فهم الأحداث المعقدة واستغلالأً لوقت الأزمة وتناميها ومصبات لتشكيل المؤامرة 1
    الأربعاء 25 يناير / كانون الثاني 2023 - 02:16
    د. سمير ناجي الجنابي
    إن نظريات المؤامرة تبدأ بمحاولتنا فهم الأحداث المعقدة. حيث يمكن القول إنها تقدم حلولاً بسيطة لمشاكل معقدة. وهذه المفاهيم غالبًا ما تزدهر عندما يحتاج الناس إلى إجابات في أوقات التوتر.

    تميل نظريات المؤامرة إلى الظهور عندما تحدث أشياء مهمة يريد الناس فهمها. على وجه الخصوص، وتميل إلى الظهور في أوقات الأزمات عندما يشعر الناس بالقلق والتهديد. حيث أنهم تنمو وتزدهر في ظل ظروف عدم اليقين  

    تنتشر نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم. وتغطي مجموعة مذهلة من الموضوعات، من فكرة أن الهبوط على القمر كان مزيفًا إلى الاعتقاد بأن الأرض مسطحة وغيرها. في كثير من الأحيان، سوف يرفض المؤمنون بها بسهولة أي أدلة تتعارض مع هذه الادعاءات، ويقترحون أن الشهود أو الخبراء الذين يعارضون الأفكار هم ببساطة جزء من المؤامرة.

    لماذا يؤمن الناس بنظرية المؤامرة؟

    تنتشر نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم. وتغطي مجموعة مذهلة من الموضوعات، من فكرة أن الهبوط على القمر كان مزيفًا إلى الاعتقاد بأن الأرض مسطحة وغيرها. 

    في كثير من الأحيان، سوف يرفض المؤمنون بها بسهولة أي أدلة تتعارض مع هذه الادعاءات، ويقترحون أن الشهود أو الخبراء الذين يعارضون الأفكار هم ببساطة جزء من المؤامرة.

    إذن ماهو التفسير الأكثر واقعية للناس الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة؟ ولماذا يفعلون ذلك بالتحدي؟ ابقوا معنا.

    لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة؟

        كقاعدة عامة، لا يحب الناس عدم القدرة على فهم الأشياء، نحن فضوليون ونريد أن نفهم العالم من حولنا. 

    في الماضي، لم يكن العلم قادرًا على تفسير العديد من الظواهر التي واجهها البشر. وبالتالي كانت الاستجابة الأسهل والأكثر كفاءة لسؤال غير قابل للإجابة هي الاعتماد على قوة عظمى غامضة.

    أصبح العلم الآن قادرًا على الإجابة على العديد من الأسئلة التي أذهلتنا ولو مرة في حياتنا وبينما لا نمتلك دائمًا الإجابات الآن، أكثر من أي وقت مضى في تاريخنا. لكن لدينا القدرة على شرح وفهم مختلف أنواع الظواهر وبدقة.

    مع أخذ ذلك في الاعتبار، لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة حتى عندما يكون هناك جبل من الأدلة لإثبات أنها غير صحيحة؟ 

    كمفهوم بسيط لنظرية المؤامرة

    كارين دوجلاس، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة "كنت" في المملكة المتحدة تقول:

    نظرية المؤامرة هي الاعتقاد بأن اثنين أو أكثر من الفاعلين قد نسقوا سرًا لتحقيق نتيجة، وأن فضح هذه المؤامرة يخدم المصلحة العامة. 

    في جوهرها، نظرية المؤامرة هي الاعتقاد بأن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص الغامضين الذين يتحكمون في كل شيء في العالم

    ولهذا السبب لدينا نظريات المؤامرة حول تغير المناخ مثلاً باعتباره"خدعة".

    إذن، كيف تنمو هذه النظريات وتزدهر؟ 

    واستغلالاً لوقت الأزمة وتناميها، مع الامكانيات المحدودة للحكومات والافراد على معالجتها، وظهور بعض الاطراف المستغلة لمثل هذه الأوضاع.

    تتولد هذه الفئة وتتزايد احجامها كلما طال أمد الأزمة، مع ترسيخ حيثياتها بالظاهرة، حتى وان تم معالجة تلك المشاكل ولو بشكل نهائي لاحقاً.

