عن طبيعةِ العملِ الحزبي!
    السبت 11 نوفمبر / تشرين الثاني 2023 - 20:08
    نزار حيدر
       برأيي؛ فلقد ولَّى، إِلى إِشعارٍ آخر، زمن وِلادة الأَحزاب الوطنيَّة التي تعتمد المُواطنة كمعيارٍ للإِنتماءِ إِليها، كما كانَ الحال فترة التَّأسيس الأُولى التي امتدَّت من ١٩٢٠تقريباً وإِلى نِهاية العهد الملكي.

       والعكسُ هوَ الصَّحيح فحتَّى الأَحزاب [السياسيَّة] العريقة التي اعتمدت مِعيار الدِّين أَو المذهب أَو القوميَّة إِتَّجهت وبشَكلٍ صاروخيٍّ لتضييقِ معاييرها من خلالِ تبنِّيمِعيار [الأُسرة الحاكِمة] كانَ آخرها [حزب الدَّعوة الإِسلاميَّة] الذي لم يكُن في يومٍ من الأَيَّام ومنذُ تأسيسهِ منذُ حوالي [٦٥] عاماً يُعير اهتماماً للأُسرةِ والعشيرةِوالمناطقيَّةِ وغيرها كمعاييرَ للإِنتماءِ والتي كان يصفَها بالجاهليَّة التي لا يأخذ بها [الإِسلاميُّون] أَو ما باتَ يُعرفُ بـ [الإِسلامِ السِّياسي].

       أَمَّا اليَوم فإِنَّ [الأَمين العام للحزبِ] يُروِّجُ لأُسرتهِ ويُسوِّقها، بمَن فيهم صهرهِ، للزَّعامةِ بعدَ أَن صفَّى القيادات التاريخيَّة للحزبِ وصفَّى الكادر الثَّاني والثَّالث ليُهيِّئالأَرضيَّة لصهرهِ الذي لم ينتمِ في يومٍ من الأَيَّامِ إِلى الحزبِ ليتسلسلَ في قيادتهِ حسبَ الأُصول الحزبيَّة المرعيَّة ولم يلتقِ في يومٍ من الأَيَّام بأَيٍّ من مُؤَسِّسي ورموز الحزب.

       فضلاً عن الأَحزاب الكُرديَّة العريقة وعددٍ آخرَ من [الأَحزاب] و [التيَّارات] الشيعيَّة والسُّنيَّة التي كرَّست وتُكرِّس مفهُوم [الأُسرة الحاكِمة] بِلا مُنازعٍ أَو جِدالٍ.

       وبرأيي فإِنَّ الأَسباب تعودُ إِلى ما يلي؛

       ١/ طبيعة النِّظام السِّياسي القائم منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣، فهوَ نظامٌ يعتمدُ على المُحاصصةِ وتقاسُمِ السُّلطةِ والنُّفوذ ولا علاقةَ لهُ بفكرةِ تأسيس الدَّولة التي تتناقض معفكرةِ تشكيلِ الكانتونات التي تُؤسِّس لها المُحاصصة، ولذلكَ يبذِلُ كلَّ حزبٍ من أَحزاب السُّلطة أَقصى جهودهِ من أَجلِ حمايةِ نفوذهِ في السُّلطةِ وهو الأَمرُ الذي يتطلَّب أَنيتَّكئَ على معيارِ الأُسرةِ والعشيرةِ [العصبيَّة]  ويغضِّ النَّظرِ عن المعايير الحضاريَّة الحقيقيَّةِ كالخبرةِ والكفاءةِ والقُدرة ِعلى الإِنجازِ والنَّزاهةِ وغيرِها من المعايير التيتأخذ بها الأَحزاب السياسيَّة في الدُّول النَّاجحة.

       إِنَّها تحتاجُ إِلى معيارٍ واحدٍ فقط لحمايةِ سُلطتها ودَيمومةِ نفُوذِها والذي يتمثَّل بالولاءِ للزَّعيمِ فقط والذي تصنعهُ [العصبيَّة] التي تُنتجها العشيرة والأُسرة! وهوَ الأَمرُالذي اعتمدهُ الطَّاغيةِ الذَّليل صدَّام حسين الذي لخَّص [حزب البعث العربي الإِشتراكي] القَومي إِلى حفنةٍ من عصابةٍ تعتمد [العصبيَّة القبليَّة] فحسب!.

       والمُحاصصة كما نعرِف بدأَت بالمكوِّنات الثَّلاثة [الشِّيعة والسنَّة والكُرد] ولذلك فعندما جرت أَوَّل [٣] إِنتخابات بعد التَّغيير جرى التَّنافس بين ثلاث قوائِم فقط تُمثِّلالمُكوِّنات الثَّلاثة المُشار إِليها، لتنشطرَ المُحاصصة على نفسِها إِلى جُزيآتٍ مجهريَّةٍ مُتناثِرةٍ حتَّى وصلت إِلى أَن تتبنَّى معيار الأُسرة والعشيرة فقط.

       وهذا ينطبقُ على ممثِّلي المُكوِّنات الثَّلاثة في العمليَّةِ السياسيَّةِ.

