الإرهاب...لادين له...عبر التاريخ / 23
    الجمعة 6 أكتوبر / تشرين الأول 2023 - 10:31
    عبود مزهر الكرخي
    الجانب الثاني: نشر الرُّعب والخوف في قلوب الناس
    وهذا الأمر موجود لدى كل الطغاة وخصوصاً قد بدأ نشوء هذا النهج مع تسلم الحكم من قبل حكام بنو أمية وبنو العباس وقبله قد بدأت ملامحه مع حكم الخليفة الأول الثاني مع ما جرى في السقيفة وصارت أكثر وضوحاً مع الخليفة الثاني....وتقول الروايات أنه :
    لما حضرت الوفاة أبا بكر (رض) ارسل الى عمر يستخلفه، فقال الناس: أ تستخلف علينا فظا غليظا، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ، فماذا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر، قال: أتخوفونني ربي، أقول: اللهم أمرت عليهم خير أهلك (1).
    وقال محمد بن سعد البصري في كتاب الطبقات في ترجمة أبي بكر في قصة استخلاف أبي بكر لعمر ما لفظه: وسمع بعض أصحاب النبي (ص) بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر و خلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن أستخلافك عمر، لعمر علينا وقد ترى غلظته، فقال أبو بكر: اجلسوني، أبالله تخوفوني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك (2).
    وقال أبو بكر عبد الله بن محمد العبسي المعروف بأبن أبي شيبة في كتابه المصنف: حدثنا وكيع، وابن ادريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد بن الحرث، أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل الى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظا غليظاً ، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ، فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر (3)، الخ. ونقل أنه هو أول من لقّب نفسه بأمير المؤمنين(4). كانت تصرفاته مع الناس قاسية(5).
    ولتكبر هذه الكرة الثلجية المنحدرة من اعلى لتكبر وتكبر ليصبح الحكم ديكتاتوري وحكام في الفترات المظلمة تلك ، وليكون حكم اباطرة وملوك وبعد استشهاد سيدي ومولاي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومن مستلزمات حكم الطغاة والظالمين وليكون "هدفاً مهمّاً في نظر الطغاة؛ فإنّ الخوف من القتل والذبح والإذلال والصور المرعبة للتمثيل بالأجساد يشكّل رادعاً كبيراً للمعارضين، ومبرراً لانتهاج سبيل الخنوع والسكوت والقبول بالذلّ لكلّ الضعفاء، وكلّ مَن يحبُّ العيش ويفضّل البقاء في الدنيا والحفاظ على نفسه وأمواله وحياته وملذّاتها الفانية بأيِّ شكل من الأشكال، ولو كان تحت طائلة الذلّ والعار والهوان، وخير شاهد على ذلك ما جرى لمسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) مع سواد أهل الكوفة؛ فإنهم بمجرّد أن عاينوا مشاهد الخوف ومظاهر التهويل والإرهاب التي مارسها معهم ابن زياد ـ وبمحض تخويفهم مما سيقوم به الجيش الأُموي في الشام لو وصل الكوفة ـ تخلّوا عن بيعتهم وانفرد مسلم وحيداً، بعد أن كان يؤم آلافاً مؤلّفة ممن بايعه على الموت! "(6).
    ولو تقدمنا بالتاريخ لوجدنا ما حدث في ثورة زيد بن علي وهو أخو الإمام محمد بن علي الباقر(ع) حيث بعد فشل الثورة تم مواراة قبر زيد بن علي في الأرض ودفنه ولكن  والي الكوفة يوسف بن عمر الثقفي (وهو أحد جلاوزة بنو أمية) يفتّش عن جثمان زيد الشهيد وأخبره الطبيب الذي أخرج السهم من جبينه بمحل دفنه لأنه كان حاضرا(7)وقيل غيره، فأمر بإخراجه من قبره وألقوه من على قصر الإمارة، وأمر بحزّ رأسه، فاحتزه وأرسله هديّة إلى هشام بن عبد الملك، فأظهر الفرح وأمر بوضعه في مجلسه، وأمر جلسائه بوضع أحذيتهم على رأس زيد(8).
    والأنكى من ذلك والوحشية التي تفوق التصور هو أنه وأمر هشام بن عبد الملك يوسف بن عمر بصلب جثمان زيد بن علي، فصُلِبَ منكوساً(9) ووضع مفرزة من الشرطة لحراسته خوفا من أن يُسرق ويُدفن.
    والاجرام والارهاب الذي يفوق الوصف هو ما قام الحاكم المجرم هشام بن عبد الملك الأموي حيث بعد قيام يحيى بن زيد بثورة في زمان الوليد بن يزيد بن عبد الملك كتب الوليد إلى يوسف بن عمر: إذا أتاك كتابي فأنزل عجل أهل العراق - ويقصد جثمان زيد المصلوب - وانسفه في اليمّ نسفا (10).
