انبوب النفط العراقي السعودي.. عملاق نائم
    الأحد 15 مايو / أيار 2022 - 18:49
    د. عباس صالح البدري
    مستشار اقتصاديات الثروات الطبيعية
    جرى تصدير النفط العراقي بادئ الامر عبر مجموعة خطوط انابيب انشات بعد اكتشاف نفط حقول كركوك وباي حسن وجمبور وعين زاله سنة1927 وكلها عبر الاراضي السورية الى موانئ البحر المتوسط وهي:-
    خط نقل نفط حقول كركوك الى حيفا بطول 992 كم أنشئ  سنة 1934 
    خط نقل نفط حقول كركوك الى طرابلس بطول 928 كم أنشئ  سنة 1934 
    خط نقل نفط حقول كركوك الى حيفا بطول  992 كم أنشئ  سنة 1948 
    خط نقل نفط حقول كركوك الى بانياس بطول 888 كم أنشئ  سنة 1948  
    خط نقل نفط حقول كركوك الى بانياس بطول  888 كم أنشئ  سنة 1952
    خط نقل نفط حقول عين زاله عبر محطة كي 2 بطول 216 كم أنشئ  سنة 1953 
    خط نقل نفط حقول كركوك الى طرابلس بطول 928 كم أنشئ  سنة 1965 
    استمرت الخطوط اعلاه بالتصدير لسنوات لكن بعضها توقف فترة اغتصاب فلسطين , واخرى استمرت حتى فترة تأميم النفط في 1972 ثم قامت سوريا بتأميم الانابيب مع المطالبة برفع سعر تعرفة مرور برميل النفط الواحد من 22 سنت الى 44 سنت حين كان سعر برميل النفط لا يتجاوز ثلاثة دولارات مع الاصرار عليه مما اضطر العراق الموافقة على رفع التعرفة الى 41 سنت لعدم وجود منفذ تصديري اخر. لكنها قامت سنة 1982 بعد قيام الحرب العراقية الايرانية بأغلاق كل الأنابيب المارة عبر اراضيها نهائيا. 
    اراد العراق التحرر من الضغط السوري على تصدير نفط حقول كركوك وعين زاله فانشأ الخط الاستراتيجي  سنة 1975 بطول 730 كم وفيه ربط حقول النفط الشمالية (كركوك) بموانئ الخليج في جنوب العراق فضلا عن منح مرونة تصدير نفط حقول الجنوب (الرميلة والزبير) عبر سوريا لموانئ البحر المتوسط لاحقا. بنفس الفترة فكر بفتح منفذ للتصدير من موانئ البحر المتوسط عبر تركيا من خلال انشاء الخط العراقي التركي الاول من حقول كركوك الى جيهان التركية  بطول 1005 كم انجز سنة 1977. لكن قيام الحرب عام 1980 وتدمير موانئ الجنوب فضلا عن غلق سوريا لأنابيب التصدير سنة 1982 جعلت العراق في ازمة شديدة لا يصدر نفطه الا عبر الخط التركي الوحيد. لكن تزايد تكاليف الحرب الباهظة جعلت العراق يقرر انشاء الخط العراقي التركي الثاني موازيا للخط الاول الى جيهان أيضا واكتمل سنة 1987 وبنفس الطول. 
    خلال سنوات الحرب ايضا اضطر العراق لأنشاء وفتح منفذ جديد لتصدير نفطه عبر السعودية ومن البحر الاحمر . نُفذ الانبوب على مرحلتين الاولى بداية سنة 1984 وانتهى العمل فيه منتصف سنة 1986 بدا من حقول نفط الزبير ليلتقي بالخط السعودي الممتد بين البقيق شرق السعودية وميناء ينبع على البحر الاحمر قرب مدينة خريص بقطر 48 عقدة وطول 615 كم منها 150 كم في العراق مع انشاء ثلاثة محطات ضخ في الزبير وعند الحدود والثالثة داخل السعودية. جرى خلاله تصدير النفط العراقي عبر انابيب مشتركة عراقية سعودية لحين اكمال المرحلة الثانية من الانبوب. بدا العمل بالمرحلة الثانية للأنبوب في اذار سنة 1987 الممتد من خريص الى ميناء ينبع بطول 953 كم وانجز بكامله بداية سنة 1990وبذلك يبلغ طول الانبوب الممتد من الزبير الى ميناء ينبع 1568 كم وهو من اطول واغلى المشاريع النفطية العراقية وبكلفة تقديرية زادت عن 2,6 مليار دولار بضمنها محطات الضخ والخزانات العشرة بسعة مليون برميل للخزان الواحد, كذلك بناء مرفأ عراقي جديد ومنفصل للتصدير هو ميناء معجز, وبالتالي جرى الاستغناء عن خط الانبوب والخزانات السعودية واصبح خط عراقي بحت مع كامل منشاته يصدر اكثر من 1,6 مليون برميل نفط يوميا. أنشئ ضمن اتفاقية بين البلدين بعدم احقية السعودية بالتصرف به الا بموافقة العراق مالكه الرسمي وبكامل منشاته وموانئه ومنصات التصدير. ما يؤسف له ان هذا الانبوب لم يعمل سوى ثمانية اشهر فقط , حيث اغلقته السعودية في اب 1990 حين اجتاح العراق الكويت. ساهمت عدة شركات عالمية في تصميمه وبناءه وتنفيذه امريكية وايطالية ويابانية وكورية وفرنسية .
