العراق يحرق غازه بعود كبريت ويشتري الغاز بمليارات الدنانير؟؟؟‎‎
    الأربعاء 14 ديسمبر / كانون الأول 2022 - 05:50
    د. سمير ناجي الجنابي
    يأتي العراق في المرتبة الثانية عالمياً بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب لعمليات إنتاج النفط. كما يحتل العراق المرتبة الثانية عشرة على مستوى العالم من جهة احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة التي تقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب[1]. وبحسب تقديرات البنك الدولي فإن العراق يحرق نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز يومياً، أو 0.5% من الإنتاج العالمي، وهي كمية يُمكنها أن توفر الطاقة لثلاثة ملايين منزل[2]. 

    وتؤدي قدرة العراق المحدودة على فصل ومعالجة الغاز الطبيعي إلى إرغام البلاد للاعتماد بشدة على استيراد الغاز والكهرباء من إيران. وتعمل هذه الظروف على زيادة اعتماد العراق السياسي والاقتصادي على طهران، ومزيد من الضعف لقدرة الدولة. وعلاوة على الآثار الاجتماعية-السياسية والاقتصادية، فإن حرق الغاز يضر بالبيئة وصحة السكان، وبالتالي مفاقمة آثار أزمة المناخ في العراق. 

    تُحلل هذه الورقة أسباب وتداعيات أزمة حرق الغاز في العراق، وتقدم بعض التوصيات في مجال السياسات للتعامل مع الأزمة الجارية.

    لمحة تاريخية حول القيود الهيكلية في إنتاج الغاز في العراق

    نجمت أزمة حرق الغاز الحالية في العراق عن تقليد قديم ومتواصل بتهميش عمليات التنقيب والإنتاج وإقامة البنية التحتية في قطاع الغاز لصالح قطاع النفط. وبدأت هذه الاشكالية في وقت مبكر من عمليات اكتشاف النفط والغاز، ويمكن أن تُعزى بشكل رئيس إلى ضعف الموارد والمعدات الخاصة بمعالجة الغاز الطبيعي الذي يحتوي على كبريتيد الهيدروجين السام وثاني أكسيد الكربون وبعض مستويات الماء. ويُسهم هذا في العديد من المشاكل مثل إنتاج حامض الكبريتوز أو حامض الكربونيك، الأمر الذي يؤدي إلى التلف السريع في معدات الاستخراج والمعالجة.

    وركَّز العراق بشكل رئيس على "الغاز الحلو" (الغاز الطبيعي الذي لا يحتوي على أي كمية أو كمية قليلة من كبريتيد الهيدروجين) والذي يمكن استخلاصه من حقول مثل الرميلة والزبير[3]، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمار في هذه الحقول منذ الأيام الأولى لعمليات اكتشاف النفط والغاز في البلاد وصولاً إلى مرحلة ما بعد عام 2003. ولم يستثمر العراق في البُنْيَة التحتية لاستخلاص "الغاز الحامضي" الذي يحتوي على كميات أكبر من كبريتيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون. كما يحتاج "الغاز الحامضي" إلى عملية مكلفة ومعقدة لإزالة الشوائب السامة للغاية والحامضية التي تعمل على تآكل المعدات، حيث كانت كميات الغاز الحلو المنتجة من هذه الحقول كافية لسد حاجة العراق من الغاز لإنتاج الطاقة الكهربائية[4].

    وأدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق في تسعينيات القرن الماضي والتي استمرت لحين الغزو الأمريكي للبلاد وانهيار نظام صدام حسين إلى تقويض قدرة البلاد على تطوير حقول الغاز والحصول على المعدات وإقامة البُنْيَة التحتية الضرورية لمعالجة والتقاط الغاز الطبيعي. وتفاقمت المشكلة مع غياب الاستعداد للتضخم السكاني بعد عام 2003 والطلب المتزايد على الكهرباء. ومهَّدت هذه الاشكاليات الهيكلية المبكرة الساحة للتدهور السياسي والاقتصادي بعد عام 2003 والذي جاء على شكل فساد وتحالفات سياسية مع دول مجاورة مثل إيران لتقويض قدرة على العراق أكثر على الاستثمار في الموارد الطبيعية، وتلبية احتياجات البلاد من إنتاج الكهرباء.

    وأدت البنية غير المتطورة في العراق إلى إرغام البلاد على الاعتماد بشكل رئيس على استيراد الغاز والكهرباء من إيران، الأمر الذي ينطوي على أثر مدمر على الاقتصاد العراقي. على سبيل المثال، يمتلك العراق مخزوناً يقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب من الغاز الذي تنتج البلاد منه حالياً نحو 2.7 مليار قدم مكعب، وتحرق 700 مليار قدم مكعب[5]. وينطوي هذا على كلفة كبيرة بالنسبة للعراق لأن نحو 60% من محطات الطاقة في البلاد تعمل بالغاز[6]. وتُكَلِّفُ الطاقات المؤسسية المحدودة خلال عملية التقاط الغاز المحروق والاستثمار في البُنْيَة التحتية في مجال الكهرباء الحكومة العراقية نحو 5 مليار دولار سنوياً من أموال العائلات العراقية. ويعادل هذا ميزانية وزارة الكهرباء بالكامل والتي تذهب مباشرة إلى مالكي المولدات الكهربائية المستقلة بدلاً من الوزارة[7].

