وليم تيل William Tell
    الأربعاء 3 أغسطس / آب 2022 - 07:25
    د. ميسون البياتي
    وليم تيل بطل شعبي سويسري حكايته جزء من حكايات استقلال سويسرا عن الإمبراطوريه النمساويه حيث يقال أنه في عام 1307 وضع الحاكم النمساوي لسويسرا والمدعو غيسلر قبعته في منتصف سوق البلده وأمر الناس بالانحناء لها كرمز لطاعة إمبراطوريته ، لكن تيل الذي كان فلاحاً شاطراً بالرماية رفض الانحناء للقبعه فعاقبه غيسلر بأن أمره أن يرمي ابنه ( إبن تيل ) بسهمٍ ليصيب تفاحه فوق رأس الولد ، سحب تيل سهمين من كنانته وأصاب التفاحه , وحين سئل عن سبب سحبه سهمين قال لأنه كان سيقتل غيسلر بالثاني لو أخطأ برمي ابنه بدل التفاحه , والمشهد مشهور جداً في كل الأعمال التي أخذت عن هذه الحكايه . أمر غيسلر بسجن تيل في قلعة بحيرة لوزيرن لكن تيل استطاع الهرب ونصب كميناً لغيسلر وقتله وأشعلت هذه الأحداث فتيل الصراع الذي انتهى باستقلال سويسرا 
    [[article_title_text]]

    بالنسبه للدراما تستحق هذه الشخصيه الكتابة عنها فقد ابتدعها إثنان من أساطين الأدب الألماني الحديث هما غوته وشيللر. يوهان فولفجانج فون غوته  Johann Wolfgang von Goethe 1749 _ 1832 ويوهان كريستوف فريدريك شيللر  Johann Christoph Friedrich von Schiller 1759 _ 1805 ولذلك حكاية طريفه  https://www.youtube.com/watch?v=yrOWNzar13U
    كانت تربط غوته بشيللر علاقة صداقه وثيقه وعلاقة زماله كذلك , غوته كان رجلاً متعدد المواهب فهو مؤرخ وأديب وشاعر ورسام ومخرج مسرحي وموسيقي ورجل سياسه ويشاركه شيللر في أغلب هذه المواهب 
    ذات يوم سافر غوته من ألمانيا الى سويسرا لزيارة بحيرة لوزيرن Lake Lucerne الساحره وهناك سمع عن قصة بطل اسطوري ساهم بتحرير بلده سويسرا من حكم الامبراطورية النمساويه الذي دام قرون 
    هنا لا تخفى تأثيرات شكسبير على الأدب الأوربي بشكل عام من خلال استلهامه لشخصيات موجوده في تاريخ شعوب اوربا في أعماله وصياغتها بما يعطي وجودها أبعد دلالاته حتى وإن تنافى ذلك مع بعض الحقائق التاريخيه لتلك الشخصيات , فقد كان شكسبير مؤمناً بما قال أرسطو وهو أول مُنظّر للشعر في كتابه فن الشعر  Poetics بأن الشعر أكثر شاعرية من التاريخ , فالمحاكاة عنده لا تعني استنساخ أو تقليد الشاعر للواقع دون محاولة إيصال شخصياته الى أقصى ما يمكن أن تمنحه من معنى ، المحاكاة هي قفز على الواقع التاريخي نحو المعاني الشعريه والفلسفيه البليغه ، لأن مهمة الشاعر الحقيقي ليست في رواية الأمور كما وقعت فعلاً  بل روايتها بما يجب أن يقع ويعطي أبلغ المعنى . شخصية وليم تيل شخصيه حقيقيه , لكن حكاية التفاحه التي صاغها شيللر هي من وحي الخيال 
     