    "المكونات الفريدة" التي تجعل نظريات المؤامرة تنتشر

    فيما يتعلق بما يجعل نظرية معينة تنتشر، هو عددًا من العناصر التي يجب أن تكون في مكانها الصحيح. لذا تتطلب نظرية المؤامرة تجمع بعض المكونات الفريدة معًا:

        قضية مهمة بالنسبة للرأي العام سواء المحلي أو العالمي

        طول فترة الأزمة

        جهات مستغلة تزيد من حدتها

        أشخاص مستعدين لتصديقها

        كيان قوي يُظَنْ احتضانه للمؤامرة

        المستوى التعليمي (كان هذا سابقاً اليوم ليس بالضرورة)

    تكثر هذه الأيام ظهور العقلية التآمرية، خصوصاً في ساحة التواصل الاجتماعي، وهو ما يُطلق عليه الناس نظرية المؤامرة، وكما يقول بيير أندريه تاغييف، فهذه التسمية خطأ جزئي، لأن المؤامرة قد توجد حقاً. أول كتاب بهذا الصدد، هو لرجل الدين أوغستين بارويل، عام 1798 حين اعتبر الثورة الفرنسية 1789 مؤامرة ضد الدين الكاثوليكي.

    الأحداث الدراماتيكية

    تظهر عقلية المؤامرة أمام الأحداث المهمة الدراماتيكية، طبيعية أو اجتماعية، وتنقسم بشكل عام لجزأين حسب علماء الاجتماع، كلاهما يتجاهل الأسباب الحقيقية، المبنية على العلم والمعرفة المؤكدة، إلى أسباب مُختلقة.

    هؤلاء الذين ينتمون إلى القطاع المُحافظ من المجتمع (اليمين المتطرف)، يرون أن المؤامرة تأتي دائماً من الأسفل، أي الأقليات أو الجزء المهمش من المجتمع، كما حدث عند اتهام مجموعات معينة، بقيامها بنشر الطاعون أو الجُذاب بالقرون الماضية، وهو ما أدى إلى اضطهاد هذه الأقليات (الماسونيون واليهود). النوع الآخر من أصحاب العقلية التآمرية، هم الذين ينتمون إلى الأعلى، أي الجزء المثقف والمُعادي بشكل عام لكل أنواع السلطات، فهؤلاء يرون دائما الحدث، كمؤامرة مُحاكة من السلطة القائمة. فعندما ظهر مرض الإيدز مثلاً، اُتهمت الحكومة الأمريكية بنشر المرض، لتقليل عدد سكان العالم في الدول الفقيرة، خصوصاً افريقيا، أو كما قال حديثاً، آيات الله الخميني، تنشر أمريكا مرض الكورونا، لتغيير جينات الشعب الإيراني.

    وكمثل آخر، يعتبر البعض التطعيم ضد الأمراض، مؤامرة، تفسيرها مرتبط بالمستوى الاجتماعي لدعاة النظرية، في فرنسا أو الدول الغربية الأخرى، يُعتبر اللقاح ضد الأمراض من طرف هؤلاء، تآمر السلطات الحاكمة مع المختبرات الطبية لتحقيق أكبر قدر من الأرباح بالإضافة لمخاطره الكبيرة، وهو ما دفع جزء من الناس، إلى رفض تطعيم أبنائهم، مما أعاد لفرنسا مؤخراً، مرض الحصبة وبعض أمراض الطفولة المُعدية. نفس اللقاح في الدول الفقيرة، يُعتبر من قِبل حاملي هذه العقلية، كمؤامرة غربية، لتعقيم النساء المسلمات، بهدف تقليل عدد السكان، وهو ما زاد من انتشار أمراض وأوبئة خطيرة في دول مثل نيجيريا وباكستان، والتي إختفت في بقاع كثيرة من العالم.

    نحن إذاً، أمام ظواهر عالمية غير عقلانية، تواكب دائماً، أي حدث مهم طبيعي أو إنساني الصنع. لا يختلف وباء الكورونا، عن غيره من الأحداث المهمة التراجيدية، التي تفتح مخيلات أصحاب الفكر التآمري.