    إلى جانب الخسائر الضخمة في الدخل بسبب إمدادات الكهرباء المحدودة، فقدَ العراق كميات كبيرة من المال بسبب ارتفاع أسعار الغاز الإيراني. وبحسب بيانات شركة "بريتيش بتروليوم" فإن العراق يشتري الغاز الإيراني عند سعر 11.23 دولار لكل ألف قدم مكعب مقارنة مع نحو 6.49 دولار تدفعها الكويت لشراء الغاز الطبيعي المُسال. ويتطلب هذا النوع من الغاز بنية التحتية يفتقر إليها العراق، الأمر الذي يزيد من الضغط على الموازنة العراقية، ويُعمِّق من الأزمة الاقتصادية المعقدة أصلاً.

    كما انطوت سنوات من سوء التخطيط الهيكلي وسوء الإدارة للموارد الطبيعية في البلاد على أثر ضار متزايد على أمن العراق البيئي. كما أثَر على صحة السكان ورفاههم، خاصة أولئك الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط والغاز والتي تقود بالتالي إلى مجموعة خاصة من التحديات الاقتصادية والسياسية. وتشير أرقام وزارة الصحة العراقية إلى تسجيل نحو 2,000 إصابة بالسرطان سنوياً بسبب حرق الغاز في العراق[8]، ما يجعل منطقة الزبير في محافظة البصرة من بين "أكثر 100 نقطة في العالم إضاءة نتيجة الحرق المستمر للغاز"[9].

        يحرق العراق نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز يومياً، أو 0.5% من الإنتاج العالمي، وهي كمية يمكنها أن توفر الطاقة لثلاثة ملايين منزل

    سياسة حرق الغاز

    تَتَمَثَّل الأولوية الرئيسة للعراق بالاستثمار في مشاريع وبنى تحتية للتعامل مع أزمة حرق الغاز في البلاد، وأثرها السلبي على البيئة الاقتصادية والاستقرار السياسي في العراق. لكنَّ تفشي الفساد أعاق معظم مشاريع الطاقة والمشاريع الاقتصادية، وأجبر العراق على الاعتماد بشدة على الغاز الإيراني (نحو 35% من إنتاج الكهرباء في العراق يعتمد على الغاز الإيراني إلى جانب استيراد الكهرباء من إيران). بنفس الوقت، يُعَدُّ اعتماد العراق المتزايد على إيران "مساراً اقتصادياً" للتخفيف من آثار العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

    لكنَّ الفوائد مقيدة بالآليات التي تفرضها العقوبات الأمريكية على إيران التي تسمح لطهران باستخدام عوائد الغاز لشراء الغذاء والدواء فقط بعد موافقة واشنطن استناداً إلى مبدأ كل حالة على حدة[10]. ويُعَدُّ العراق من المستوردين الرئيسين للسلع الإيرانية، حيث تصل قيمة هذه الواردات إلى نحو 12-13 مليار دولار سنوياً[11]. ويمكن استخدام نفوذ إيران المتزايد في الشؤون العراقية، خاصة من خلال الجماعات المسلحة وحلفاء طهران السياسيين داخل وخارج أجهزة الدولة العراقية، من أجل تقويض أي جهود من جانب بغداد لتطوير قدرات استخلاص واستخدام الغاز الطبيعي التي قد تُمَثِّلُ تهديداً للاستقرار الاقتصادي والسياسي في إيران، ومشروع طهران الجيوسياسي الشامل.

    وتصاعدت الأمور مؤخراً عندما أعلن الحرس الثوري الإيراني عن ضرب "مراكز استراتيجية" إسرائيلية في أربيل مطلع مارس الماضي. وذكرت وكالة "رويترز" أن المزاعم تشير إلى أن معظم الصواريخ الاثني عشر التي ضربت أربيل أصابت منزل رجل أعمال كردي على علاقة باتفاق لتطوير إمدادات الغاز الطبيعي في المنطقة. ووصف رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور برزاني هذه الهجمات بأنها خطوة ذات دوافع سياسية لحماية مصالح إيران، وتقويض مشاريع حكومة الإقليم في مجال الغاز الطبيعي. لكنَّ رجل الأعمال الكردي نفى لاحقاً مشاركته في مفاوضات لتطوير حقوق للغاز في إقليم كردستان[12].

    وبحسب بعض الخبراء، فإن حكومة إقليم كردستان ستتمكن بحلول عام 2035 من إنتاج 40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، مقارنة مع المستويات الحالية التي تصل إلى 5 مليار متر مكعب سنوياً. ويمكن لهذه الكميات تحرير العراق إلى حد ما من اعتماده على إيران، وتقويض بعض النفوذ السياسي والاقتصادي لطهران[13]. وفي حين أن حكومة إقليم كردستان لا تمتلك القدرة الفورية لتصدير الغاز فإن بإمكان تطوير مشاريع الاستثمار والحد من الفساد وتطوير البُنْيَة التحتية وضع إقليم كردستان والعراق على المسار الصحيح.