    بعد سنة 2003 اقول وبحزن شديد ان السعودية وباقي دول الجوار الجغرافي كلها كانت غير راضية بل  وغير معترفة بالنظام العراقي الجديد بل كان موقفها معادي وباتت سكاكينهم تغرس بالجسم العراقي منذ تسعينات القرن الماضي فكانت تمنع دخول الدواء ورغيف الخبز او حتى علبة الحليب لأطفال العراق, فضلا عن الفتاوي التكفيرية ومئات السيارات المفخخة وارسال الهمج الرعاع ممن فجروا أجسادهم العفنة في اسواق ومدارس ودور عبادة ومستشفيات العراق وقُتل ونُحر وحُصدت ارواح الالاف من الابرياء العراقيين بدم بارد وبلا ذنب يذكر بل حتى ان بعض جيوش تلك الدول العربية اشتركت فعليا في تدمير البنى التحتية والصناعية والزراعية في العراق, وحديثا وبدون ادنى حياء وخجل قيامهم برعاية واستضافة مؤتمرات المعارضة وتمويلها اللامحدود لهم بغية اسقاط النظام في بغداد بل وايواء الفارين من وجه العدالة. 
    استمر الانبوب العملاق نائم تحت الرمال ويستخدم من قبل السعودية, لكنها في حزيران 2001 بعثت رسالة للأمم المتحدة ادعت ان العراق قام ويقوم بأعمال استفزازية واعمال عدوانية ضدها وبالتالي فان لها الحق باغتصاب بل والاستيلاء على الانبوب الاستراتيجي العملاق ومصادرته كاملا فضلا عن القساطل ومحطات الضخ  ومستودعات التخزين والمصب البحري وانظمة الاتصال والخزانات العملاقة وحتى الميناء ومعدات الشحن البحري بل أكثر من ذلك استخدمته لصالحها وبدون اذن العراق ثم غيرت اسم الميناء من معجز الى ميناء ينبع الجنوبي بغية اضاعة حق العراق, بل اوغلت أكثر بان صادرت وباعت أحد عشر مليون برميل نفط كانت مخّزنة في الانبوب والخزانات حين توقف العمل به, فضلآ عن ثمنه وغيرها من خسارات تكبدها العراق من جراء ذلك العمل المنفرد. أغلق وصودر الأنبوب وملحقاته بقرار سياسي سعودي رداً على غزو الكويت كإجراء من جانب واحد في الوقت الذي لم يخالف العراق أية معاهدة او اتفاقية معها فضلا عن ان العمل به واجب بمقتضى الاتفاقية الاقتصادية لكنها اقدمت بعد أحد عشر سنة من أغلاقه بمصادرته بشكل مفاجئ . اعترض العراق وطالبها اما بالسماح له باستخدامه لتصدير نفطه او ان تسدد ثمنه البالغ 2,6 مليار دولار, لكن السعودية لم تستجب لنداءات العراق رغم كثرتها, فضاع الحق . من الناحية القانونية فان العراق يحتفظ بحقه في استرداد الانبوب وكل ما يتعلق به كونه اكمل بتمويل عراقي وفق اتفاق بان السعودية لا تملك الحق في اغتصابه او الاستيلاء عليه بل واستخدامه . اعتبر العراق في حينه ان الموقف السعودي عبارة عن اداة ضغط سياسية معادية للعراق بناء على رغبة امريكية . اما الرد السعودي فكان ان بإمكان العراق ان يخصم مستحقات أي اضرار ناجمة عن اغلاق الانبوب من الديون التي تطالب بها السعودية من جراء الاضرار التي لحقت بها نتيجة غزو الكويت. كما ادعت انها قدمت للعراق مساعدات تقدر ب 25 مليار دولار فترة حربه مع ايران لكن العراق يعترف انها كانت اقل مما تدعي ثم انها كانت منحة بل بشكل دعم وليس مساعدات كقرض يستحق الاعادة, وبالتالي فالمملكة لها الحق في مصادرة الانبوب النفطي والميناء وكل ملحقاته . استمر الحال ساكنا طالما كان العراق يقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة فلا يحق له الشكوى. صمت الطرفان ولم يجري أي حوار حول الامر حتى بعد تحرر العراق من طائلة الفصل السابع وعودة العلاقات بين الجانبين. تقدمت المملكة نهاية 2015 بطلب رسمي للعراق باستعدادها لإعادة تأهيل وصيانة وفتح الانبوب لكن العراق لم يتخذ أي اجراء او ردة فعل على الطلب لظروف البلد المتازمة. 