    أوهام نظرية

    تُبنى النظرية التآمرية حسب علماء الاجتماع على أربعة أعمدة:

    أولاً: لا شيء يحدث بالصدفة، فموت الأميرة ديانا عام 1997، هو مؤامرة من ملكة بريطانيا، وليس حادث سير عرضي.

    ثانياً: كل ما يحدث هو نتيجة إرادة مُسبقة مخفية، كمرض الإيدز مثلاً.

    ثالثاً: لا شيء يبدو كما هو حقيقة، بل هو وهم أو خيال للتضليل، والحقيقة بمكان آخر.

    وأخيراً: كل الأمور مترابطة، كما حدث بالفترة المكارثية في أمريكا، حيث اُتهم الشيوعيون بتدبير كل المؤامرات ضد الشعب الأمريكي، حتى استعمال الكلور لتنقية المياه، كان عند البعض مؤامرة شيوعية. يُضيف أصحاب الفكر التآمري المُعاصرون، نقطة خامسة: وهي جمع الأدلة الدامغة، ولكن هذه الأدلة لا تجمع، إلا بهدف إثبات النظرية، وتبتعد عن أي دليل عكس ذلك، أو يوضع كجزء من المؤامرة نفسها.

    نجاح هذه النظريات مرتبط أيضاً، كما يقول بعض علماء الاجتماع والفلاسفة آنا آرنت، بحُب الناس للحصول على تفسير كامل للعالم وما يحدث به، وهو ما يتطابق طبعاً، مع أوهام نظرية المؤامرة التي تفسر كل شيء. لذلك فالكتب التي تُدافع عن النظريات التآمرية، تنتشر واسعاً بين الناس، بينما الكتب المبنية على الحقائق العلمية، لا يقرأها إلا القلة، لأنها لا تعطي جواباً كاملاً شافياً، بسبب طبيعة العلم المُتغير والمتطور.

    علم النفس بدوره، يُعطينا تفسيراً للأسباب الموجودة خلف عقلية المؤامرة، لو قرأنا ما كتب سيغموند فرويد مؤسس علم النفس، حول الوهم الديني، في كتابه مستقبل وهم أو كتاب مأساة الثقافة، فإننا قد نجد تفسيراً لهذه النظرية، من مُنطلق النقد الديني نفسه. يقول فرويد تُفسر الظواهر الطبيعية العنيفة، مثل الزلازل والفيضانات والأوبئة، بكونها إرداة إلهية، كعقاب للناس، وهو ما يُعطي هذه الظواهر، جزئياً، بُعداً إنسانياً، فيكفي أن نتضرع لله حتى يُبعد عنا ذلك. نستطيع بذلك الاعتقاد الديني حسب فرويد، أن نضع الظواهر التراجيدية الطبيعية بدائرة الرقابة الإنسانية. الشيء نفسه بالنسبة للأوبئة أو للجفاف أو غيره. تفسير فرويد للوهم الديني، مرتبط إذاً بالقلق الإنساني الناتج عن الأخطار التي تحيطه من كل الجهات، الطبيعة، الأمراض والمجتمع، ويضيف أيضاً أنه كلما تقدم العلم تراجعت الخرافات والأوهام وهو ما يدفع أصحابها إلى الإلتجاء إلى مزيد من المعجزات لتغطية فشلهم.

    قياسا على هذه النظرية، المبنية على علم النفس، يمكننا أن نقول، إن أصحاب نظرية المؤامرة هم بشكل عام، أناس قلقون بطبيعتهم (عقدة الاضطهاد)، وهم بذلك، في حاجة دائماً لتفسيرات كاملة مُشفية للغليل لما يحدث، حتى يتمكنوا من السيطرة على قلقهم هذا.

    نظرية المؤامرة إذاً، تُعطي هؤلاء هذه الطمأنينة، لأنها تُفسر لهم كل شيء وبالتفاصيل. الوهم الديني بنظرية فرويد، اُستبدل هنا، بنظرية المؤامرة، ولإبعاد القلق والخوف.