    وفي الوقت الذي تستخدم فيه إيران الغاز ورقة مساومة مع العراق فإن حاجة طهران المتزايدة لاستخدام غازها لأغراض إنتاج الكهرباء واغراض أخرى داخل حدودها أدى إلى نقص حاد في إمدادات الكهرباء، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة. وبحسب تقارير إيرانية فإن استهلاك إيران اليومي من الغاز شهد زيادة خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أدى الى استهلاك نحو 94% من إنتاج البلاد اليومي من هذه المادة، ما يعني ترك نحو 50 مليون متر مكعب يومياً فقط تقوم إيران بتصدير نحو 30 مليون متر مكعب منها يومياً إلى تركيا.

    في غضون ذلك يحتاج العراق إلى 50 مليون متر مكعب يومياً على الأقل خلال فصل الشتاء، وترتفع هذه الكمية إلى 70 مليون متر مكعب يومياً خلال أشهر الصيف[14]. وسيؤدي اعتماد العراق على صادرات إيران إلى حدوث نقص حاد في الكهرباء في العراق وسط درجات حرارة مرتفعة خلال أشهر الصيف. في غضون ذلك لا يستطيع العراق الاعتماد بالكامل على مصادر أخرى للغاز الطبيعي مثل قطر لأن استيراد الغاز القطري يتم على شكل غاز مُسال، ما يعني أن العراق بحاجة إلى بُنْيَةُ تحتية للقيام بعملية المعالجة ومئات الكيلومترات من خطوط الأنابيب لاستخدام هذا الغاز. ويمكن إنجاز هذا المشروع خلال أربع سنوات على فرض تشكيل حكومة عراقية بشكل فوري والمصادقة على الموازنة.

        أدت البنية غير المتطورة في العراق إلى إرغام البلاد على الاعتماد بشكل رئيس على استيراد الغاز والكهرباء من إيران، الأمر الذي ينطوي على أثر مدمر على الاقتصاد العراقي

    الجهود والمشاريع

    من أجل معالجة هذا النقص في الغاز، وبالتالي النقص في الكهرباء، صادق مجلس الوزراء العراقي الحالي على عقد مع شركة إيران لتوليد الطاقة والتوزيع "تفانير" لتزويد البلاد بالكهرباء في أوائل مارس. وستضمن الاتفاقية تزويد العراق بسعة كهربائية إجمالية قدرها 1000 ميغاواط كحد أدنى لمدة خمس سنوات، ومع الالتزام بمراجعة العقد سنوياً[15]. وفي مؤتمر عُقد مؤخراً في العراق، قدّم وزير النفط، إحسان عبد الجبار إسماعيل، خارطة طريق لتشكيل مسار البلاد نحو الاحتفاظ الفعّال بالغاز المُصاحب لاستخراج النفط والانتقال نحو الطاقة الأنظف. وفي خارطة الطريق تلك، أبرز إسماعيل بعض الخطوات اللازمة بهذا الخصوص والتي تشمل: أولاً، سيجري استخدام ذلك الغاز لتوليد أكثر من 13 جيجاوات من الطاقة لتزويد حوالي 15 مليون أسرة في البلاد بالكهرباء. ثانياً، سيتم تحويل محطات الطاقة الكهربائية من دورات بسيطة إلى دورات مُتعدّدة لزيادة كفاءتها. ثالثاً، سيتم استخدام الهيدروجين لتوليد الطاقة لتقليل انبعاثاته كي تصل إلى ما يقرب من الصفر[16].

    من حيث إنتاج الغاز، تفاوض العراق على عقود مع عددٍ من الشركات الصينية والشركة الأمريكية "بيكر هيوز" من بين العديد من الشركات الدولية الأخرى، للاستثمار في الغاز المُصاحب لاستخراج النفط، لتلبية متطلبات تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، وإيقاف حرق الغاز بحلول عام 2024. وعلى سبيل المثال، تُخطّط شركة غاز جنوب العراق وشركة "بيكر هيوز" لإنتاج 200 متر مكعب من الغاز المُصاحب لاستخراج النفط بحقول الناصرية والغراف[17]. إن أكبر هذه المشاريع هو المشروع الذي تعاقدت الحكومة العراقية بشأنه مع الشركة الفرنسية "توتال إنيرجي"، حيث وقّع العراق في سبتمبر، عقداً بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي مع تلك الشركة، يتضمّن أربعة مشاريع أساسية تُغطّي الغاز والطاقة الشمسية والكهرباء والنفط.

