محطة رقم 9 الفرزة الثامنة
    الأحد 13 مارس / أذار 2022 - 17:39
    عطا يوسف منصور
    أعود لتحليل موقف جمال عبد الناصر من الوحدة مع العراق وأسباب تراجع الحماس العارفي عنها لقد ذكرتُ في سابق قولي أنّ جمالًا ينحدر من أصل يماني وأنّ عائلتَه يهودية تأسلمتْ عند دخولها الى مصر فهو بالأصل من اليهود الشرقيين وعَمِلَ والده بوظيفة موزع بريد أي بوسطجي بالمصري ولغايةٍ ما دخل في السلك العسكري وفي بداية مشواره العسكري دخل في تنظيم الاخوان المسلمين الذي كان من أبرز الأحزاب في الساحة المصرية وقد ردد القسم أمام المُرشـد ثم انسحب من التنظيم وفي حرب فلسطين عام 1948التي شـارك فيها وقام بتـشكيل خلية عـسكرية من مجموعة من الضباط أطلقت على نفـسها تنظيم الضباط الاحـرار متهمًا الملك فاروق بالخيانة للقضية الفلسطينية وذلك لفساد الاسـلحة التي كان يستعملها الجيـش المصري وفي 23 تموز عام 1952 
    حصل الانقلاب مستغلًّا منصب الفريق محمد نجيب بإدراج اسمه رئيسًا للحركة الانقلابية وهو لا يعلم بها معتمدًا مبدأ الغاية تبرر الوسـيلة وبعد نجاح الانقلاب واسـتقرار الوضع الى الانقـلابيين ومضيّ أشـهرٍ قلبَ ظهرالمِجَنِّ الى رئيسه الفريق محمد نجيب فعزله وأحاله على التقاعد ويُقال أنّ جمال قد نَكّلَ بعائلة محمد نجيب وكان أصغر أولاده يوسف موظفًا في شركة المقاولين العرب واستكمالًا لانتقامه أمر بفصله منها وأصبح سائق تكسي. 
    أمّا عن تعامله مع الاخوان المسلمين فقد كان يوجه وزير داخليته زكريا محي الدين لعمل تفجيرات تقوم بها مخابراتُهُ ويضع وزرها على حزب الاخوان حتى يتسنى له اعتقالهم ومحاكمتهم. 
    ويذكر سفيره في سويسرا عَمرو موسى أن جمال كانتْ له طلبات لشراء الجبنة السويسرية ويخرج في الاعلامأنّهُ يأكل الجبنة / المِشْ / الشعبية وأن عملية إسقالته يوم خسر المعركة في حزيران 1967 هي مسرحية قام بها وما كان تأميم قناة السويس في عام 1956 إلّا رد فعل على عدم تمويل البنك الدولي لإنشاء السد العالي كما أرادفنحا الى النهج الاشتراكي لتكون صفعةً للغرب فأسـس حزب الاتحاد العربي الاشتراكي ليكون قريبًا للسوفيت. 
    أما عن سياسته مع عبد الكريم قاسم فكانت مبنية على التآمر والتحريض على الانقلابات وقد ذكر هاني الفكيكي في كتابه أوكار الهزيمة أنه تسلم مبلغًا من المال ورشاشات بور سعيد من المخابرات المصرية وبهذا خدم جمال الغرب والصهيونية الامريكية بدون مقابل.
    كما أنّ علاقـتَهُ بعد وصول عبد السلام عارف الى رئاسة الدولة في العراق كانت مبنية على الاستصغار وكان يطلق علية لقب/ الصبي/ ولا أستبعد أن عبد الرزاق النايف كان على اتفاق معه عند قيام الأخير بانقلابه الفاشل ولجوئه الى مصر وعدم تسليمه للحكومة العراقية. 