    من ناحية أخرى من منظار الفلسفة فإن النظرية السببية، هي أساس العلم والفلسفة معاً، أي لا شيء يحدث، أو يصبح قابلاً للفهم بدون أسباب، مهما كانت صعوبة تحديدها. تفسير ظاهرة ما، يعني أولاً، إظهار سبب أو أسباب ظهورها وهو ما يفسر النتيجة. من هذا المُنطلق، فإن أصحاب العقلية التآمرية، يعكسون هذه النظرية، فالأسباب عندهم تصبح النتائج، والنتائج هي الأسباب.

    فحين نتهم الصين بالتآمر لنشر هذا الوباء، لضرب أمريكا اقتصادياً، فنحن نضع الوباء في مرحلة ثانية تتبع المحرك الأول وهو ضرب الاقتصاد الأمريكي المرجو. طبعاً هناك اليوم من يعتبر أمريكا أساس انتشار المرض لضرب الاقتصاد الصيني، وأخيراً من يتهم فرنسا والصين معاً بهذه الفعلة الشائنة. عقلية المؤامرة إذاً تعكس الأشياء، وهو ما يُسهل عملية الفهم ويُبسطها، وبالتالي يُبعد عنا قلق البحث عن الأسباب أو فهم النتائج.

    مبادئ النقد الفكري

    في بلادنا العربية، هناك من يتهم إيران بنشر الوباء بالبحرين ودول الخليج، وطبعاً إيران تتهم أمريكا.

    الإنسانية أمام حرب عالمية ثالثة، عليها كلها، فلا يوجد متآمر، ولا ضحية تآمر، وإنما فيروس صغير هو السبب، انتقل من حيوان بري في الصين، إلى العالم كله وهو النتيجة، ما يُظهر هشاشة هذا العالم، وضرورة التضامن الشامل لمواجهة الأخطار.

    تعليم أطفالنا ومنذ الصغر، مبادئ النقد الفكري العقلاني، بدل تلقين الأوهام الدينية، والخزعبلات التقليدية، هي ضمان ألا نقع جميعاً، بفخ دُعاة المؤامرات الوهمية، هذه الدعوات التي قد لا تُفيد ولا تُضر ببعض الأحيان، ولكنها في أحيان أخرى قد تكون خطيرة جداً، فانتشار مرض شلل الأطفال، في دول عدة في افريقيا وأسيا، رغم وجود لقاح فعال وأكيد وآمن ومتوفر ورخيص، هو أكبر دليل على خطورة هذه الأطروحات وضرورة التصدي لها.

    حملات إعلامية ضخمة تبنت تفنيد «نظرية المؤامرة»، ونجحت بشكل واسع في ترسيخ قناعة أنها نظرية شوهاء ينبغي التنصل منها، وكما نجحت المخططات اليهودية في نشر تهمة «معاداة السامية» في الغرب، نجحت الآلة الإعلامية الليبرالية في تشويه «نظرية المؤامرة» عربيا، حتى بات على كل إعلامي أو كاتب أن يتنصل من الاعتقاد بهذه النظرية قبل أن يتحدث عن توجهات الغرب تجاه الإسلام والمسلمين عامة والمنطقة العربية خاصة .. لابد أن يبدأ تحليله وعرض وجهة نظره بالعبارة الشهيرة «رغم أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة، إلا أني ...» كنوعا من الوقاية عن سلخه من قائمة المثقفين التنويريين، وتصنيفه مع المثقفين الظلاميين.

    والصخب الإعلامي حول تحطيم هذه النظرية يكاد لا يهدأ، حتى من أبناء جلدتنا ممن تشربوا مناهج الغرب، فيتساءل أحدهم متعجبا: هل هو قدر محتوم على العرب أن يعيشوا مسكونين بنظرية المؤامرة؟ .. وكنت أود أن يقرن هذا السؤال بالقدر المحتوم لأهل غزة حيث الحصار الخانق لشعب يتلمس طريقة للتحرر.

    هل هي مخاوف؟!