    تُعدّ معالجة الغاز المُصاحب لاستخراج النفط المشروع الأساسي، بخاصةٍ في حقل أرطاوي في جنوب العراق، الذي يهدف إلى زيادة إنتاج الغاز من 60,000 إلى ,000200 برميل يومياً[18]. ومن المُفترض أن يتم تطوير المشروع في مرحلتين، حيث ستتضمّن أول مرحلة إنتاج 300 مليون قدم مكعب غاز قياسية بينما ستُضاعَف هذه الكمية في المرحلة الثانية.ومع ذلك، توقّف التقدّم في هذا المشروع في الآونة الأخيرة، وثمة مخاوف من أن ترفض أي حكومة عراقية جديدة الشروط التي اتفقت عليها شركة "توتال إنيرجي" مع الحكومة السابقة[19]. ويكشف هذا الجمود الضعف المؤسّسي والبيروقراطي في الدولة العراقية، أي الافتقار إلى خطة طويلة الأجل للطاقة والاقتصاد والتي يُمكن أن تستمر على الرغم من تغيير الحكومات. وهذا هو النمط المُستمر في الدولة العراقية. فعلى سبيل المثال، في عام 2018، فشل مشروع بين شركة "شل" وشركة "ميتسوبيشي" والحكومة العراقية- والذي كان يهدف إلى تخفيض احتراق الغاز إلى 0% بحلول عام 2021- في تحقيق أهدافه لغاية عام 2022.[20]

    مع ذلك، هناك أيضاً فرصة لتحريك قطاع الطاقة العراقي بشكل مُختلف على الرغم من العقبات المذكورة أعلاه. وعلى سبيل المثال، في حين تقع مُعظم احتياطيات الغاز الطبيعي في جنوب العراق، فثمة أيضاً ثروة من الغاز الطبيعي في الحقول غير المُطوّرة أو غير المُكتشفة في إقليم كردستان. ويُشير بعض التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 17 مليار دولار على الأقل لتطوير البنية التحتية للغاز في البلاد[21]. ويُمكن للشركات في منطقة الخليج العربي، التي أظهرت اهتماماً بالماضي للاستثمار في قطاع الطاقة العراقي، الاستفادة من السيناريو السياسي والاقتصادي الحالي. 

    لقد رأينا بالفعل بعض المؤشّرات على هذا التحوّل في المصالح الاقتصادية. وعلى سبيل المثال، ووفقاً لوزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، تجري مُباحثات حالياً مع شركة أرامكو السعودية لتطوير وتشغيل حقل غاز عكّاز في مُحافظة الأنبار بالقرب من حدود العراق مع سوريا والسعودية. وقد توقّف المشروع منذ فترة طويلة بسبب الصراع ونقص الاستثمارات. وفي حال تم المضي قدماً بالمشروع، فإنه يهدف إلى تطوير قدرة العراق على الحد من احتراق الغاز وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني بحلول عام 2025. [22]

    يُجري العراق أيضاً مُحادثات مع قطر لتزويدها بالغاز الطبيعي المُسال إلى أن تتمكّن من إنتاج تلك الامدادات بنفسها[23]. ويخلق ذلك أيضاً نافذة لانخراط الشركات الصينية في استثمار وتطوير حقول الغاز في العراق بشكل أكبر. وفي عام 2022، أبرمت شركة "سينوبيك" الصينية اتفاقاً لتطوير حقل غاز المنصورية العراقي بالقرب من الحدود الإيرانية لتعزيز الإنتاج إلى 300 مليون قدم مُكعب يومياً[24].ومع ذلك، سيتعيّن على الشركة توقيع العقد النهائي مع الحكومة المُقبلة، وستعتمد جدوى المشاريع الجديدة في العراق على طبيعة وتشكيلة الحكومة التالية.

        من غير المُرجّح أن يقوم العراق بنقل اقتصاده نحو الإنتاج الصناعي دون إمدادات طاقة ثابتة، حتى لو امتلك إرادة سياسية قوية جداً

    المسارات الممكنة وتوصيات السياسة

    أولاً، لتطوير قطاعاته الاقتصادية الأخرى ليتجاوز الاعتماد على النفط، سيحتاج العراق إلى إمدادات مُستقرّة وكافية من مُنتجات الكهرباء والغاز، ومن غير المُرجّح أن يقوم العراق بنقل اقتصاده نحو الإنتاج الصناعي دون إمدادات ثابتة، حتى لو امتلك إرادة سياسية قوية جداً. 

    ثانياً، بما أن تغيّر المناخ يزداد سوءاً في البلاد بسبب تزايد درجات الحرارة في فصل الصيف مع مرور كل سنة، إلى جانب الزيادة السكانية غير المنضبطة، فإن حاجة العراق إلى إمدادات الكهرباء ستزداد على نحو أكبر. 

    ثالثاً، سيؤدّي ارتفاع درجات الحرارة ونقص إمدادات الكهرباء إلى اشعال الغضب بين المواطنين العراقيين ضد نظام سياسي يواجه مستويات مُختلفة وشديدة من أزمات الشرعية؛ ويغذي هذا السخط انعدام المساواة على الصُعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ما يُفضي إلى زعزعة استقرار النظام السياسي الهش في العراق.

