المرحلة الثانية : بعد مرحلة اللقاءات بين الصهاينة العرب والصهاينة ممثلة بالكيان والتي شرحناها في الجزء الأول من مقالنا تأتي هذه المرحلة في تطور تيار" الصهاينة العرب" والتي حدثت قبل حوالي عقد ونصف، وبالتحديد مع بروز تيار المقاومة الإسلامية ووصل حماس إلى سدة الحكم في غزة عام(2006)، وكذلك بروز حزب الله اللبناني وكذلك المقاومة الإسلامية في العراق، والتي بالتحديد بروز حركة حماس، والتي كانت تمثل نقطة تحول في مجرى الأحداث، والتي لم تكن على هوى هؤلاء "الصهاينة العرب" والذين كانوا يراهنون على سقوط خيار المقاومة في فلسطين وباقي دول محور المقاومة، ومن هنا ليس من الغريب أو التعجب من انتقاد هؤلاء المتصهينين الانتفاضة الثانية التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2000، ليعتبروها غير ذات جدوى، وأنها تضر بالشعب الفلسطيني ولا تقدم له أي شيء يذكر. وفي كل مرَّة كانت تحدث فيها مواجهة مع العدو الإسرائيلي، كان كثيرون من هؤلاء يَنْبَرون لانتقاد المقاومة، وتسفيه عملياتها، باعتبارها لا تنجز شيئًا.
وقد بدا واضحاً خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام(2006)، والتي قام الكثير من الحكام العرب الخونة وفي مقدمتهم آل سعود، حيث كان واضحاً في موقف كل من مصر والسعودية الرسمي التي وصف وزير خارجيتها عملية خطف الجنديين (عندما كان قتلهم في الهجوم غير معلوم) «بالمغامرات غير المسؤولة» وكانت السعودية ومصر قد أصدرت بيانا هاجمت فيه ما سمته «عناصر لبنانية» بسبب ما اعتبرته «مغامرة غير محسوبة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية».
وقد صرح السيد حسن نصرالله (أمين عام ما يسمى بحزب الله) بتصريحات ، إذ قال مؤخرا " السعودية هي التي قتلتنا في حرب تموز، وهي المسؤولة عن كل القتل في المنطقة " حتى أن قرار دول مجلس التعاون الخليجي تصنيف حزب الله منظمة إرهابية. وقد أيد ذلك مجلس الوزراء السعودي في قرار له 7 مارس/آذار عام(2016)، لتصدر وزارة الداخلية السعودية في 14 مارس/آذار من العام نفسه، تحذر من التعامل مع حزب الله بأي شكل كان، وتقول في بيان إن كل مواطن أو مقيم يؤيد أو يظهر الانتماء إلى الحزب فإن السلطات ستتخذ بحقه عقوبات مشددة، ويؤكد البيان أن من يتعاطف مع ذلك الحزب أو يروج له أو يتبرع له أو يتواصل معه أو يؤوي أو يتستر على من ينتمي إليه، سيطبق بحقه نظام جرائم الإرهاب وتمويله، وهذا كان غيض وحتى علماء الجهل والتخلف من مشايخ الوهابية السعوديين قد أصدروا فتاوي بتحريم التعامل مع الحزب والرافضة ككل، ليقول السيد حسن نصر الله في 10 نوفمبر/تشرين الثاني: " يقول في كلمة له إن السعودية طلبت من إسرائيل ضرب لبنان ".
ونفس الشيء حدث وعلى غزة أعوام: (2008 و2012 و2014، و2021)وكان هذا التيار المتصهين مدعوم من قبل الخارج والداخل سواء من أمريكا والغرب والصهاينة وحتى في الداخل من قبل الحكومات العربية الخائنة ، والتي كانت تعمل ليل نهار من أجل دعم هذا التيار بالمال وبكل شيء وتقديم كل التسهيلات والدعم هذا التيار المجرم من أعلام ومال، وكان رجال المال والأعمال هم من أول يقدمون الدعم لهذا التيار بل هم من الفاعلين في تيار " الصهاينة العرب " ومن هؤلاء الملياردير الإماراتي(محمد العبار)، وقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن قيام رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار بتقديم تبرعات "سخية" لأحد مشاريع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، عبر تقديم مساعدات إلى آلاف الأسر الإسرائيلية التي تعاني من الجوع والعوز.
وأوضح موقع كلكالست (calcalist) الاقتصادي أن مؤتمر المبادرة الوطنية للأمن الغذائي في تل أبيب كشف لأول مرة عن المانحين الخمسة الذين موّلوا مساعدات لآلاف العائلات الجائعة، بقيمة 550 مليون شيكل (أكثر من 170 مليون دولار).
