الأخ رئيس مجلس الوزراء.. بداية غير موفقة ومؤشر مثير للقلق في الشأن النفطي
ان ما ورد في بيان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء عن الاجتماع الذي تراسه رئيس المجلس يوم الخميس الموافق 24 تشرين ثاني الحالي حول المشاريع الأربعة المقترحة مع شركة توتال الفرنسية يعتبر بداية غير موفقة ومؤشر مقلق للغاية على مدى تفهم رئيس مجلس الوزراء وادارته للشأن النفطي في العراق. وعليه أجد نفسي مضطرا للتنبيه.
أولا: لم أجد أي مبرر على الاطلاق ان يتراس رئيس السلطة التنفيذية اجتماعا حكوميا رسميا لمناقشة عدد من المشاريع بحضور شركة اجنبية، وهذا بنظري تقزيم متعمد لمبدا "استقلالية وصيانة السيادة الوطنية"؛ فلماذا كل هذا الاذلال الذاتي لسيادة الوطن.
فهل تم استقبال وزير النفط العراقي عند زيارته لباريس في شهر تموز الماضي من قبل أي وزير فرنسي؟ الجواب كلا، فلماذا يتم تجاهل مبدا المعاملة بالمثل الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية بين الدول المستقلة!!!!
ومما يدعو الى الاستغراب هو عدم اكتساب أي من تلك المشاريع الأربعة المرحلة التعاقدية الملزمة مع شركة توتال، فهذا من جهة يشكك بالمبرر القانوني لدعوة تلك الشركة لحضور هكذا اجتماع، ومن جهة ثانية يضعف الموقف التفاوضي للجانب العراقي بشأن تلك المشاريع مما قد يسبب ويلحق ضررا فادحا بمصالح العراق لصالح تلك الشركة الأجنبية.
قد يكون من المفهوم والمبرر كذلك ان يلتقي رئيس مجلس الوزراء مع رئيس شركة نفط اجنبية متعاقد معها لمعالجة ما يواجه عقدها من إشكاليات، وقد حصل ذلك في الوزارات السابقة. ولكن هذه الحالة تعتبر سابقة خطيرة بسبب ما يحيط بالوضع القانوني والتعاقدي مع هذه الشركة من سلبيات عديدة.
ثانيا: سبق لي ولأكثر من مرة ان بينت العديد من الجوانب السلبية للعقود الأربعة مع شركة توتال الفرنسية ولم توضح وزارة النفط لغبشأنتاريخه مدى معالجتها لتلك الجوانب السلبية التي تتعارض مع الدستور وعقود جولات التراخيص الأربعة الاولى نافذة المفعول وحجز العوائد النفطية بما يتعارض مع قوانين الموازنة السنوية وقانون الإدارة المالية الاتحادي وقانون وزارة النفط وقانون وزارة الكهرباء ومتطلبات وزارة التخطيط بشان تنافسية العروض وتجاوزا على دور وصلاحيات مجلس النواب وانعدام الشفافية بشكل كامل مما يتعرض مع التزامات العراق الدولية، وغير ذلك.
ثالثا: سبق لكم، بصفتك عضو في مجلس النواب، ان طلبت من وزارة النفط بموجب الكتاب رقم 27 في 26 كانون ثاني 2022 كالمعلومات التالية: اوليات الاتفاقية مع توتال؛ الجدوى الاقتصادية لعقودها والاليات التعاقدية لمشاريع الاتفاقية.
ومن المستغرب هو عدم ذكر بيان مكتبكم الإعلامي أي شيء عن موقفكم ورايكم وخاصة ما يتعلق بالجدوى الاقتصادية للعقود والاليات التعاقدية لمشاريع الاتفاقية تلك. قهل تم تجاهل تلك المسائل المهمة والمشروعة ولماذا!!!!
ثالثا: يذكر بيان مكتبكم الإعلامي مشروع " تحلية ماء البحر المشترك"، وعلى حد علمي لا تتضمن المشاريع الأربعة مع توتال أي "مشروع تحلية ماء البحر"، فهل هذا مشروع جديد ام تعديل للمشروع الأصل وما هي التبعات المالية والزمنية لهذا الامر؟ علما ان مشروع ماء البحر المشترك مخصص أصلا لحقن الماء في الحقول النفطية لتعزيز الضغط المكمني، ولا يتطلب ذلك أي تحلية لماء البحر كم توضحه اوليات هذا المشروع منذ عام 2010.
رابعا: تضمن تصريحكم المذكور في بيان مكتبكم تناقض منطقي واضح وعدم تحديد أولويات التحرك، ـ فمن جهة تؤكد على " تحقيق الاستثمار الأمثل لثروات البلاد من النفط والغاز " ثم تدعو الى تقليل "الاعتماد الكلّي على الوقود الأحفوري"، علما ان النفط والغاز هما ضمن الوقود الاحفوري!!!!
أرى من الافضل تجنب ترديد تصريحات ركوب الموجة ويفضل تحديد الاولويات بشكل واضح وحسب دراسات رصينة للجدوى الاقتصادية؛ وهنا أأكد ان انهاء حرق الغاز المصاحب واستثماره في توليد الطاقة الكهربائية هو أفضل بديل، من النواحي الاقتصادية والبيئية، لابد من التركيز على تحقيقه بأسرع وقت ممكن.
خامسا: على الرغم من ان وزير النفط اصبح نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة، ضمن ممارسة تقليل عدد نواب رئيس مجلس الوزراء اعتبارا من وزارة د. حيدر العبادي، فليس من مهام وزارة النفط، حسب قانون الوزارة، " إيجاد مصادر للطاقة البديلة والمتجددة " فهذا الامر تعنى به وزارات أخرى كالكهرباء والموارد المالية والبحث العلمي وغيرها.
وأخيرا اود التأكيد بان العقود الأربعة مع شركة توتال الفرنسية بحاجة الى مراجعة جدية شاملة تستند على مؤشرات سليمة لتحديد الجدوى الاقتصادية والصيغة التعاقدية لكل منها، لان هذه الاتفاقية مع توتال تتعارض مع المصلحة الاقتصادية للعراق وتخدم مصلحة الشركة الأجنبية على حساب المصلحة الوطنية وخاصة في ضوء انعدام شفافية الاتفاقية وعقودها.
احمد موسى جياد
استشارية التنمية والأبحاث
النرويج
26/11/2022