د. لبيب سلطان
تنطلق الأصولية من مهاجمة الغرب وحضارته المادية والألحادية كما يسمونها بشعارات مثل "الغرب الكافر والشيطان الأكبر وامريكا عدوة الشعوب " و تهاجمها ليلا وجهارا لأنها تعلم ان العلمانية ستقوض نفوذها وتجعل العلم اداة لتطور المجتمع . وهم ليسوا الوحيدين في معاداة الغرب بل ويعاديه الماركسيون السوفيت من لايريد الأعتراف بالماركسية انها منهج فكري غربي للأصلاح الأجتماعي بل الى دوغماتية ايديولوجية وفق تفسير السوفيات لها وفق اهواء الحرب الباردة للأتحاد السوفياتي مع الغرب ، ومازالو مصرين على تسميات " الغرب المتوحش " "والأنظمة الرأسمالية الأستغلالية "والليبرالية الجشعة والأمبريالية العدوانية وغيرها" ، كذلك القوميون العرب ، فهم غيروا مواقفهم من معاداة الشيوعية الى معاداة الغرب بعد حرب حزيران عام 1967 وتبنوا معاداة الغرب الأمبريالي الأستعماري . لقد اجتمعت هذه التيارات المؤدلجة (أي التيارات ذات المواقف الدوغماتية المسبقة ) ، اجتمعت وهي لا يجمعها جامع ،على منهج معاداة الغرب، رغم تباين منطلقاتها ودوافعها ، ومنه تحاول هذه التيارات الثلاثة محاربة الفكر الليبرالي لغلق أبواب وقنوات التنوير والحضارة والتطور في وجه عالمنا العربي، امام ما يمثله الغرب وحضارته ونجاحاته الأجتماعية والفكرية والحضارية والأقتصادية ، ويقومون بالتقليل او تشويه القيم والأنجازات التي يمثلها الغرب وحضارته العلمانية الليبرالية في العالم، وهو من ضمن ما يعنيه حرمان مجتمعاتنا من مصادر المعرفة والقوة والفكر المتفتح ونموذج الأقتصاد الناجح
ان القوى الظلامية والأصولية المسيطرة اليوم على أهم بلدان المشرق العربي تعتبرالغرب هو العدو الأول لها لأنه بعلمانيته وحرياته الليبرالية ونموذجه الحضاري المتفتح يقوض فكرهم الرجعي المحافظ وبالتالي فهو يهددهم بسيطرة العلمانية ومنها بتصفية نفوذهم وامتيازاتهم وعليه فهم يحاربون اليوم الغرب الملحد المادي بهوادة وشراسة.
اما اليسار الماركسي العربي فقد ورث العداء للغرب من السوفيات ومن تفسيره الخاص للماركسية الذي حولها من منهج الى ايديولوحية تزوده بما تتطلبه الحرب الباردة مع الغرب واستنسخ اليسار العربي وبدون تمحيص العداء للغرب باعتباره احدى مقومات المعركة ضد الأمبريالية وهي في الأصل معركة بين امبرطوريتين امريكا والغرب من جهة و الأتحاد السوفياتي وامبراطوريته من جهة اخرى ، وفشل في المعركة الداخلية لرفضه فهم مفاهيم الحضارة الغربية مثل تبني النظم البرلمانية الغربية وبناء الأقتصاد الوطني الحر وتنازل عن هذه القيم الغربية اساسا وأخذ بالنموذج السوفياتي في بسط سيطرة الدولة على الأقتصاد والتحول من الديمقراطية البرلمانية الى دولة الحزب القائد الواحد ، ووصف الغرب بشتى الألقاب " المتوحش الأستعماري الأمبريالي العدواني الأستغلالي وهلمجرا" .
