بوتن يحلم بالعودة بالزمن وتغيير نتيجة الحرب الباردة!
    الخميس 10 فبراير / شباط 2022 - 06:54
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    لا جدال بين العُقلاء أنّ نتائج ما سُميّ (الحرب الباردة) بين القوتين الأعظم الولايات المتحدة الأمريكية (ومن ورائها الغرب) ,والإتحاد السوفيتي (ومن وراءه الكتلة الشيوعية) ,التي وصفت بأنّها صراع بين الرأسماليّة والشيوعية كانت لصالح الغرب والعالم الحُرّ والديمقراطيّة الليبراليّة عموماً.
    تلك الحرب الباردة إستمرت قرابة نصف قرن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لحد يوم 25 ديسمبر 1991 ,ساعة إعلان (ميخائيل غورباتشوف) الرئيس الثامن والأخير للإتحاد السوفيتي إستقالته من منصبهِ (رئيس إتحاد الجمهوريّات السوفيتية) ,وإلغاء هذا المنصب نهائيّاً وتسليم جميع السُلطات (بما فيها سلطة الأسلحة النووية) الى الرئيس الروسي (بوريس يلتسين).
    معلوم أيضاً أنّ غورباتشوف الذي كان يقود برنامج إصلاح إقتصادي وإعادة البناء (البريسترويكا) ,إضافةً الى فتح الحريّات أمام الشعوب والشفافية 
    (گلاسنوست) ,هو الرجل الأبرز في هذا الحدث العالمي المهم ,وقد شارك نظيرهِ الأمريكي (رونالد ريغان) رغبة إنتهاء الحرب الباردة ,وحصل منفرداً على جائزة نوبل للسلام عام 1990
    [[article_title_text]]