    وأخيراً، فإن العواقب البيئية والصحية لحرق الغاز ستزيد من تفاقم الظروف الحالية في العراق في الوقت الذي لا تمتلك فيه البلاد البنية التحتية ولا القُدرة المؤسّسية لمعالجة المُشكلة بشكل كامل. وبالنظر إلى الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد حالياً فيما يخص تشكيل الحكومة منذ انتخابات أكتوبر 2021، وعدم وجود ميزانية يُمكن أن تسمح بإطلاق مشاريع جديدة، لا يزال العراق يواجه طريقاً مسدوداً اقتصادياً وسياسياً؛ وبالتالي، فإن المضي قدُماً نحو تشكيل حكومة والتوافق على ميزانية هو أمر في غاية الإلحاح إذا كان العراق يأمل في التغلّب على التدهور الاقتصادي والسياسي والبيئي والاجتماعي السريع في البلاد. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن مُعالجة المشاكل المتعلّقة بالبنية التحتية وقضايا بناء القدرات الحكومية تُعدّ الخطوة الأولى قبل إطلاق أي مشروع يهدف إلى الاستثمار في الحقول الحالية للغاز الطبيعي أو اكتشاف حقول جديدة، بخاصةٍ في غرب العراق.

    عند تشكيل حكومة الجديدة في العراق فإنها عادة ما تُهمل توصيات ومشاريع الحكومة السابقة. وغالباً ما يتم تقسيم الحقائب الوزارية المُهمّة في الحكومة بين مُختلف الفاعلين الذين يسعون لتنفيع الجماعات التابعة لهم بدلاً من السعي للحفاظ على النظام والاستقرار العام في البلاد؛ وبالتالي، يميل الوزراء الجُدد إلى تجاهل مشاريع وتوصيات نظرائهم السابقين إذا لم تخدم تلك المشاريع مصالحهم السياسية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال، وفقاً للمستشار الفنّي لشركة "تويو إنجنيرنج كوربوريشن" اليابانية، حمزة الجواهري، وبعد عدة أيام من المفاوضات مع وزارات الكهرباء والنفط والصناعة العراقية، فقد تم إيقاف الجهود المبذولة لبدء مشروع للاستثمار في الغاز المحروق واستخدامه على الفور وبشكل غير مُتوقّع من دون أي تفسير من الحكومة العراقية[25].وهو النمط نفسه الذي شهدته البلاد في السنوات الماضية؛ فكُلّما حاولت الحكومة العراقية التفاوض على مسار لإبعاد البلاد عن الغاز الإيراني، فإن الجهود تنهار في آخر لحظة. وعلى الرغم من خطة البلاد لوقف حرق الغاز بحلول عام 2024، فقد زاد العراق الكمّيات المُعالجة من الغاز المُصاحب لاستخراج النفط بنسبة 5% فقط في العامين الماضييّن[26].

    وفي حين أن القيود المؤسّسية وشبكات الفساد في الدولة لا تزال تُعيق التنمية الاقتصادية في العراق، فإن التوجّه المُتزايد للحد من النفوذ الإيراني تُعدّ لحظة مُهمّة قد تساعد على تغيير التوجهات السياسية. وفي حين أن إعادة الهيكلة المؤسّسية هي مشروع طويل الأجل، فإن التوجّه نحو تغيير التحالفات وخلق ثقافة اقتصادية جديدة يُمكن أن يُسهما باضعاف شبكات المحسوبية والفساد التي استثمرت فيها إيران ووكلاؤها في السنوات السابقة. ومن الناحية المثالية، يجب أن تسبق إعادة الهيكلة المؤسّسية تنفيذ أي مشاريع اقتصادية وسياسية مُهمّة بشكل كامل. مع ذلك، ونظراً لأنه ليس أمام العراق مُتّسع من الوقت، ولأن إعادة الهيكلة المؤسّسية ليست مُجرّد عملية تسير من أعلى إلى أسفل المستويات في الدولة، ينبغي أيضاً دعم الجهود التي تسير من أسفل إلى أعلى المستويات الإدارية للتشجيع على الاستثمارات في مُختلف الموارد الطبيعية في العراق. فالهدف النهائي المُتمثّل في تعزيز اعتماد العراق على موارده الطبيعية سيُساعد على تخليص البلاد من نفوذ إيران، الأمر الذي يُسهم في إضعاف شبكات المحسوبية والفساد التي تُقوّض التغيير المؤسّسي في الدولة.

    لا يقاس في العادة حجم الثراء في أي بلد بما يمتلكه من خزين من المعادن، وإنما بما يستثمره منها في خدمة مشاريعه التنموية، وتحسين حالة المجتمع والفرد من جميع النواحي، الصحية والتعليمية والإقتصادية، وعندما لا تتوفر في ذلك البلد خطط جدية لاستثمار ثرواته ولحمايتها أيضاً في ظل الصراع الدولي والإقليمي المحموم لنهب هذه الثروات، يتحول وجودها من نعمة إلى نقمة على السكان. وفضلاً عن الثروات النفطية يمتلك العراق خزيناً هائلاً من المعادن ومن الغاز الطبيعي، ووفق منصة "نويما” الأمريكية للبيانات والأبحاث فإن العراق حل عام 2019 في المركز الحادي عشر بين أكبر الاحتياطات العالمية، بينما حلت كل من روسيا وإيران في المركزين الأول والثاني على التوالي. ويرتبط أكثر من ثلثي احتياطيات الغاز الطبيعي في العراق بالنفط، الذي تتوزع حقوله على العديد من المحافظات العراقية. وقدرت هذه المنصة الإحتياطي العراقي من الغاز بحوالي 132.22 تريليون قدم مكعب. وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن العراق استهلك 422 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي عام 2017 فقط، فيما تبلغ كميات الغاز التي يتم إحراقها في الجو أرقاماً قياسية.