وتواترالقوميون بعد انقلاباتهم العسكرية على ترديد اسطوانة اليسار الماركسي السوفياتي ضد الغرب العدواني، خصوصا بعد حصول انظمتهم على لقب الأنظمة القومية التقدمية لأنها وجدت في النظام السوفياتي نموذجا لقيام انظمتهم القمعية الديكتاتورية وتبني شعارات مناهضة الأستعمار والأمبريالية . دار ذلك على مدى خمسين عام ادت لحرمان مجتمعاتنا العربية من الأستفادة من الحضارة الغربية وقيمها الليبرالية ونموذج اقتصادها المتفوق ، وبفشل التيار العلماني العربي بشقيه الماركسي السوفياتي والقومي التقدمي كما يصفونه ادى لأنكفاء مجتمعاتنا على نفسها ومهدت لبروز ومن ثم لسيطرة الفكر الأصولي الديني الرجعي عليه كما نراه اليوم وهو يردد "الموت لأمريكا .. الغرب عدو الشعوب" الخ نسمعها كل يوم صباحا مساء . وقبل ان اناقش اي من دعاوى هذه المدارس الأيديولوجية الثلاثة (الآصولية ، الماركسية السوفياتية والقومجية العروبية) ، دعونا نفهم من هو الغرب وماهي منطلقاته الفكرية وتطورها بين الأمس واليوم وأهميتها لمجتمعاتنا العربية لمجابهة الرجعية الأصولية والأيديولوجيات الديكتاتورية ذات المنحى المعادي للغرب وحضارته.
1.ماهو الغرب الرأسمالي الليبرالي
ربما لا نحتاج الى اكثر من خمسة مصطلحات فقط لوصف ماهو الغرب وفهم اسس الحضارة الغربية الراهنة وهي : العلمانية، الديمقراطية، الليبرالية، الرأسمالية والأقتصاد الحر ، الأشتراكية الأصلاحية . ان هذه المصطلحات والمفاهيم تطورت خلال فترات متباينة تمتد الى اكثر من ثلاثمائة عام من الثورات الأجتماعية والفكرية التي جرت في اوروبا ولكنها اجتمعت واصبحت تمثل حضارة الغرب ونظمه وفلسفته التي نراها ونعيشها اليوم.
بدء الغرب بتطوره من خوض معركة العلمانية أي فصل الدين عن الدولة والمجتمع وكسبت المجتمعات الغربية هذه المعركة بنضالات شاقة وتضحيات كثيرة ارجعت من خلالها الدين الى المعبد مع ضمان حرية ممارسة الطقوس والشعائر ، واصبح العلم هو البديل للدين لتطوير المجتمع ومؤسساته بما فيها التعليم والقضاء وطريقة حكم المجتمع بعيدا عن تدخل الدين في السياسة . ان عالمنا العربي مازال يخوض هذه المعركة الأساسية وليس لنا غير تجارب الغرب في اقامة النظم العلمانية والمدنية وبدون كسب هذه المعركة تبقى قوى الظلام والرجعية الدينية تحجب مجتمعاتنا العربية عن التقدم والحضارة ومنها نستنتج انها المعركة الأولى والأهم في العالم العربي.
رافقت معركة العلمانية معركة الديمقراطية التي قامت على اساس تقييد سلطات الحاكم بالبرلمانات المنتخبة مباشرة من الشعب لتقوم هي بتشريع القوانين واختيار السلطة التنفيذية ومحاسبتها واطلاق الحريات للمجتمع لتكوين الأحزاب والحركات السياسية وحرية الصحافة والنقد وبدأت في بريطانيا منذ منتصف القرن السابع عشر واستمرت هذه الأصلاحات لتنقل أغلب صلاحيات الحاكم الى البرلمان والسلطة التنفيذية ولتتطور تدريجيا للنظام الديمقراطي اللامركزي وأقامة برلمانات للولايات وتعداها الى انتخاب مجالس البلديات حتى في أصغر مدينة او قرية لأدارتها من ممثلين محليين ينتخبهم المواطن ولاينصبون من الحاكم.. وبدأت الديمقراطية الحديثة تتشكل من هذه الأصلاحات الى التداول السلمي للسلطة وفصل السلطات الثلاث وتحديد مسؤوليات الحاكم وسلطاته على كافة النستويات ومحاسبته واقصاءه عند للتقصير وفق تصويت البرلمانات المنتخبة على مستوى الدولة و الولايات وحتى مجالس المدن والقصبات. والغرب هنا في فلسفته وتجاربه هو مصدر اساس في اقامة النظم الديمقراطية واصلاحها وهي المعركة الكبيرة الثانية التي تخوضها شعوبنا العربية وليس لنا غير الغرب مرجعا في تجاربه لأقامة النظم الديمقراطية وانجاحها باجتهادنا وفق ظروف بلداننا بالطبع.