وأضاف الموقع أن المساعدات قُدمت للمشروع على مدى 18 سنة الماضية، مشيرا إلى أن المساعدات كانت تقدم سرا إلى الأسر الإسرائيلية، و كان العبار أثار جدلا في كلمة له خلال المؤتمر الاقتصادي الإماراتي الإسرائيلي، الذي عُقد على هامش مؤتمر "جيتكس"، حين قال إنه يبحث عن علاقات عائلية قبل العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
وأضاف العبار (في المؤتمر)أن "الأعمال التجارية مع إسرائيل ستأتي حتمًا، لكن أنا أتحدث عن زيارتكم لوالدتي وزيارتي لوالدتك الإسرائيلية، وأن يتواصل أبناؤنا مع بعض".
وهذا المأفون الملياردير الإماراتي محمد العبار هو المؤسس الفعلي لأول كنيس يهودي في الخليج وحلقة الوصل بين الإمارات والاحتلال، وهذه كلها تدخل في خانة اخر انجازات " عيال زايد ". ونفس ينطبق على عربان الخليج كلهم وكذلك الأردن والمغرب وباقي دول الخيانة المطبعة مع الكيان الصهيوني، وهذا عينة بسيطة جداً من وجود أمثال هؤلاء الصهاينة العرب المجرمين.
لذلك ومن بعد هذا الخنوع والذلة والخيانة كان من المنطق بعد صمود المقاومة الفلسطينية وأدائها العسكري النوعي طوال الأسابيع الماضية، ما أحيا فكرة المقاومة من جديد، ودفع بالقضية الفلسطينية مجددًا إلى مركز الاهتمام العربي والعالمي.
المرحلة الثالثة : لنصل هذه المرحلة والتي تمثل سقوط ورقة التوت والتي كانت تستر عورات هؤلاء " الصهاينة العرب "، وهي مرحلة: "الجهر بالسوء من القول"، والتي لا ينتقد فيها هؤلاء المقاومة فحسب، بل الدفاع عن الكيان الصهيوني، والأخطر هو تبني خطاب هذا الكيان اللقيط نفسه تجاه المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، حيث يعتبرونه إرهاباً يجب القضاء عليه وعلى محور المقاومة عموماً، ويتبنون موقف نزع سلاح المقاومة وبدون أي خجل أو حياء(والتي كان يعبرون عن تلك المواقف سراً وعلى استحياء)، ولكن الآن أصبحوا أكثر جرأة وصلافة في التعبير عن تلك الأفكار الضالة والمجرمة وانحيازهم للصهاينة وبكل وقاحة. ولعل الخطر في هذا الأمر هو بث سموم تلك الخطابات و وأفكارهم بين قطاعات شعبية لا بأس بها، مستفيدين، في ذلك، من حالة النكوص التي يعيشها "الربيع العربي" وعملية خلط الأوراق التي تجري بين المقاومة المشروعة والإرهاب من جهة، وبين سيطرتهم ومن يدعمونهم على وسائل الإعلام من جهة أخرى.
لتكشف الحرب الحالية التي تجري في غزة الصمود، أن ظاهرة " الصهاينة العرب " هي ليست أمر طارئ، أو أمر مؤقت، والذي سوف ينتهي عندما تضع الحرب أوزارها، بل هو تيار ينمو ويترعرع بيننا، وكل يوم يزداد قوة و ويزداد قوة وحضورًا وتأثيرًا، وهو ما يتطلب عدم الاستخفاف به أو التقليل من تأثيره، ولو تتبعنا مسار هذا التيار واستقراؤه يتضح أن هذا التيار المتصهين هو مسار ونتيجة عملية منهجية ومدروسة وبتنظيم دقيق جداً وعالي الحرفية، والتي يتم رعايتها وكما قلنا من قبل من الخارج والداخل ومن جهات(رسمية وغير رسمية) وأطراف عدة، الهدف الأساسي هو تزييف الوقائع والأهم الوعي، وقلب الحقائق، وإنهاء الصراع مع إسرائيل شعبيًا، بعد أن انتهى رسميًا.
ليأتي اليوم الذي يطالب هؤلاء الصهاينة العرب حكوماتهم الخائنة وبالمكشوف وعلى العلن بالقتال جنبًا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وهو ما يجب عدم استبعاده أو الاستخفاف به مطلقًا... وهذا اليوم وباعتقادي ليس ببعيد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.