    يقول محرر وول ستريت جورنال في عرضه لكتاب «اليد الخفية.. مخاوف الشرق الأوسط من المؤامرات»: "في عالم اليوم فإن العرب والإيرانيين أكثر شعوب العالم إيمانا بنظريات التآمر، وأشدهم حماسا في نشرها، وإلى حد ما، يرجع هذا إلى ثقافة هذه الشعوب، فكلا الشعبين لهما تراث أدبي غني بالخرافات ذات المعاني العميقة، ونظرياتهم التآمرية مليئة بالخيال، وهناك سبب وجيه أيضا يساعد على خلق هذه النظريات التآمرية، فإيران وكل الدول العربية في قبضة قائد مطلق سواء كان علمانيا أو رجل دين، وهؤلاء يخضعون كل شيء لتحقيق أغراضهم وأهدافهم: التعليم، وسائل الإعلام، القانون، الجيش وغيرها من المؤسسات .. وفي هذه المجتمعات لا يعلم بالحقائق الصحيحة إلا قلة صاحبة امتيازات، ويجعل الخوف والجهل الجماهير تحت رحمة الشائعات والخيالات، ولهذا يتخلى الناس عن مبادئ البحث العلمي المألوفة للتحقق من الأحداث ويلجئون إلى فكرة أن هناك قوى تعمل في الخفاء مما يفتح المجال للأساطير والخرافات التي تنبع من خيال الإنسان الواسع".

    نعم سجون جوانتنامو -مثلا- التي أعدت خصيصا للمسلمين محض خرافات، وامتلاك إسرائيل للأسلحة النووية وتحريمه على العرب محض أساطير، وضرب المفاعلات النووية العراقية، واغتيال الدكتور يحي المشد عالم الذرة المصري، والسلاح النوعي الغربي في إسرائيل دون سائر الدول العربية.

    هل هي صراع؟!

    يقول آخر: على أنني أضيف سببا هاما يمثل الخط الرئيسي في الأبحاث والدراسات الأكاديمية وكتابات المثقفين العرب، وهو إيمانهم بأن جوهر العلاقات الدولية هو الصراع الذي يحقق المصلحة، ولهذا تنحصر العلاقات الدولية في ثنائيات (منتصر ومهزوم)، (خاسر ومستفيد)، (متآمر ومتآمر عليه)، (شرق وغرب)، وهذه نظرية خاطئة .. الخط الرئيسي للعلاقات الدولية هو التعاون والتنافس، أما الصراع فيمثل سلوكا جانبيا اعتراضيا معوقا للتقدم البشري. رؤية العرب رؤية داروينية مالتسية. وقد قدم مالتس نظريته المعروفة عن السكان، والتي تناولت بشكل متشائم أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية، في حين يتزايد الغذاء بمتوالية عددية ومن ثم سيحدث صراع يؤدي إلى تقليص عدد سكان العالم ليتناسب مع الموارد الغذائية المتاحة، وثبت فشل هذه النظرية حيث حقق التعاون الإنساني تزايدا مطردا في الإنتاج الغذائي وارتفع مستوى البشر في كافة مناحي الحياة رغم تزايدهم عدة مرات منذ أن طرح مالتس نظريته".

    وكأن كاتب هذه السطور لم يسمع عن ذبح مسلمي بورما الذي يتم صباح مساء على أعين المجتمع الدولي والإسلامي. فضلا عن إبادة المسلمين في زنجبار (عشرين ألف عربي مسلم) والبوسنة والهرسك (مذبحة سربرنيتسا 8 آلاف مسلم)، ومآسي المسلمين في ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي حيث عمد الشيوعيون لأساليب إبادة رهيبة للمسلمين فتمت إبادة عشريــــن مليون مسلم خلال خمسين عاما, وقد ثبت بالإحصائيات الروسية أن ستالـين وحده قتل 11 مليون مسلم. مذابح صبرا وشاتيلا (3500 مسلم) ودير ياسين (2000مسلم)، مذابح المسلمين في الهند منها مذبحـــة احمد أباد عام 1970 م التي ذهب ضحيتها 15 ألف مسلم باعتراف أنديرا غاندي نفسها .

    هل هي سرية؟

    آخر يضلل وهو يتحدث عن الصراع الدولي ويقول: "إن أغلب آليات الصراع مخططات معلنة وليست مؤامرات مستترة. والمتابع للسياسة الأمريكية مثلا منذ 11 سبتمبر يجد أغلب أهدافها معلنة وواضحة ولا تحتاج إلى الغرق في التأويل" .. وكأنه لم يقرأ تسريبات ويكليس ووثائق بنما.