إن الليبرالية ، أي فلسفة الحقوق والحريات ، هي انتاج مباشر لفكر الثورة الفرنسية عام 1789 التي طرحت مفهوم المواطن بدل مفهوم " الرعية" وهو مفهوم قانوني تطور لتعريف حقوقه وحرياته الأساسية وتم تثبتها كمواد أساسية ولأول مرة في التاريخ في الدستورين الفرنسي والأمريكي في فترة واحدة تقريبا نهاية القرن الثامن عشر، ومنه تم تطوير مفهوم الديمقراطية الكلاسيكية الى الديمقراطية الليبرالية الأجتماعية ،التي ضمنت للمواطن اضافة لحرية الأنتخاب، حرية الرأي والمعتقد والنشر والصحافة وصولا الى مكتسبات القرن العشرين بقائمة كبيرة وواسعة من الحريات الشخصية والحقوق المدنية وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وضمان حقوق التعدد الثقافي وغيرها مما نعرفه اليوم من حقوق في المجتمعات الغربية التي نصفها بالليبرالية. ويخوض عالمنا العربي اليوم معركة الحريات بشراسة مع قوى الظلام وهو الأحوج اليوم لتجارب الغرب وسياساته وممارساته وقوانينه التي تضمن للفرد اولا حقوقه قبل حقوق الجماعة التي يختفي خلفها الأصوليون والمؤدلجون ، والمقولة الليبرالية الشهيرة تقول "اذا ضمنت حقوق الفرد تكون قد ضمنت ايضا حقوق الجماعة وليس العكس" وهذه طبعا نقطة الخلاف الأساسية مع التيارات المؤدلجة الثلاثة سواء مع المدرسة الظلامية التي تضع مصلحة الدين فوق الفرد، والقومجية تضع مصلحة الأمة اولا، والمدرسة الماركسية السوفياتية تضع مصلحة الطبقة العاملة التي يمثلها الحزب القائد فوق حقوق الفرد وحرياته . ويمكن الأستدلال على ديكتاتورية الأنظمة التي قامت على اسس هذه الأيديولوجيات الثلاثة رغم قيامها ولو شكلا بالأنتخابات لمجالس الشعب او برلمانات شكلية من خلال عدم توافر الحريات الليبرالية وبالذات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والصحافة والأعلام وتأسيس الأحزاب والجمعيات ،ففي ايران مثلا تجري انتخابات برلمانية كل اربع سنوات ولكن النظام الأيراني يبقى دكتاتوريا لمنعه حرية الرأي والصحافة الحرة والأعلام المستقل الذي يستطيع انتقاد النظام او فضح تزييف الأنتخابات او ايصال صوت المعارضة ومثلها في الأتحاد السوفياتي والنظام الصدامي سابقا. ان الليبرالية التي تضع حريات وحقوق الفرد والمجتمع فوق سلطة الحاكم ومقيدا له هي اهم انجازات الحضارة الغربية وفلسفتها في الحكم على الأطلاق.
ان الرأسمالية قد نشات كنظام اقتصادي مع بدايات الثورة الصناعية واختراع الألات الأنتاجية في بريطانيا نهاية القرن الثامن عشر مما مهد الأنتقال من الأقتصاد الزراعي الأقطاعي الى الصناعي وظهور طبقات العمال والرأسماليين والمدن الصناعية بصورة واضحة منذ منتصف القرن التاسع عشر. والرأسمالية كنظام اقتصادي يقوم على الربحية سواء في اختياره لنوع الأستثمار أو في ادارته له من خلال المؤسسات (الشركات) الرأسمالية، وهو نظام طبيعي لم يخترعه احد بل نشأ وتطورخلال الثورة الصناعية ليضمن اسس ادارة كفوءة وربحية عالية . ويصح هنا ان نطلق عليه انه نظام اقتصادي صرف، فهو لايعرف غير الربحية هدفا وليس هو معنيا بقيم الأخلاق والرحمة والمساواة والعدالة ، فهو يعتبرها انها ليست من مهماته بل من مهمات الدولة. ولم تستطع البشرية بعد من الأتيان بنظام اقتصادي اكثر كفاءة منه رغم جشعه لو ترك له الباب مفتوحا. وتطور مفهوم الرأسمالية نفسه عبر القرن الماضي ليتحول تدريجيا الى نظام ادارة متكاملة للأنتاج والتسويق والخدمات والأستثمار في تطوير وسائل الأنتاح بادخال التكنولوجيات الحديثة بدل المكننة لزيادة الأنتاج وتقليص الكلف وخلق ظروف الوفرة والرفاه وتوفير فرص العمالة والتشغيل ورفعها عن كاهل الدولة وزيادة المهارات والخبرات والكفاءات الوطنية بعيدا عن دوائر الدولة ومحسوبيتها وبيروقراطياتها وفسادها الأداري.