    فأوعز يوسف بن عمر إلى خراش بن حوشب بإنزال الجثمان من الخشبة وإحراقه بالنار، ودقّ عظامه بالهواوين، وذرّ بعضه في حوض الفرات، وعقّب بقوله: ليشربه العراقيون(11).
    والذي يوجد مزار له قبل الكوفة ويقال مزار زيد الشهيد ويؤمه الناس وعلى نهر الكوفة أي الفرات. ولكن نسأل أين قبر هشام وباقي الحكام الأمويين والعباسيين فقبورهم قد درست والكلاب والحيوانات تبول عليه(أجلكم الله)كما هو حاصل في قبر معاوية(لعنه الله)قبر خربة قبر تبول عليه الكلاب. وقد صدق قول الشاعر السوري في قصيدة عصماء للأستاذ محمد مجذوب نظمها على قبر معاوية (لعنه الله)، بعد زيارته لمرقد امير المؤمنين (سلام الله عليه) في النجف الاشرف وانبهاره لما رأى من عظمة وقارنه ببؤس قبر معاوية.
    أين القصور أبا يزيد ولهوها *** والصافنات وزهوها والسؤددُ
    أين الدهاء نحرت عزته على *** أعتاب دنــيا زهوهــــا لاينفدُ
    آثرت فانيها على الـحق الذي *** هو لو علمت على الزمان مخلدُ
    تلك البهارج قد مضت لسبيلها *** وبقيت وحــدك عبرة تتجــــددُ
    هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه *** لا سال مدمعك المصير الأسودُ
    كتل من الترب المهين بخربــــةٍ*** سكـــر الذباب بها فراح يعربدُ
    خفيت معالمــها على زوارهــا *** فكـأنها في مجهــل لا يقصــدُ
    والقبة الشمـاء نكــس طرفهــا***فبكــل جزء للــــفناء بهـــا يدُ
    تهمي السحائب من خلال شقوقها*** والريح فـــي جنـــباتها تــترددُ
    وكذا المصلى مظـلم فكــــــأنه***مــــذ كان لم يجـــتز به متعـــبدُ.
    ويضيف فيقول في قصيدة طويلة نأخذ هذه الابيات :
    قم وارمق النجف الشريــف بنظرة *** يرتد طرفك وهو بــاك أرمدُ
    تلك العظام أعز ربك قــــدرها *** فتــكاد لولا خــوف ربك تعبدُ
    أبدا تباركــها الوفــود يحثــها *** من كـــل حدب شوقها المتوقد
    نازعـتها الدنيا فـــفزت بوردها *** ثم انقـضى كالحـلم ذاك الموردُ (12).
    وهذه القصيدة نشرت في الطبعة الاولى من ديوانه و لكن عملت دولارات البترول من حكام آل سعود سحرها و ضغوطات الدول فعلها مما ادى الى اختفاء القصيدة من الطبعات اللاحقة . وهذا هو الفوز العظيم لأهل بيت النبوة فازوا فوزاً في الدنيا والأخرة، وهو الفوز العظيم الذي لا يلحقه لاحق ولا يسبقه سابق.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    المصادر :
    1 ـ الخراج: 11. الشورى في الإمامة - السيد علي الميلاني - الصفحة ١٧. منشورات المكتبة الشيعية. كتاب المغازي - ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب- الجزء رقم8.
    2 ـ الطبقات الكبرى 3: 199.
    3 ـ المصنف 5: 449.
    4 ـ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 3، ص 1151.
    5 ـ بن سعد، الطبقات الكبرى، ج 4، ص 274 و308.6 ـ
    6 ـ  مأخوذة من مقال بعنوان(فاجعة الطف وجريمة قطع الرؤوس ج1 (تاريخ ظاهرة قطع الرؤوس والتمثيل بها) الكاتب : الشيخ منتظر الإمارة. مجلة الإصلاح الحسيني – العدد العاشر. مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية. منشور بتاريخ 19/1/ 2019.
    7 ـ شرح إحقاق الحق : ۱۹ / ٦۱۳ ، وينابيع المودة : ۳ / ۲۳۱.
    8 ـ المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 182.
    9 ـ المقريزي، خطط المقريزي، ج 4، ص 212.
    10 ـ البراقي، تاريخ الكوفة، ص 398.
    11 ـ القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت(عليهم السلام)، ج 39، ص 282.
    12 ـ شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج ٢ - الصفحة ١٧٣. منشورات المكتبة الشيعية. ديوان الشاعر عبد المجيد المجذوب. الطبعة الأولى. 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media