    يقول المراقبون: إن أمريكا بعد أكثر من عشر سنوات من الاحتلال العسكري لأفغانستان، وخسائر مادية وبشرية مهولة، وصلت إلى قناعة أكيدة مفادها: أن الحسم العسكري لن ينتهي بشيء في هذا البلد المشتهر تاريخيًّا بأنه «مقبرة الغزاة»، وأن على الأمريكان أن يلجئوا إلى طريقة أخرى لتكريس وجودهم في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ومن ثم كان التحول الأمريكي المعروف، من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة التي ثبت أنها الأكثر فاعلية مع الشعوب العنيدة الصلابة، أو بعبارة أخرى مع الشعوب المسلمة. الأستاذ بجامعة هارفارد المشهورة 0جو ناي) الذي صاغ نظرية «القوة الناعمة»، يصفها بأنها: "القدرة على الحصول على النتائج من خلال الجذب، وليس عن طريق القوة أو الدفع، والتعليم كان دائمًا موردًا هامًّا لتحقيق ذلك"، فالتعليم كان دومًا من أسلحة التغلغل وبسط النفوذ، والمقدمة الموطئة للاحتلال الفكري والثقافي والاجتماعي.

    الجامعة الأمريكية قد نشأت أصلاً لتكون هيئة تنصيرية ذات غطاء تعليمي، وبالتوازي مع الهدف الرئيس أخذت الجامعة في التركيز علي إعداد جيل من النخب الشابة، والذين سيقودون البلاد فيما بعد، بحيث تكون ثقافتهم وطريقة تفكيرهم أمريكية صرفة، وبالتالي يواصل الأمريكان احتلالهم للبلاد، ولكن بتكلفة زهيدة، احتلال بالوكالة عن طريق النخب الحاكمة في البلاد المسلمة، وقد آتت تلك الأفكار والسياسات أكلها في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت انطلاق هذه الفكرة الاستعمارية الماكرة، في القاهرة وبيروت، فمعظم الساسة الذين لعبوا أدوارًا حاسمة في الشرق الأوسط من خريجي هذه الجامعة، أما على المستوى العلمي والأكاديمي فالجامعة الأمريكية لم تفد المجتمعات العربية والإسلامية في شيء يذكر، فعلى الرغم من مرور قرابة المائة عام على إنشاء الجامعة في القاهرة وبيروت إلا أنها لم تقدم عالمًا واحدًا في المجالات العلمية المتخصصة، ولم تقدم معاملها اختراعًا مفيدًا أو اكتشافًا مسهمًا، وغاية الجهد البحثي لهذه الجامعة منصب على الغرض الاستعماري التي نشأت الجامعة من أجله في الأساس، فالجامعة الأعرق في المنطقة لا يوجد بها سوى مركزين للبحوث، مركز البحوث الاجتماعية الذي أنشأ سنة 1951، ومركز بحوث الصحراء، أما الأنشطة الأخرى للجامعة فهي تصب مباشرة في خانة العمل التنصيري، فهي تمد يد العون والمساعدات الطبية والمادية لأفقر أحياء القاهرة، وتقيم مشروعات مريبة في المناطق التي يسود فيها الجهل والفقر والمرض مثل منشية ناصر والدويقة، وربما لعبت هذه الجامعة دورًا استخباراتيًّا، كما كشفت بعض الوثائق السرية المسربة سنة 2010 من البنتاجون ووزارة الدفاع والمالية الأمريكية عن صفقة مخابراتية بين البنتاجون والجامعة الأمريكية لعمل أبحاث معلوماتية حساسة عن المجتمع المصري، تحت غطاء البحث العلمي.

    هل هي تطهير؟

    آخر قال: "أتمنى أن يضع القبض على صدام ومحاكمته علنيا كثيرا من النقاط فوق الحروف، وأؤكد لكم منذ الآن، لن تخرجوا بأكثر من غباء وفساد ودكتاتورية تجسدت في هذا الرجل، أو كما وصفه عبد الناصر في مذكرات الوزير العراقي جواد هاشم بلفظ «بلطجي ومتهور»، بل أن القبض عليه حيا بدون قتله والإعلان عن محاكمة علنية عادلة له، يضعف تماما فكرة تآمر الغرب عليه أو معه".