    ارى الان ان الفرصة  سانحة بعد التوجه السعودي لدعم العراق وتطور العلاقات معه بشكل ودي وايجابي والتقارب بين البلدين, ان يبادر العراق للتباحث بشكل جدي وقانوني لإعادة العمل بالأنبوب بغية فتح منفذ جديد ومهم لزيادة الطاقة التصديرية للنفط العراقي فبقاء الوضع ساكنا لا يصب في صالحه, ذلك بان السعودية ليس لها أي سند قانوني للاستيلاء عليه فهو امر باطلا قانونيا بل يعد استيلاء على اموال دولة جارة, كما وان الفرصة مؤاتيه للتفاوض حول كل المسائل العالقة ومنها ما تدعيه من ديون وكذا الحقول النفطية والغازية الحدودية المشتركة.  بالواقع فان التفاوض في مثل هكذا ملفات تعد مواضيع وطنية لا تخص حزبا سياسيا معينا او مكونا مذهبيا او قوميا بل هي شؤون تخص الشعب العراقي ومصالحه الوطنية وبالتالي فالسكوت عنها تعد خيانة للوطن . ذلك لان القرار السعودية غير قانوني لأنه اتخذ من طرف واحد ما يعني أن اتفاق مد الأنبوب مازال سارياً وان القرار لا يعفيها من التزاماتها القانونية ولا يسُقط عنها حقوق العراق الواجبة الدفع. فالعراق ابلغ الامم المتحدة قبل قرار السعودية بل حملها مسؤولية الضرر الذي أصابه نتيجة غلق الأنبوب. كما ان الواجب الوطني يحتم على الحكومة ان تفتح مفاوضات معمقة ايضا مع الجانب السوري لأحياء العمل بالأنابيب المدفونة عبر اراضيها كمنفذ أخر لرفع الطاقة التصديرية للنفط في ظل الظروف الدولية الحالية. من جانب اخر ارى من المنطق والعقلانية ان تناقش مشاريع القرارات ذات التمويل الضخم على مستوى الخبراء ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المختصة قبل البت بها. مثال ذلك انشاء خط انبوب تصدير النفط من البصرة الى ميناء العقبة عبر الاردن ذو الكلفة التخمينية الباهظة والمقدرة ب26 مليار دولار وهو رقم خرافي , ثم منح تنفيذ جزء منه الى شركة لا تملك أي خبرة سابقة في هكذا ميادين فضلا عن سذاجة الفكرة من الاساس كونه يمر عبر الصحراء الغربية المنتشر فيها وحوش داعش مما يعرضه للتخريب المستمر, كما ان ميناء تصديره العقبة أي ايلات الاسرائيلي, والامّر من ذلك ان كلفة مرور برميل النفط عالية جدا لو قورنت بكلفة التصدير من موانئ جنوب العراق. ليتني يا بلدي استفيق لأرى ان كل تلك الانابيب النفطية الممتدة عبر الدول الجارة تعمل بعد سبات عقود من الزمن المر ! خاصة وان وزارة النفط ابرمت عقود تطوير عدة حقول نفطية عملاقة ذات طاقات انتاجية هائلة . 

    الدكتور عباس صالح البدري // مستشار اقتصاديات الثروات الطبيعية  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media