    حين عاد غوته الى ألمانيا حدّث صديقه شيللر بأمر شخصية وليم تيل واتفقا على كتابتها واخراجها , قام شيللر بكتابة النص المسرحي فيما قام غوته بتصميم ديكوراتها المسرحيه واخراجها 
    شيللر نفسه كان مؤرخاً استعان بالعديد من المراجع التاريخيه لدراسة تاريخ هذه الشخصيه , كما استعان بخبرة زوجته لوت Lotte التي كانت على دراية بالتاريخ السويسري , وفي الفتره الواقعه بين نهاية عام 1803 وبداية 1804 صدرت المسرحية ب 7 آلاف نسخه 
    تم عرض المسرحيه التي اخرجها غوته في 17 مارس 1904 في مقاطعة فايمار Weimarالألمانيه , ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم تم اقتباس العمل مئات المرات في مسرحيات وافلام ومسلسلات واوبرات واوبريتات , وكتبت حول شخصية وليم تيل العديد من الحكايات والمغامرات الأخرى غير ما كتب شيللر عن هذه الشخصيه 
    حال نجاح ثورة التحرر الامريكيه عن التاج البريطاني كان الأمريكان يطمحون الى تأسيس أنفسهم كقوه استعماريه عظمى ولهذا رفعوا شعار تصدير الثوره الامريكيه , وشعار إحياء النعرات القوميه لدى الأمم لتثور على حكام من غير قومياتها , والثورات تحتاج الى سلاح تستورده من معامل السلاح الأمريكيه , كما ان الثورات ستجزأ الأوطان الكبرى التي تضم قوميات متعدده الى دويلات قوميه تسهل السيطرة عليها وابتلاعها أمريكيا فيما بعد , ولهذا فنجاح عمل مثل مسرحية وليم تيل لم يخلُ من الحصول على تشجيع خفي , بالوصول الى عام 1872 كان بسمارك قد وحّد الأمة اللألمانيه فيما وحّد غاريبالدي الأمة الإيطاليه فانتقلت منهما النعرة القوميه الى جميع أمم اوربا ومنها الى مستعمراتها فعمت النعرة القوميه العالم .. وبدأت الحضاره الإنسانيه بالإندحار , لأن الحضاره لا تتأسس ولا تعيش إلا بتجمع أقوام مختلفه وتعايشها في بلد واحد , أما القوميات حين تتقهقر وتنعزل فإنها تندحر حضارياً لأنها لا تتعلم من تجارب غيرها 
    قام الفلبيني خوسيه ريزال  Jose Rizal القومي الثوري الشهير ، بترجمة الدراما إلى الفلبينيه عام 1886  مستمداً الكثير من إلهامه الأدبي والسياسي من شيللر وأعماله 
     خلال القرن 19  ساهمت مسرحية ويليم تيل في حث العديد من المناضلين في العالم أيام ربيع الثورات الأوربيه , وربيع الثورات اللاتينيه , وربيع الثورات الصينيه , على تنظيم أنفسهم والثوره لتغيير واقع قومياتهم
    في العام 1941 قام هتلر بمنع عرض مسرحية وليم تيل بعد تعرضه الى محاولة اغتيال فاشله من قبل شاب سويسري يدعى موريس بافود Maurice Bavaud واستنكر هتلر على شيللر تخليده لحكاية وليم تيل بعدما بدأ الناس يطلقون على بافود لقب : وليم تيل الجديد 
    من أجمل اقتباسات مسرحية وليم تيل لشيللر هي اوبرا جواكينو روسيني Gioachino Antonio Rossini  1792_1868 والمتضمنه مقطع William Tell overture 
                           https://www.youtube.com/watch?v=j3T8-aeOrbg

    المقطع يستعمله الامريكان لتخليد بطلهم الخيالي The Lone Ranger وهو حارس تكساس المقنع الذي حارب الخارجين عن القانون في الغرب الأمريكي القديم مع صديقه الأمريكي الأصل تونتو Tonto وتمت تسمية شخصيه الحارس المقنع ب : أيقونه دائمه للثقافه الأمريكيه 
                             https://www.youtube.com/watch?v=2FqdIhEfVnY


    د. ميسون البياتي 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media