تآكل الأنساق والهياكل القديمة «1»
    الأثنين 26 سبتمبر / أيلول 2022 - 06:09
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    أما في عالمنا العربي الذي بقيت دوله ضعيفة (بمعنى أنها لم ترتقِ إلى جبروت ألمانيا وإيطاليا)، فقد اكتفت الحركة القومية باستقطاب العواطف التراثية المجتراة، ناهيك عن خطايا إحياء الولاءات المجهرية..

    بعد أن انغمسنا في خضم أمواجها اللامجدية المتلاطمة عقودًا من حياتنا، لم يتبق من "الحركة القومية العربية” اليوم إلا بضعة هياكل وشعارات متآكلة، بل وآيلة إلى السقوط والانهيار المحققين.

    والحقيقة هي أن هذه الحركة، التي استهلكت العقل العربي حتى الإدمان عقودًا، تعود أصولها إلى نهايات الحكم العثماني عبر المشرق العربي وشمال إفريقيا، إذ إنها لم تكن ترتكز إلى قاعدة فكرية وثقافية صلبة. وسبب ذلك هو، بلا ريب، أن هذه الحركة التي اجتاحت العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ولم تزل فاعلة (في بعض أرجائه) لم تكن سوى "محاكاة” لحركات من ذات النوع ظهرت قبلذاك في أوروبا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، نزعات قومية، خصوصًا في ألمانيا وإيطاليا، إذ سرعان ما أماطت اللثام هناك عن وجهها العنصري الشوفيني المتعالي، كما حدث مع تطور "النازية” في ألمانيا هتلر، ومعادلها الموضوعي "الفاشستية” في إيطاليا موسوليني.

    أما في عالمنا العربي الذي بقيت دوله ضعيفة (بمعنى أنها لم ترتقِ إلى جبروت ألمانيا وإيطاليا)، فقد اكتفت الحركة القومية باستقطاب العواطف التراثية المجتراة، ناهيك عن خطايا إحياء الولاءات المجهرية، كالعائلية والطائفية والشكلية والعشائرية، لبالغ الأسف.

    وإذا ما حققت الحركة القومية (على أيدي القوميين الأوائل في العراق وسوريا ومصر) بناء بعض الهياكل القومية الأساس (كجامعة الدول العربية والمنظمات والهيئات المنبثقة منها (مثل مؤسسة القمة العربية)، فإنها حركة راحت تضمحل وتتآكل على نحو متواصل، يصعب إيقافه أو تجميده على الفور، نظرًا لصعود أنجم جديدة مثل العولمة واقتصادات السوق الحرة، من بين سواها من التيارات "العابرة للقوميات”، بل و”العابرة للأديان” كذلك!
    ولم تزل القيادات العربية عبر دولنا ملتزمة (ولو شكليًّا) بالهياكل "القومية” المتآكلة لجامعة الدول العربية، فإن لذلك أسبابه ودواعيه، وأهمها هو عدم وجود بدائل عمل مشترك أو عمل جماعي مُجدٍ، لبالغ الأسف! والمؤكد، في هذا المجال، هو أن أولي الأمر في دولنا العربية يتطلعون إلى صيغ وأطر عمل فرقي يمكن أن يكون بديلًا ناجعًا للأطر القديمة لمعالجة القضايا والمسائل التي تهم أكثر من دولة واحدة عبر إقليم متلاطم الأمواج غارق في الأوهام!

    أ.د. محمد الدعمي
    كاتب وباحث أكاديمي عراقي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media