    وكأن العراق صارت بعد صدام جنة وارفة الظلال، وتناسى هذا المحلل أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تبنتها أمريكا وحلفائها لتدمير العراق دولة وشعبا، ثم تدمير الجيش العراقي وسرقة بترول البلد، وشعبه اليوم يعاني الفقر والجوع في بلد كان نفطيا في يوم من الأيام، وصار العراقي يتمنى يوما من أيام البلطجي المتهور بحسب وصفه.

    هل هي فلسفة؟

    يتفلسف أحد المفكرين فيقول: "يصعب التخطيط الواعي لمستقبلنا في ظل الهيام بنظرية المؤامرة والارتكان لمفهوم القدرية، فالمستقبل ما نصنعه الآن من عمل وعلم وتفكير وتخطيط وهو بأيدينا لا بأيدي غيرنا.

    إن تفكيرنا التآمري يعكس إسقاطا واضحا لجوانب الحياة العربية، ولنتأمل عبارة «أهل الثقة مفضلون عن أهل الخبرة»، وهي التي حكم بها عبد الناصر وأصبحت سلوكا عربيا شلليا، هل هناك أوضح من هذه العبارة كقاعدة مدمرة تدعو الناس إلى التفكير في التآمر والنفاق بديلا للكفاءة والعمل.

    إن هناك بدعة حاليا في الكتابات العربية، وهي التحايل على الحقائق بأن يبدأ الكاتب أو الباحث بتحصين نفسه بجملة منطقية كأن يقول: التاريخ ليس مؤامرة، ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ. أو أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، ولكن. أنا أؤمن بالديمقراطية، ولكن. أنا ضد بن لادن، ولكن. ويستخدم «لكن» الناسفة أو ما أطلق عليهم مأمون فندي جماعة «بن لكن»، وهنا يستخدم المنطق لنسف المنطق ذاته .. وأخيرا: لا أجد ما أختم به هذه المقالة عن نظرية التآمر عند العرب إلا مقولة فولتير «اسحقوا هذا الخزي»".

    وأنا أفضل أن أحيل الكاتب الفيلسوف إلى الإحصاءات عن عدد ما قتلته القنابل الأمريكية والفرنسية والانجليزية والصهيونية في وطننا العربي على مدى الخمسين عاما المنصرمة.

    ثم أليس ما يحدث في سوريا من مجازر مؤامرة غربية باقتدار، كشفتها أيضا جحافل اللاجئين السورين إلى أوروبا .. مؤامرة منع فيها السلاح النوعي عن المجاهدين، وأتت روسيا بخيلها ورجلها لتحارب بالوكالة عن نظام ديكتاتوري.

    نحن لا نتجاهل مشاكلنا الداخلية الغارقون فيها حتى الركب، لكن أيضا كل المعطيات العملية على أرض الواقع تثبت وجود مؤامرة على الإسلام وعلى المنطقة العربية .. أليست القضية الإسرائيلية كانت ولا زالت مؤامرة، بداية من وعد بلفور وحتى تمحور السياسات الأمريكية والغربية اليوم حول «أمن إسرائيل» في المنطقة العربية، حتى مؤخرا انتقد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بشدة قرار اليونسكو بعدم اعترافها بوجود أي علاقة لليهود بموقع المسجد الأقصى، والذي أصدرته المنظمة، مشيرا إلى تمسكه بالوجود اليهودي في القدس .. وقال فالس في خطاب أمام البرلمان: "قرار اليونسكو تضمن عبارات يؤسف لها، وصدر بشكل متسرع، وكان ينبغي تجنب ذلك وتجنب التصويت".

    وأضاف فائلا: "سأكرر ذلك بوضوح ففرنسا لن تنكر أبدا الوجود اليهودي والتاريخ اليهودي في القدس، وذلك لا يؤدى لنتيجة ولا يمكن تفهمه".