    ثاني بلد عالمياً بحرق الغاز

    وأشارت هذه الإدارة إلى أن العراق أحرق 629 مليار قدم مكعب من غازه ليصبح ثاني أكبر بلد في العالم في حرق الغاز بعد روسيا. وأكدت مصادر دولية هذا الرقم، منها ما ذكره تقرير صدر عن البنك الدولي ونشر في تموز/يوليو العام الماضي، أكد أن العراق وللعام الرابع على التوالي، يحتل المركز الثاني عالمياً في كمية الغاز التي يحرقها يومياً. وبحسب الأرقام التي ذكرتها وكالة الطاقة الدولية- فإن ما يحرقه العراق من غازه يكفي لتزويد أكثر من 3 ملايين منزل بالطاقة الكهربائية، في وقت يعاني السكان من أزمة دائمة في الإمدادات. من جهته لفت أستاذ الاقتصاد عبد الرحمن المشهداني إلى أن العراق "يحرق غازاً طبيعياً تقدر قيمته بـ18 مليون دولار يومياً”، مؤكداً "أن احتياطات العراق من الغاز تؤهله لأن يكون الرابع على مستوى العالم”. وأرجعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أسباب حرق الغاز إلى عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنى التحتية الأخرى، أما وزارة النفط العراقية، فقد بررت عمليات الحرق بالكلفة العالية لاستثماره، وبحسب المتحدث باسم الوزارة عاصم جهاد، فإن "قطاع الغاز يعد معقداً جداً، ويحتاج لتكنولوجيا حديثة ذات كلفة مرتفعة جداً”، وأن "الحروب التي شهدتها البلاد خلال العقود الأربعة الماضية أدت إلى تدمير منشآت استثمار الغاز المصاحب التي كانت قد بدأت في تشييدها في سبعينيات القرن الماضي”، لكنه لم يتطرق إلى ألأسباب التي استجدت بعد الإحتلال، والتي باتت تفرضها إرادات سياسية واقتصادية إقليمية ودولية، تمنع العراق من استثمار غازه بشكل صحيح.

    وأكد خبراء اقتصاديون أن العراق "يستورد من إيران ما يقدر بأكثر من 850 ألف متر مكعب يومياً، في الوقت الذي يحرق فيه أكثر من 30 مليون متر مكعب منه، دون احتساب إحراق الغاز الحر”. من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان "أن العراق يستورد غازاً إيرانياً لتوليد 3500 ميجاوات، وبمبالغ كبيرة جداً تصل إلى 4.5 مليارات دولار سنوياً، إذا ما احتسبت تكلفة الصادرات الإيرانية المباشرة من الكهرباء، وأن هذا المبلغ الكبير كان يمكن استثماره في بناء صناعة غازية متقدمة تكفي حاجة البلاد دون الاعتماد على الاستيراد.” وحول هذا الموضوع قالت عضو لجنة الطاقة في مجلس النواب زيتون الدليمي "إن العراق يشتري الغاز الإيراني بـ4 أضعاف السعر الذي تطرحه دول أخرى،” و أن العراق "مُكبّل إزاء ملف استيراد الغاز.”

    الغاز والكهرباء والقرار السياسي

    وكانت قد صدرت تقارير كثيرة خلال الأعوام الماضية، تتحدث عن دور إيراني بمساعدة أحزاب السلطة التابعة لها، للتحكم بحجم المنتج العراقي من الغاز وحجم ما يحرق منه، وبحجم الطاقة الكهربائية تبعاً لذلك، لكي تكون أداة تستخدمها كوسيلة ضغط أو وسيلة عقاب، وقد شهدت الفترات التي تصاعدت فيها التظاهرات في الأعوام الماضية، انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، بسبب تقليص إمدادات الغاز، أو التيار الكهربائي القادم من إيران، أو الإثنين معاً، كعقوبة جماعية ضد الرفض الشعبي لسياساتها وسياسات الأحزاب التابعة لها في العراق.

    وانخفض إمداد الغاز الإيراني بشكل حاد ومفاجئ مطلع أيلول/سبتمبر الجاري مسبباً ساعات انقطاع طويلة للتيار الكهربائي. وقالت وزارة الكهرباء العراقية "إن إمدادات الغاز الإيرانية للمنطقتين الوسطى والجنوبية انخفضت من 49 مليوناً إلى ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً، مما يهدد بنقص خطير للكهرباء”، مؤكدة في بيان لها "أن خفض إمدادات الكهرباء الإيرانية أدى لفقد شبكة الكهرباء الوطنية لنحو 5500 ميغاواط”، وأنها "على اتصال بوزارة الطاقة الإيرانية وبالسفارة الإيرانية في بغداد لتوضيح أسباب الخفض.” وردت الشركة الوطنية الإيرانية للغاز، على تساؤلات الوزارة بأن "خفض تصدير الغاز إلى العراق يأتي بعد الإتفاق مع الطرف العراقي، وسوف يستمر لمدة ستة أشهر.

