د. صفاء هاشم
في لقاء لمراسل CNN مع لاجئ فلسطيني في مخيم شاتيلا المأساوي الصيت في لبنان قال الرجل الستيني يبدو ان قلوب العالم من حجر وهميرون معاناتنا والاجرام الاسرائيلي لعقود دون ان يفعلوا شيئاً. هو مصيب في كلامه ولكن حينما سُئل ان كان يقبل بالتعايش السلمي مع اسرائيلكدولة جارة لدولة فلسطينية تعترف بها كل الدول العربية اجاب بالرفض وبرر ذلك بعدم ثقته بالصهاينة دون ان يعطي حلاً بديلاً وكأن الحل البديل هوالقضاء عليهم ورميهم في البحر كما هدفت حربي ١٩٤٨ و ١٩٦٧ التي شنها العرب بتشجيع من الاتحاد السوفيتي المنحل وكلنا نعرف نتيجة ذلكوتبعاتها الى يومنا هذا. وهذا الموقف العدائي المستمر لاسرائيل يكاد يكون نموذجاً ليس فقط لهذا اللاجئ المظلوم بل يتعداه الى مثقفين عرب بمافيهم رجال اعمال ومهنيين في الغرب طالما يشجعون عن بعد الفلسطينيين على المقاومة المسلحة في الوقت الذي هم يعيشون مرفهين في دول يعلمونجيداً مدى ارتباطها باسرائيل! وفي الوقت الذي اتفهم بعض تلك المواقف العدائية واسبابها الا اني ايضاً ارى في ذلك نموذجاً للتفكير الجمعي الذيورثناها والذي لا يخلوا من ازدواجية افرزتها القضية الفلسطينية على غالبية المجتمعات العربية والاسلامية سواءً بخلفيات دينية او علمانية (يساريةوليبرالية) وعادةً بدوافع الكره المقدس لليهود او الكره السياسي لامريكا وانا هنا طبعاً لا اغفل الكره المقدس للمسلمين والاطماع الصهيونيية! ومرةاخرى هؤلاء المثقفين مثلهم مثل الرجل المظلوم ليس في جعبتهم اقتراح لحل محنة الشعب الفلسطيني حتى ان احدهم من اصدقائي في اوربا قالمازحاً لا بأس ان ننتظر لمئة سنة اخرى كي يعود الاسرائيليين من حيث اتوا تماما كما حصل للاحتلال الصليبي للقدس! ان اعطاء القضية طابعديني ومنذ الاربعينات إبتداءً من وقوف مفتي القدس مع هتلر وموسيليني وحاضراً دور ملالي ايران وجماعة الاخوان اللذين اساءوا للقضيةلفلسطينية وساهموا في بشكل غير مباشر بتمدد الكيان الصهيوني واستمرار معاناة الفلسطينيين. وهناك من يفسر مغامرة حماس الاسلاميةالاخيرة كان بتوجيه ايراني هدفها اجهاض التفاهمات السعودية/الاسرائيلية الاخيرة لتطبيع العلاقات ومناقشة حل الدولتين. والذي لا يدركه المثقفالعربي هو عمق درجة الترابط العضوي بين الغرب واسرائيل. ومن تجربتي في العيش ببريطانيا فان دولة اسرائيل جزئ لايتحزأ من سياستهموثقافتهم واقتصادهم وقوتهم العسكرية في الشرق الاوسط على الاقل على المستوى الحكومي ومن الغباء ان يأمل البعض او يسعى لمحاربتهاوالقضاء عليها. وعليه لا بديل للسعي السلمي بحل الدولتين الذي يتطلب ضغطاً امريكيا واوربيا على اسرائيل للقبول بذلك رغم اطماعها الدينيةوالصهيونية كما انها ربما احوج للسلام من اي وقت مضى وهي تعيش دوامة الفعل ورد الفعل وعدم الاستقرار والامان. كذلك فأن على مجتمعالشرق الاوسط وشمال افريقيا ان يكون اكثر موضوعية في تعامله مع القضية الفلسطينية وبعيداً عن العنتريات الفارغة التي عهدناها من جمال عبدالناصر وصدام حسين ومؤخراً علي خامنئي. ورغم ما آلت اليه الامور في غزة مؤخراً فربما الفرصة لازالت مؤاتية لاحياء حل الدولتين وهذا ليسبمستحيل ولكن ذلك يتطلب من العرب والمسلمين الشجاعة في قبول ثلاث امور اساسية:
اولاً ان دولة اسرائيل اصبحت امراً واقعاً رغم انها قامت على اسس غير مشروعة الا انها تحظى باعتراف دولي واسع خصوصاً من قبل جميع الدولالعظمى.
ثانياً ان المقاومة المسلحة اثبتت فشلها منذ ١٩٤٨ والضحية الاكبر فيها في كل مرة الشعب الفلسطيني. ولايمكن رمي كل معاناته على اسرائيلفالقيادات العربية والاسلامية تتحمل جزئ كبير من ذلك.
ثالثاً ان القضبة الفلسطينية انسانية اكثر من كونها اسلامية او قومية وتحظى بتأييد عالمي كبير وان الشعب الفلطسيني في داخل وخارج فلسطيناقوى بكثير مما يتصور البعض ولايمكن اختصارهم بحماس ولا بمنظمة التحرير.
وبناء على المبادئ اعلاه فالخطوط العامة من وجهة نظري المتواضعة لحل الدولتين كما يلي:-
١.إضافةً لمصر والاردن والمغرب وتركيا والامارات وغيرها على الدول الدول العربية والاسلامية الاخرى الاعتراف بدولة اسرائيل واقامة علاقاتدبلوماسية وثقافية واقتصادية معها.
٢.اعتراف اسرائيل بدولة فلسطينية علمانية (علمانية) على اراضي الضفة بما فيها القدس الشرقية (ليس كعاصمة) والقطاع وربطهما بطرقمواصلات فعالة مع ازالة المستوطنات بشكل تدريجي.
اما عنجهية اسرائيل المعروفة بخصوص قبول تلك التفاصيل فانها مرهونة بامرين اولهما تطبيع علاقات الدول العربية معها ثانياً ان لايكون لدولةفلسطين جيش في المستقبل المنظور وتكون تحت حماية دول عربية. وقد يتسائل البعض كيف يمكن ان نثق باسرائيل واطماعها التوسعية واحترامهاللمواثيق الدولية والجواب على ذلك بضمانات دولية وضغط غربي خصوصا والغرب هو من صنعها ويواجه احتجاجات واسعة من شعوب العالموشعوبه تقف الى جانب الشعب الفلسطيني وتشجب اسرائيل. كما ان هناك الامثلة كثيرة لتسويات دولية معقدة ولا تسودها الثقةً سواءً بعد الحرب العالمية الثانية او حديثاً وما اتفاق كامب ديفد بين السادات واسرائيل وكذلك التعايش السلمي بين البيض والسود في جنوب افريقيا الذي حققه نلسن منديلا ومؤخراً نشأة دولة البوسنة والهرسك وتنظيم علاقتها من صربيا بعد انهيار يوغسلافيا الا امثلة على ذلك. ومرة اخرى لابد من تغيير النفوس والمواقف اتجاه القضية الفلسطينية بعيداً عن هستيريا التخوين والايدلوجيات الدينية التي اثبتت الاحداث المتتالية فشلها على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.