واحتاج الغرب الى الأشتراكية الأصلاحية وتطوير نماذجها خلال قرابة قرن من المعارك الأجتماعية والفكرية كي يقننون هذا الأنتقال الثوري للمجتمع وفهم تناقضاته الجديدة وأهمها بين العامل والرآسمالي وبين السلطة وارباب المال والعمل واعادة صياغة مفهوم الدولة ودورها في تحقيق العدالة في المجتمع. وعليه بدأت مدارس الأشتراكية الفرنسية والفابية والماركسية تظهر لأصلاح النظام الرأسمالي الربحي واقامة نظم العدالة الأحتماعية ، وكانت أكثرها عمقا هي الماركسية ومع بداية القرن العشرين كانت هناك مدرستان للماركسية :المدرسة الآصلاحية للأحزاب الديمقراطية الأشتراكية الأوربية التي اقترحت انجاز الأشتراكية من خلال الأصلاح وسن قوانين العدالة الأحتماعية من خلال البرلمان بفرض حدود اجتماعية وقانونية ومالية على الرأسمال منها اقامة حقوق العاملين والضمان الأجتماعي وفرض ضرائب باهضة تستخدم في اقامة وتمويل سياسات الضمان الأجتماعي والصحي والحفاظ على البيئة واقامة وتطوير مرافق التعليم والصحة والبنى التحتية والأعمار لتمول من الضرائب على ارباح الرأسماليين ، مقابل ضمان حقوق الرأسمال في العمل والتوسع والربح وكذلك مقابل رفع مسألة العمالة والتشغيل عن كاهل الدولة ووضعها على كاهل الرأسمال،وهذا مكن من تصغير حجم الحكومات وموظفيها وحصر دورها بتطبيق سياسات الخدمات والتخطيط والتطوير الحضري. ان الأحزاب الأشتراكية الماركسية الأوربية هي من قاد خوض هذه المعركة الأجتماعية الأصلاحية مع الرأسمال وسادت نجاحاتها جميع دول اوروبا الغربية اليوم وتكرر نجاحها في كندا وحتى امريكا ودول جنوب شرق اسيا بتحقيق سياسات اجتماعية متقدمة دون التضحية بطبقة الرآسمال لأدارة الأستثمار والعمالة وتحديث وسائل الأنتاج ودون التضحية بالحريات الديمقراطيى والليبرالية رغم تخلف الأخيرة .
والمدرسة الماركسية الأخرى للأشتراكية تبناها البلاشفة الروس وهي مدرسة ثورية تقوم على تأميم وسائل الأنتاج و ازالة الطبقة الرأسمالية نهائيا من الأقتصاد والمجتمع وتبسط الدولة يدها على كل مرافق الأنتاج والخدمات والتسويق. وقد اثبتت الحياة خلال القرن العشرين فشل هذه المدرسة من فشل التجربة الأشتراكية السوفياتية . فعدا الفشل الأقتصادي للمؤسسات البيروقراطية الأنتاجية والخدمية التي تديرها الدولة ،رافقها فشل اجتماعي وسياسي بمصادرة الحريات والحقوق السياسية والفكرية في المجتمع واقامة نظام توتاليتاري ديكتاتوري يقمع من يعارضه بأسم الطبقة العاملة التي يمثلها الحزب الشيوعي. وبعد الأنتصار السوفياتي على النازية انتقل هذا النموذج الأشتراكي السوفياتي خلال الخمسينات الى دول اوربا الشرقية والصين وفي الستينات الى العالم العربي في مصر وسوريا والعراق والجزائر وفي جميعها فشل فشلا اقتصاديا ذريعا ،ورافق تطبيق الأشتراكية السوفياتية اقامة انظمة قمعية سيطرت على حياة الناس بسيطرتها على مرافق الأقتصاد والعمل والتوظيف اي من خلال سيطرتهالاعلى معيشتهم . ويمكن اليوم أستخلاص أهم نتيجة من النموذج والتجربة للأشتراكية السوفياتية ان الأدعاء بتحقيق العدالة الأحتماعية من خلال سيطرة الدولة على الأقتصاد يفسد كلاهما العدالة والحريات والحقوق من خلال تقييد الحقوق والحريات ، ويفسد الأقتصاد كونه يصبح بيروقراطيا غير كفوء، ويؤدي لنظم وحكومات ديكتاتورية ذات اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد .
