهم للبشر ,العلم مقابل العقائد الشمولية!
    وإنظروا كيف يستغل أثرياؤهم الأموال لجعل العالَم افضل ,مقابل تصرف أثرياء العرب والبترودولار بنشر التطرّف والكراهية! 
    في الواقع ,الحضارة الغربيّة العلمية العلمانية ,التي تسود معظم أرجاء الكوكب اليوم ,التي جلبت السعادة والرفاهية والهناء والنعيم للناس ,عبر أفكارها وأدواتها ,بدءً من الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والمساواة بعيداً عن التمييز العنصري والجنسي والديني ,وصولاً في أيامنا هذه الى الميتافيرس والإنترنت والهندسة الوراثية وزراعة الأعضاء البشرية وإعادة إحياء الحيوانات المنقرضة ,وغير ذلك من تطورات ,كلّها ناتج عمل جماعي تدريجي طويل مُضنٍ ساهم فيه معظم البشر الأخيار من جميع الشعوب والأصول والثقافات واللغات!
    كان شعار هؤلاء الأوّل :عندما أختفي من هذه الحياة ,أكون قد ساهمتُ بشيء ولو ضئيل بتحسينها وتجميلها وتطويرها لأجل الاجيال المُقبلة!
    [ لقد إبتكرنا السعادة ,يقول البشر الأخيرون ويغمزون بأعينهم ]
    هكذا تكلّمَ زرادشت ـ فريدريك نيتشه !
    ***
    الروابط :

    1 / وكالة ناسا تعلن نجاح تجربتها الجديدة!
    2/ هل سنعيش في الميتافيرس ومتى ؟ د.نضال قسّوم! 

    3/ هل يمكن إعادة الحيوانات المُنقرضة للحياة؟

    رعد الحافظ
    6  إكتوبر 2022
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media