    أحداث مهمة خلال الحرب الباردة:
    1 / حصار الإتحاد السوفيتي لبرلين 1948 ـ 1949
    2 / الحرب الكوريـّة 1950 ـ 1953
    3 / أزمة جدار برلين الذي اُقيم عام 1961 وتمّ هدمه عام 1989
    4 / أزمة الصواريخ الكوبيّة 1962 ,هذه كانت أخطر الأزمات على الإطلاق! 
    5 / حرب فيتنام 1956 ـ 1975
    6 / شيء إيجابي مهم ,في السبعينات جرت محادثات الحدّ من الأسلحة الإستراتيجية وتوصلوا الى إتفاقيتي سالت 1 وسالت 2 .
    6 / أزمة عام 1983 خلال تدريبات قوات الناتو (مناورة أبل آرتشر 83)! 
    وأحداث أخرى من هذا القبيل!
    ***
    أحلام فلاديمير بوتن مستحيلة!
    فلاديمير بوتن تخرج من كلية الحقوق عام 1975 ,يتقن لغتين عالميتين عدا الروسية هما الإنكليزية والألمانية .بدأ حياته العملية كضابط مخابرات يتجسس على المسؤولين الأجانب في روسيا (وفي ألمانيا الديمقراطية السابقة) .
    تدرّجَ لاحقاً في العديد من المناصب الحكوميّة قبل أن يختاره (يلتسين) كخليفة له لرئاسة روسيا عام 1999 ,ثمّ تثبت في المنصب رسمياً بعد إنتخابات آذار عام 2000 , التي شكك فيها المعارضون كما حال باقي الإنتخابات الصورية التي تلتها!
    إستمر في الرئاسة الى يومنا ,ماعدا السنوات الأربع (2008  ــ 2012) حيث عيّن بدله صديقه (ديمتري ميدفيديف) صوريّاً ,الذي ربّما هو اليوم رئيس الوزراء لكن لا أحد يسمع صوتاً له .حتى في تلك السنوات الأربع كان بوتن يشغل منصب رئيس الوزراء وعملياً هو الحاكم الفعلي بأمرهِ بالطبع!
    المهم أنّ بوتن نال شعبية مشهودة في البدء وحقق لبلده نمو إقتصادي واضح وإزداد الناتج القومي في فترات رئاسته الأولى وفترة ميدفيديف!
    إنّما لاحقاً تراجعت الامور كثيراً (عادي كما يحصل في أيّ نظام ديكتاتوري) بسبب إنفراد شخص واحد بالقرار .أهمّ هاجس شغل تفكير بوتن ربّما (وكما يبدو اليوم) كان إحياء فكرة الإتحاد السوفيتي (المُنحّل) ,أو على الأقل إثبات أن روسيا هي قوّة عظمى مثلها مثل الولايات المتحدة .متناسياً أنّ مقياس العَظَمة لم يَعُد عسكرياً فقط ,إنّما (وهذا هو الأهمّ) إقتصادياً ,ورفاهية الشعوب!
    ومعلوم أنّ إقتصاد روسيا بأكمله لا يُعادل حتى إقتصاد ولاية كالفورنيا !
    روسيا إقتصادياً تماثل كوريا الجنوبية وتأتي في المرتبة الحادية عشر عالمياً في قوة الإقتصاد تسبقها دول عديدة مثل كندا والبرازيل والهند وإيطاليا ,ناهيك بالطبع عن اليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والصين والولايات المتحدة / إنظر رابط 1
    تفكير بوتن أو هاجسه المذكور أو المشاكل الداخلية ,أو ربّما كلّ هذه الأسباب مجتمعة قادتهُ الى قرارات خاطئة .مثل حربه ضد جورجيا عام 2008 , ثمّ إحتلاله جزيرة القرم (الأوكرانية)  2014 التي تبعتها عقوبات إقتصادية أمريكية وغربية ,تراجع على إثرها الإقتصاد الروسي بوضوح ,وحصل ركود كبير وإنتشر الفساد على نطاق أوسع من السابق ,كما أعلنت ذلك مراراً منظمة الشفافية الدوليّة .وبالتأكيد تراجعت الديمقراطية وزادت كميّة إغتيالات المُعارضين وتسميمهم وتصفيتهم .ما قاد الى مشاكل سياسية مع الدول الغربية التي إغتيلوا على أراضيها وغير ذلك من المشاكل التي تجلبها الديكتاتورية عادةً!
    على كلٍ ,فيما يخص الأزمة مع أوكرانيا حالياً ,لكي نفهم طريقة تفكير بوتن في الأمر يجب الإنتباه لما يلي :
    يقوم التلفزيون الرسمي الروسي بين فترة وأخرى ,بعرض لقطات من ميدان مهم في كييف عاصمة أوكرانيا ,لمواطنين يقومون بتدمير تمثال يعود للحقبة السوفيتية ثمّ يُعلّق المذيع أو المذيعة على ذلك بالقول :
    إنظروا كلّ ما له علاقة بنا يتّم تدنيسهِ في أوكرانيا!
    أليست هذه تعبئة شعبية علنية للحرب؟
    ***
    الخلاصة :
    يتشبّث بوتن اليوم أو لعلّهُ يحلم بمعجزة ضدّ المنطق والواقع ,تُعيد عقارب الزمن الى الوراء ثلاث عقود ,ليُعلن أنّ الروس (لا الأمريكان) هم مَنْ إنتصروا في الحرب الباردة!
    أحد أساليبهِ لجوءه الى الصديق اللدود (الصين) وحزبها الشيوعي الحاكم لتقف الى جانبهِ في الأزمة الأوكرانية المُفتَعلة ,ضدّ باقي العالَم .إنظر رابط  2 / مقال الكاتب الأكاديمي العراقي د. حميد كفائي :الصين وروسيا علاقة إستراتيجية أم تحالف غير مقدّس؟
    في الواقع قد تكون مخاوف بوتن من توّسع حلف الناتو شرقاً ,لهُ مُبرّر معقول.
    لكن عليه أن يفهم أمرين في هذا المجال :
    الأوّل أنّ حلف الناتو دفاعي وليس هجومي!
    الثاني أنّ رغبة وأماني الشعوب (بما فيها شعوب أوربا الشرقية وروسيا نفسها) هي التي تنتصر في النهاية .التأريخ علّمنا أنّ العقائد الشموليّة والديكتاتورية في طريقها للزوال لصالح إرادة الشعوب وتقدّمها!
    من جهة أخرى ,تقول الكاتبة الأمريكية من أصل أوكراني (ناتاليا أنتونوفا) في عنوان مقالها :
    يقولون على اُوكرانيا أن تخوضَ حروبها ..هذا جوابي لهم / الرابط 3
    وتضيف في نهاية مقالها المحترم مايلي :
    [ ..هل من قبيل العَظمة المنشودة أن يعّم الفساد النظام الروسي بشكل مُذهل ويتخفف من المبادئ ,حيث يتّم إعتقال الفنانين بصورة عشوائية ,ويدير رجل شيشاني مُختل قوي دولة ضمن الدولة يُعتقَل فيها المثليون ويتعرّضون للتعذيب؟
    هل هناك عَظمة تُذكر في برنامج الفضاء الروسي الفاشل؟
    هل يفترض بي أن أفكر أنّ القوّة العُظمى هي مكان تجري إعادة كتابة التاريخ فيه ,لا بل حتى تجريمه ,في الوقت الذي يتم تبجيل جوزيف ستالين ,ذاك السفاح الذي ينافس أدولف هتلر في القتل؟
    لقد طفح الكيل!
    يجب ألا نلعب هذه اللعبة بعد الآن ,أن نقبل بسير الأمور على هذا المنوال!
    ليس هناك عَظمة في النهج الذي يتّبعه بوتين .إنْ هي إلّا رغبة خبيثة آثمة للحفاظ على مصادر ثروته وقوته وثروة أصدقائه وقوّتهم!
    الإمبراطور عارٍ قبيح حاقد .علينا ألا نقبل نسخته الكابوسيّة للواقع] ..إنتهى!
    في الواقع هذا هو منطق الأشياء : في النهاية الشعوب الحُرّة والديمقراطية تنتصر على الطغاة والديكتاتورية القبيحة!
    [ من أجلِ الحَمَق تُمزَج كلّ الأشياء بشيء من الحكمة ]
    هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه!
    ***
    الروابط :
    1 / قائمة الدول حسب الناتج المحلي الإجمالي .روسيا بترتيب الحادي عشر!

    2 / مقال د. كفائي ,الصين وروسيا علاقة إستراتيجية أم تحالف غير مقدّس؟

    3 / مقال من الإندبيندنت العربية , للكاتبة الأمريكيّة (الأوكرانية) ناتاليا أنتونوفا

    https://www.independentarabia.com/node

    رعــد الحافظ
    10 فبرايــر 2022

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media