    كما أن جمال أعاد الكرّة بتوجيه عبد الرزاق النايف للقيام بالانقلاب على عبد الرحمن عارف في عام 1966 وقد فشل الانقلاب وتم القبض عليه وتم سجنه بدون محاكمة ثم اُطْلِقَ سراحه في عام 1967 وسافر الى مصر أضف الى هذه المواقف رفض جمال وساطة عبد السلام بعدم تنفيذ حكم الإعدام بالمرشد حسن البنا ومجموعته من الإسلاميين وهذا ما يتعارض وتوجه الاخير الإسلامي ومن هذه بـدأ العـدُّ التنازلي للحماس الوحدوي عنده.   
    هذه عَينةٌ من الشواهد عن تصرفات وأساليب جمال عبد الناصر مع الذين كانوا معه في حين ترك للحكام العرب العملاء وللغرب وإسرائيل الملعب والسعيد مَنْ اكتفى بغيره كما يقول المثل إلّا أنّ إعلامه بقي يُطَـبّـلُ للوحدة العربية وللتحرر ومحاربة الاستعمار وأترك للقارئ الحُكمَ عن هذا البطل القومي.
    ومن خلال قراءتي لِمَا بين السطور أستطيع أن أخرج بنتيجة أن جمال عبد الناصر كان يُمثـل اليهود الـشرقـيـين الذي أراد أن يتمدد بنفوذه على حساب خط هرتزل اليهودي الغربي الساعي للسيطرة على كل الشرق الاوسط فخابت أحلام جمال عبد الناصر وتساقطتْ أوراق الوحدة العربية وأصبحتْ شعارًا للمتاجرين بها وحسب.
    أعود الى الانقلاب البعثي في 17 تموز 1968 ومشاركة عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود وهما أصحاب الدور البارز في الانقلاب الذي أسموهُ الانقلابيون بالثورة البيضاء حيث جاء في أدبيات الحزب تحليل أو تبرير عن سبب قبول حزب البعث بهما مَـفادُهُ أن القيادة البعثية وافقتْ بدخولهما مضطرةً وذلك لعلم الاخرين بالانقلاب وبموعده فكانت الموافقة تسويةً وقتيةً لحين الانتهاء من المرحلة الأولى. 
    وعلى هذا خططت القيادة البعثية التي كان يرأسها أحمد حسن البكر الذي تبرأ من الحزب في مجلة المصور بعد أن استخدمه عبد السلام ورقةً لإنجاح انقلابه في 18 تشرين عام 1963. 
    فكان التخطيط لإبعاد عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداود كالتالي: 
    ارسال الداوود الى الأردن لتفقد القطعات العراقية باعتباره وزيرًا للدفاع ثم اعتقاله هناك وقد تم ذلك. 
    أما عبد الرزاق فقد اتصل به احمد حسن البكر هاتفيًّا ودعاه لوليمة غداء يتصدرها لحم الغزال الذي كان يُحبُه النايف وبعد الانتهاء من الطعام ذهب النايف والبكر واخرون الى صالة الضيوف لتناول الشاي وبعد جلسة قصيرة طلب البكر الاختلاء برئيس الجمهورية عبد الرزاق النايف لأُمور خاصة وما هي الا دقائق حتى يتفاجأ النايف بدخول صدام ومعه اخرون وتنتهي الحفلة بتسفيره الى المغرب على أنه سفير فيها من دون أن يرى أحدًا من عائلته فـيُـذاعُ البيان بتفرد حزب البعث بالسلطة في 30 تموز 1968. 
    مما تقدم عن الانقلابات في العراق يتوضح للقارئ أن الوصول للسلطة هي الغاية ولا شيء يحول بين المتآمرين لا قَـسمٌ يؤدونه، ولا صداقةٌ، ولا قِـيمٌ، ولا مبادئ للو صول لها وتبقى الوطنية الشعار التجاري لكل الانقلابيين.  

    الدنمارك / كوبنهاجن                                                         الجمعة في 11 آذار 2022 
    الحاج عطا الحاج يوسف منصور  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media