    وعلق نشطاء على مواقع التواصل، على بيان الوزارة بالقول "إن وزارتنا آخر من يعلم، فمع من اتفق

    الجانب الإيراني على قطع الغاز إذا كانت الوزارة نفسها لا تعلم؟”

    وذكرت الوزارة في إحصائية لها نشرت على موقعها الرسمي واطلعت عليها وكالة شفق نيوز، أن "إنتاج الغاز المصاحب من قبل الشركات النفطية في عموم العراق لشهر ايلول الماضي ارتفع ليصل الى 2879 مقمق باليوم"، مبينة أن "المحروق بلغ 1507 مقمق باليوم".

    وأضافت أن "انتاج شركة نفط الشمال والوسط من الغاز المصاحب بلغ 348 مقمق باليوم والمحروق منه بلغ 115 مقمق باليوم، في حين بلغ انتاج الغاز المصاحب من نفط البصرة وذي قار وميسان 2531 مقمق باليوم والمحروق 1392 مقمق باليوم".

    ولفتت الوزارة إلى أن "انتاج العراق من الغاز الجاف بلغ 1317 مقمق يومياً، فيما بلغ إنتاج الغاز السائل 5571 طنا يومياً".

    وبحسب التقديرات الأولية لوزارة النفط فإن العراق يمتلك احتياطياً يقدر بنحو 124 تريليون قدم مكعب من الغاز، حيث أن نحو 70% من الغاز العراقي هو غاز مصاحب لاستخراج النفط لمعالجته، ويحل العراق في المرتبة الـ11 بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي والرابع عربياً..

    يطوّق أحد أكبر حقول النفط في العالم مدينة البصرة في جنوب العراق، بسحب من اللهب والدخان الناجمة عن حرق الغاز المصاحب، وتسعى السلطات الى إطفاء هذه النيران بحلول العام 2030 عبر معالجته، لكن الطريق الى ذلك لا يزال طويلاً.

    والعراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم، وهو ثاني أكثر دولة بعد روسيا، تحرق الغاز المصاحب عالمياً.

    ومنذ بدء إنتاج النفط في العالم، بدأت معه ممارسة حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام. وتحرق الشركات النفطية الغاز لأن ذلك أقل تكلفة من معالجته وبيعه، إلا أن هذا الغاز المحترق مصدر كبير لتلوث الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة.

    وفي بلد يستورد كميات كبيرة من الغاز من الجارة النافذة إيران، قد تسهم معالجة الغاز "بمساعدة العراق على وضع حدّ لمشكلة الطاقة المزمنة"، وفق الخبير في مجال النفط يسار المالكي، ويمكن للكميات المهدورة، في حال معالجتها، أن توفّر الكهرباء "لأكثر من ثلاثة ملايين منزل في العراق".

    على الطريق السريع المؤدي لمداخل البصرة، تلوح سحب الدخان الأسود في الأفق، رغم أن حقول النفط تبعد على الأقل نحو نصف ساعة عن مركز المدينة التي يقطنها نحو مليونين ونصف مليون شخص.

    ويعالج العراق حالياً 1,5 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز المصاحب، أي نصف الكميات التي تنبعث يومياً من هذه المادة.

    وأعلنت وزارات النفط المتعاقبة على البلاد في السنين الماضية، عن أهداف زمنية لوقف حرق الغاز. وانضم العراق في العام 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول العام 2030.

    في كانون الأول/ديسمبر، تعهّد وزير النفط إحسان اسماعيل بأنه "في نهاية عام 2024، سينخفض حرق الغاز بالحقول الجنوبية بنسبة %90

    لكن خلال العامين الماضيين، زاد العراق بنسبة 5% فقط الكميات المعالجة من الغاز المصاحب، وفق وزارة النفط.

    وتصطدم مشاريع العراق مع الشركات الأجنبية لاستثمار الغاز المصاحب بالبيروقراطية والعراقيل السياسية والإدارية ونقص الخبرات والتمويل.

    تنتج حقول نفط الشمال والوسط العراقي في اليوم 348 مليون قدم مكعب من الغاز، ويتم هدر 115 مليون قدم مكعب من هذه الكمية عن طريق حرقه مباشرة، أما إنتاج الغاز الطبيعي في البصرة وذي قار وميسان فيبلغ مليارين و531 مليون قدم مكعب في اليوم، يتم هدر مليار و392 مليون قدم مكعب، وذلك بحسب تصريحات وزارة النفط العراقية .

    ويأتي حرق وهدر الغاز في العراق بينما ظهرت منذ فترة أزمة غاز في أوروبا، حيث يتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز عالمياً.

    ثاني دولة بحرق الغاز

    في هذا الصدد، يقول الباحث بالشان السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي في حديث لـ (باسنيوز)، إن «العراق ثاني دولة في حرق الغاز المصاحب بعد روسيا، حسب بيانات البنك الدولي».

    ويضيف الباحث، أن «معدلات الخسائر السنوية تبلغ ما يقارب ٢ - ٣ مليار دولار، ويستورد العراق الغاز لتغذية محطاته الكهربائية التي يعمل قسم كبير منها على الغاز بمعدل ٣ مليار دولار سنوياً».