     

    كلنا نعلم أن هناك مجموعة من الأمراض النفسية والعقلية والادراكية والسلوكية التي تصيب بعض الافراد منها مرض الاكتئاب وجنون الرهاب، وجنون العظمة، وجنون الارتياب، والوسواس القهري، والانفصام في الشخصية ...الخ ... والسؤال هنا هو كالتالي: هل يمكن أن يصاب شعب من الشعوب بمثل هذه الأمراض النفسية والعقلية مثل الاكتئاب وجنون الرهاب وجنون العظمة وجنون الارتياب!؟؟... مثلا الاعتقاد القهري بنظريات المؤامرة وتفسير كل أحداث التاريخ وأحداث الحاضر وفق نظرية المؤامرة قد يكون ناتجا عن مرض نفسي وعقلي تفشى في المجتمع وأصبح له سلطان قهري على أغلب أفراد المجتمع!!، فما هو التعريف العلمي لجنون الارتياب!؟

    جنون الارتياب (باللاتينية: Paranoia): "هو مرض نفسي مزمن يتسم عادةً باللاعقلانية!، يتجسد في أفكار يعتنقها المريض ويؤمن بها إيمانا وثيقا ومطلقا تقوم على أساس اعتقاده الجازم بأن العالم كله ضده، وأنه محسود وأنه يتعرض للاضطهاد أو المؤامرات المستمرة من قبل الآخرين الحاسدين له والحاقدين عليه والراغبين إما بالقضاء عليه وتدميره أو على الأقل الاستيلاء على ممتلكاته!، وبالتالي يظل هذا الشخص المصاب بهذا المرض النفسي والعقلي يفسر سلوك الآخرين تفسيرا يتسق دائما مع هذا الاعتقاد الراسخ والجازم"!!، معتقدا أن الجميع يتآمرون عليه بشكل مستمر ويريدون القضاء عليه!، فهذا هو مرض جنون الارتياب، وهذه هي علاقته بنظرية المؤامرة!!.. فهل شعوبنا العربية أو شعوب منطقتنا بوجه عام تعاني من جنون الارتياب!!؟ ... الشيء المؤكد أنه في حالة غياب العقل والعقلانية فإن الاوهام والخرافات ونظريات المؤامرات الكونية هي التي تسيطر على تفكير الناس بطريقة المثل الشعبي الذي يقول : ((إن غاب القط العب يا فار !!)).

     (*) لا يعني هذا بالضرورة أن كل من يعتقد بنظرية المؤامرة يعاني من مرض جنون الارتياب، فالاعتقاد بنظرية المؤامرة والاعتماد عليها في تفسير الأمور كثيرا ما يعكس حالة من الكسل والجمود العقلي وعدم الرغبة في اعمال العقل لفهم حقيقة الأحداث، فنظرية المؤامرة هي النظرية الأسهل والأريح فهي تختصر الجهد والوقت!، فهذا هو الدافع الغالب لاعتناق نظريات المؤامرة وشيوعها ولكن اذا أصبح التفسير التآمري هو المسيطر على شعب فلا شك أن ذلك يشير الى استفحال هذا المرض!.. أي جنون الارتياب وما يصاحبه من الشعور بالاضطهاد!.

    لا تفتقر نظرية المؤامرة لأبعاد نفسيّة مرضيّة، لتشخيصها باعتبارها سلوكا عُصابيا أشبه بالبارانويا الجماعيّة. والمعروف عن البارانويا أنّها أحدّ أشكال ما يُسمى باللغة العربية "الذهان النفسّي"، ومن أعراض هذا المرض النفسي الهذيان، على الرغم من أن المريض قد يبدو ظاهرياً سليماً من حيث القدرة العقليّة والاستدلال، غير أنّه يبني استدلالاته على أوهام وحوادث غير حقيقية، أو ارتباطات وهميّة بين أحداث واقعيّة، فبالنسبة له عامل المصادفة غير موجود. ومريض البارانويا يعتقد أنّ جميع من حوله يتآمرون عليه، ويريدون النيْل منه عبر حياكة مؤامراتٍ خفيّة. لديه شعور دائم بالاضطهاد وبالتهديد من "أعداء" له. المُصاب بهذا المرض يكون حذرا، قلقا تجاه كل ما هو جديد، وسريع الاتهام للآخرين بالتآمر عليه، وخصوصا لمن يخالفه الرأي. بالنسبة له الجميع يكذب ويحيك المؤامرات ضده
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media