ان اجتهاد المدرسة الأشتراكية الديمقراطية الأوربية (ومنهم المناشفة الروس) القائم على ابقاء وسائل الأنتاج وادارتها بيد الرأسمال وقيام الدولة بتطبيق سياسات الأصلاح الأجتماعي التدريجي من خلال البرلمان وتطوير دور الدولة المراقب والقيام بتشريعات اجتماعية لصالح العمال وعموم المجتمع تمول من ضرائب على الرآسمال جمعت بين الحفاظ على النظم الديمقراطية والحريات الليبرالية مع العدالة الأشتراكية الأجتماعية ،وانتقلت بنجاحها لتعم كل اوروبا الغربية ومنها الى أغلب دول العالم وخلقت دولا ناجحة اقتصاديا وسياسيا خارج اوروبا وامريكا مثل اليابان وكوريا وماليزيا واندنونيسيا وغيرها، ولعل تحول الصين الى الأقتصاد الرأسمالي من الأشتراكي السوفياتي كان خاتمة القول في انتهاء وفشل تجربة ادارة الدولة للأقتصاد وانتهاء النموذج الأشتراكي السوفياتي الى الأبد . وتحول مفهوم الأشتراكية الى مفهوم لتطوير سياسات العدالة الأجتماعية وليس مفهوما لسيطرة الدولة على مرافق الأنتاج واقامة مايسمى القطاع العام ، بحيث اصبحت اليوم مقولة "ان الدولة تفشل حيثما تضع قدمها في ادارة الأقتصاد " امرا شبه مفروغ منه ، فها هو العراق مثلا باكثر من مئة شركة للقطاع العام لا انتاج فيها وتستهلك قرابة ملياري دولار سنويا ميزانية تشغيلية . وقانونا اليوم تحرم الكثير من الدول على حكوماتها منافسة مواطنيها في الأعمال والخدمات. وعموما فالرأسمالية كنظام اقتصادي اكثر تجاوبا مع قيم الديمقراطية والحريات الليبرالية كون العامل والرأسمالي كلاهما يحتاجها للدفاع عن حقوقه ومصالحه واصبحت الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية رديفان متلازمان ، عدا مانراه في النموذج الصيني مثلا حيث يقوم الرأسمال بالعمل والنمو تحت رعاية الحزب الشيوعي الصيني الذي لايسمح لأي حزب اخر على منافسته وهو نموذج فريد ان يقوم حزب شيوعي قام كل حياته بمحاربة الرأسمالية ومخالبها في الصين ليقوم اليوم هو بتربيتها وتنميتها في نفس الصين ، انه درس بليغ لمن تبقى من المدرسة الماركسية السوفياتية التي تفهم الأشتراكية بسيطرة الدولة على وسائل الأنتاج فهو نموذج قد فشل على مدى مائة عام وحتى الصين تخلت عنه واخذت نموذج الغرب الرأسمالي الناجح والذي كانوا مع السوفيات ينعتونه بالنظام الرأسمالي الأستغلالي الأمبريالي الجشع المتوحش وغيرها من الألقاب لتخفي جوهر فلسفة نظم الغرب انها انظمة ديمقراطية ليبرالية تقيم سياسات العدالة الأجتماعية وفق الأشتراكية الأصلاحية مع نظامها الرأسمالي الكفوء.
يتبع ...