    ويرى العلي، أنه «من الناحية الاقتصادية، يتوجب على العراق زيادة استثماراته في معالجة الغاز المصاحب والغاز الحر معاً، إذ يمتلك العراق احتياطات من الغاز تقدر بـ ٣.٥ ترليون متر مكعب (١٢٥ ترليون مقمق) يتواجد ٧٠٪ منها على شكل غاز مصاحب للنفط، و٣٠٪ منها على شكل مكامن غاز حرة في مناطق مختلفة من العراق».

    وأشار الباحث إلى أنه «ربما نجد بعض المعوقات أمام العراق لاستغلال الغاز، منها تأمين الأموال لاستثمار الغاز المصاحب، أو إمكانية إتاحة الفرصة للشركات النفطية الكبيرة للاستثمار والمشاركة في إنتاج الغاز المصاحب أو الحر، أو حل القضايا المتعلقة بجولات التراخيص التي منحها العراق للشركات العالمية للاستثمار في الحقول النفطية، ومدى إمكانية دخول شركات أخرى ضمن عمل تلك الشركات في الحقول نفسها».

    ويستدرك أنه «من الناحية الفنية، قد لا يكون استثمار الغاز المصاحب أمراً يسيراً، خصوصاً وأن الكثير من الحقول الممنوحة بعقود التراخيص أديرت بصورة غير مهنية، مما تسبب بهدر كميات كبيرة من الغاز اعتباراً من عام ٢٠١٣ لصالح الزيادة في الإنتاج النفطي، والذي ساهم أيضا بتغيير تركيبة الغاز الطبيعي الموجود في المكامن النفطية وتغير نسب مكوناته، والتي قد تتطلب مزيداً من الاستثمارات لمعالجته وتنقيته من المواد المضرة، رغم ذلك، يتوجب بذل المزيد من الجهود لتقليل الهدر في هذه الثروة وتوجيهها لصالح اقتصاديات البلد».

    وتخمن وزارة النفط العراقية حجم احتياطي البلد من الغاز الطبيعي بـ 124 ترليون قدم مكعب، يشكل الغاز المصاحب لإنتاج النفط 70% من هذه الكمية.

    جذب المستثمرين

    من جانبها قالت الخبيرة في مجال الاقتصاد مها الزهاوي في حديث لـ (باسنيوز)، إن «العراق يضطر لحرق ضعف كمية الغاز التي يستوردها من إيران، لعدم توفر الإمكانات التجارية للاستفادة من ذلك الغاز».

    وترى الزهاوي، أن «العراق يحرق الغاز المنتج لديه دون الاستفادة منه، بينما يستورد الغاز من إيران، وبالرغم من ذلك لا يزال غير قادر على تلبية كامل احتياجاته».

    وأكدت الزهاوي، أن «العراق بحاجة لجذب مستثمرين جدد بعد إرساء الثقة والاستقرار وتحسين مناخ الاستثمار بقوانين جديدة».

    ويقول رئيس مركز أبحاث استراتيجيات وسياسات الطاقة في تركيا أوغوزهان آق ينر، إن «العراق يمكنه تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة، وتجاوز المشاكل التي يعاني منها في الطاقة، بتطوير حقول الغاز الطبيعي لديه بعد إرساء الاستقرار والأمن».

    وأكد «إمكانية الوصول إلى مستويات إنتاج 40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً خلال 10 أعوام، في حال تم تطوير الحقول الواقعة في مناطق إقليم كوردستان فقط، وأن هذه الكميات كافية لتغطية الاحتياج المحلي وتحقيق فائض للتصدير، وهذا سيساعد على تسريع وتيرة التنمية في عموم المنطقة».

    وأشار الخبير التركي إلى أن «العراق تمكن من إدخال 3 حقول للغاز الطبيعي فقط من أصل 15 إلى الخدمة، وتركيا قادرة على بناء وتشغيل وتطوير هذه الحقول وخطوط الأنابيب والمنشآت الخاصة بها وتأمينها».

    وقال إنه لا يتوقع أن يقوم العراق على المدى القريب بتصدير الغاز إلى تركيا أو أوروبا في ظل أزمة الطاقة الموجودة حالياً.

    وأضاف أنه «بالرغم من أن العراق لديه احتياطي غاز طبيعي يقدر بـ 3,5 تريليون متر مكعب، إلا أنه لم يتمكن من جذب استثمارات لتطوير حقول الغاز واستخراجه، لعدم توافر إمكانية نقله من البلاد إلى أي سوق بطريقة آمنة ومستدامة وبتكلفة مناسبة».

    وأوضح آق ينر، أن «العراق ينتج ويستهلك حاليا أكثر من 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وحوالي 20 مليار متر مكعب يستخرج ويُحرق أثناء استخراج البترول، والبلاد تستورد من إيران 10 مليارات متر مكعب أخرى لتشغيل محطات توليد الكهرباء».

    ويعتبر العراق في المرتبة 11 عالمياً والمرتبة الخامسة عربياً من حيث الغنى بالغاز الطبيعي.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media