       ٢/ كما أَنَّ طبيعة النِّظام السِّياسي المُكوِّناتي القائم على نظريَّة [الحماية الذاتيَّة] و [الدِّفاع عن النَّفس] من خلالِ خلقِ [الأَعداء الوهميِّين] المُتربِّصين باستمرارِ بالمُكوِّنِوحقُوقهِ الَّذينَ يتشكَّلونَ من المُكوِّنات الأُخرى أَو من خارجِ الحدُودِ من الذين يتآمرونَ على المُكوِّن لإِزاحتهِ عن السُّلطةِ، إِنَّ كُلَّ ذلكَ خلقَ جوّاً عامّاً يُعشعِش في مشاعرِونفوسِ وعقُولِ المُواطنينَ يحولُ بينهُم وبينَ إِعتمادِ معيارِ المُواطنةِ في أَيِّ مشروعٍ سياسيٍّ، لدرجةِ أَنَّ الأَغلبيَّة يعتبرُونَ أَنَّ بذلَ مثل هذا الجُهدِ الوطني بحدِّ ذاتهِ بمثابةِالمُؤَامرةِ على المُكوِّن لا ينبغي أَن يتورَّطَ فيهِ أَحدٌ حريصٌ على حقوقِ مُكوِّنهِ.

       لذلكَ نُلاحظ أَنَّنا بإِزاء التَّصعيد في وتيرةِ الخطابِ العُنصري والطَّائفي كُلَّما اقتربنا من إِستحقاقٍ إِنتخابيٍّ ما. 

       ٣/ إِنَّ الأَحزاب السياسيَّة العريقة التي استلمت السُّلطة من الغازي المُحتل بعدَ التَّغيير ولحدِّ الآن تمتلك كُلَّ أَدوات الدَّيمومة والسَّطوة كالمالِ والإِعلامِ والسِّلاح والعِلاقاتِالإِقليميَّة والدوليَّة فضلاً عن السُّلطةِ ونفوذِها وامتيازاتِها، ولذلكَ فمن الصَّعبِ جدّاً أَن تُنافسها الأَحزاب والتيَّارات النَّاشِئة التي لا تمتلك شيئاً من كُلِّ الأَدوات الواردةالذِّكر.

       خاصَّةً وأَنَّ تجربة [المُستقلِّينَ] في الإِنتخاباتِ النيابيَّةِ الأَخيرةِ ونوَّابهم تحتَ قُبَّة البرلمان، الفاشِلة والبائِسة، تحوَّلت للأَسفِ الشَّديد إِلى مصدرِ إِحباطٍ وعاملَ يأسٍللشَّارع والرَّأي العام عموماً وللزَّعامات النَّاشئة التي قد تُفكِّر بالمُبادرةِ لتغييرِ المُعادلةِ.

       ٤/ المُلفت للنَّظر بهذا الصَّدد هو أَنَّهُ حتَّى القُوى والأَحزاب السياسيَّة النَّاشئة التي ولدت في السَّاحةِ خلال السَّنوات القليلة الأَخيرة لم تعتمِد معيار [المُواطنة] ولذلكَظلَّت تحتفِظ بالهويَّات الثانويَّة [الدِّين والمذهب والإِثنيَّة] بدلاً عن الهويَّةِ الوطنيَّةِ لتتمكَّنَ من عبورِ الإِنتماءاتِ بمُختلفِ مسمَّياتها.

       هذا على الرَّغمِ من أَنَّها تنتقد وبشدَّة كُلَّ المعايير الثانويَّة في العملِ الحزبي والسِّياسي وهيَ تعتبر ذلكَ السَّبب المُباشر لتكريسِ الإِنقساماتِ [المُكوِّناتيَّة] في المُجتمعِوفي العمليَّةِ السياسيَّةِ! إِلَّا أَنَّها تورَّطت في منهجيَّتها بما تورَّطت بهِ الأَحزاب العريقة مِن قبلُ!.

       ٥/ ولا ننسى بهذا الصَّدد كَون المُجتمع العراقي عشائري وأُسري أَكثر من كونهِ مدنيّاً، وهو الأَمرُ الذي يُساعدُ ويشجِّعُ على تكريسِ مفهومِ ومعيارِ [الأُسرةِ الحاكمةِ] في العملِ السِّياسي والحياةِ الحزبيَّة، ولذلكَ تُلاحظ مثلاً أَنَّ أَوَّل مَن لجأَ إِليهِ [الأَمين العام] ليأخُذَ منهُ البيعةَ لصهرهِ [إِبن صخيل] هو عشيرتهِ التي وعدتهُ ببذلِ الغاليوالنَّفيس لتمكينهِ والوقوفِ خلفهِ! وليسَ المُؤتمر العام أَو الشُّورى العامَّة للحزبِ!.

       ٢٠٢٣/١٠/١٨
    لصحيفةِ [الزَّمان] 

                                              لِلتَّواصُل؛

    Instagram; @nazarhaidariq
    www.tiktok.com/@nhiraq
    ‏Telegram CH; https://t.me/+5zUAr3vayv44M2Vh
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Skype: live:nahaidar
    ‏Twitter: @NazarHaidar5
    ‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920
    Viber CH; https://invite.viber.com/?g2=AQAH50yHwKvWGlF3NiKuTBXN4cfcZJm1jGzkFU0bzlIanIjLkrUwc6lrqTlj3cHF

    *للإِطِّلاع على نصِّ التَّقرير يُرجى زيارةِ الرَّابط التَّالي؛
    https://www.azzaman.com/wp-content/uploads/file-manager/commonfolder/today/p1.pdf?p=0.8718710534324823

    استطلاع(الزمان):سياسيون وخبراء يؤكدون وجود فرصة لولادة أحزاب عراقية عابرة للطائفية
    https://www.azzaman.com/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%85%d8%a7%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d9%88%d9%86-%d9%88%d8%ae%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d9%8a%d8%a4%d9%83%d8%af%d9%88%d9%86/

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media