القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٣
    الأحد 12 فبراير / شباط 2023 - 18:11
    ضياء الشكرجي
    محلل سياسي وكاتب في الشؤون الإسلامية
    إِنَّ المُنافِقين يُّخادِعونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُم وَإِذا قاموا إِلَى الصَّلاةِ قاموا كُسالى يُراؤونَ النّاسَ وَلا يَذكُرونَ اللهَ إِلّا قَليلًا (١٤٢) مُّذَبذَبينَ بَينَ ذالِكَ لا إِلى هـاـؤُلاءِ وَلا إِلى هـاـؤُلاءِ وَمَن يُّضلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُو سَبيلًا (١٤٣)

    المنافقون الذين يذكرهم القرآن، على أنواع، فمنهم منافقون حقا، لأنهم رأوا في الإسلام، بعدما قويت شوكته، لأنفسهم مصالح مادية ومعنوية، دون أن يكونوا قد اقتنعوا به في داخلهم، ومنهم من تظاهر بالإيمان بالإسلام اتقاءَ سطوة المسلمين المتعصبين لدينهم، وحفظا لحياتهم، أو درءً عن أنفسهم الحرج الشديد، الذي لا يُتحمَّل عادة، أو الذي لم يكونوا هم ليتحملوه. والذين اختاروا (النفاق) من غير اضطرار، أو (التقية) مضطرين، بإظهار خلاف ما يضمرون من عقيدة، من الطبيعي إنهم عندما يقومون للصلاة مع بقية المسلمين، وهم غير مقتنعين بها، لا يمكن أن ينتظر منهم أن يقوموا إليها بحماس وشوق، بل سيقومون إليها مترددين، وكسالى كما تصف الآية، لأنهم يفعلون شيئا هم غير مقتنعين به، وبالتالي لا تراهم يلهجون بذكر الله بالتسبيح والحمد والشكر والاستغفار، كما يفعل المسلمون، بما علمهم نبيهم. أما تذبذبهم بين المسلمين الذين أصبحوا جزءً منهم من الناحية الاجتماعية دون الناحية الروحية، وبين قومهم الذين بقوا على شركهم، أو على أي عقيدة كانوا عليها، ولم يلتحقوا بالمسلمين، لعدم اقتناعهم بالإسلام، أو لأنهم رأوا في الإسلام ضررا لمصالحهم. والتذبذب طبيعي لهؤلاء، كونهم لم يستطيعوا أن يُجروا القطيعة الكلية مع قومهم، بما في ذلك قطيعة المشاعر من مودة وحسن معاشرة، وذكريا عمر.

    يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ أَتُريدونَ أَن تَجعَلوا للهِ عَلَيكُم سُلطانًا مُّبينًا (١٤٤)

    وتأتي هذه الآية مكملة لما قبلها بنهي المسلمين من اتخاذ غير المسلمين، الذي يسميهم القرآن بالكافرين، أي غير المؤمنين بالإسلام تحديدا، أن يتخذوا منهم أولياء، مهما كانت العلاقة وثيقة بينهم، كأن يكونوا من ذوي قرباهم، أو من أصدقائهم قبل الإسلام. قد يبرر هذا النهي عندما يفهم التولي ليس على نحو الصداقة وحسب، بل عندما يشمل التناصر، وهنا يمكن التفهم لذلك، لأن التناصر قد يكون مما يضعف الدين الجديد، أو يمرر التآمر عليه. وإلا فإذا أصر بعض المسلمين على ما يعتبره مؤسس الإسلام توليا للكافرين، فسيكون لله عليهم سلطان مبين، دون أن توضح الآية ماهية هذا السلطان الإلهي المبين، لكن يمكن أن يفهم منه أمران، إذا ما ضمت إليه الآايات القرآنية الأخرى ذات العلاقة، وهو إما بما سيسلط الله المسلمين على (الكافرين)، بقتلهم أو نفيهم أو إجبارهم على اعتناق الإسلام، ولو من غير قناعة، وإما بما سيستحقونه من عذاب شديد أبدي في نار جهنم في الحياة بعد هذه الحياة.

    إِنَّ المُنافِقينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُم نَصيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذينَ تابوا وَأَصلَحوا وَاعتَصَموا بِاللهِ وَأَخلَصوا دينَهُم للهِ فَأُلـاـئِكَ مَعَ المُؤمِنينَ وَسَوفَ يُؤتِي اللهُ المُؤمِنينَ أَجرًا عَظيمًا (١٤٦)

    هذه الآية تقرر إن المنافقين سينالون من العذاب الأخروي، ما هو أشد من عذاب سائر الكافرين، أي المعلنين عدم إيمانه بالإسلام، فالدرك الأسفل من النار، أي الطابق السفلي من الجحيم، يمثل العذاب الذي يكون على أشده وأوجعه وأخزاه. ثم تستثني الآية من هذا الوعيد الذين تابوا من المنافقين. الغريب إن الآية تسمي الاقتناع لاحقا بالإسلام توبة، فالاقتناع وعدم الاقتناع ليسا بفعلين إراديين، ليكون الإقلاع عن الفعل السيئ والتحول إلى الفعل الحسن توبة، لكن الآية تعتبرهم تائبين، عندما يقتنعون لاحقا بهذا الدين، ويخلصون دينهم هذا، الذي هو الإسلام، أن يخلصوه لله، فمن الطبيعي أن يكون حالهم عندئذ حال بقية الملتحقين بركب الإسلام والطاعة المطلقة لنبي المسلمين، باعتبارها طاعة في طول طاعة الله، وطاعة من طاعة الله، وهذا صحيح تماما، إذا اعتبرنا مؤسس الإسلام حقا نبي الله ورسوله الذي «لا يَنطِقُ عَنِ الهَوى إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يّوحى».

    ما يَفعَلُ اللهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكانَ اللهُ شاكِرًا عَليمًا (١٤٧)

    فعلا إن الله يتعالى عن أن يشتهي تعذيب خلقه بلا مبرر، والآية تجعل شرط درء العذاب عن الإنسان، أن يكون مؤمنا، والإيمان بالله لا يكون إيمانا حسب القرآن، ما لم يكن مقترنا بالإيمان بالإسلام، ومن ثم ألا يكتفي بمجرد الإيمان، بل أن يكون شاكرا لله، معبرا عن شكره بالقول والشعور والفعل، بما في ذلك بالعبادة، التي لا تكون إلا وفق ما شرعه مؤسس الإسلام، حيث لا تقبل غيرها، والالتزام التم بشريعة الإسلام، بالإتيان بما أوجبه، والنتهاء عما حرّمه. والصحيح أن يقال «ما يَفعَلُ اللهُ بِعَذابِكُم إِنِ استَقَمتُم وَصَلُحتُم»، بل «ما يَفعَلُ اللهُ بِعَذابِكُم إِلَّم تَفعلوا سوءً وَّلَم تَظلِموا أَحَدًا، آمَنتُم بِما آمَنتُم أَو لَم تُؤمِنوا بِما لَم تُؤمِنوا بِهِ»، بل يمتنع العدل الإلهي عن تعذيب حتى المسيئين، إذا علم عنهم أنهم كانوا مجبَرين، وإنما عملوا السيئات من غير اختيارهم، لكن من توجه إليه سوء أعمالهم، هم الذين سيستحقون التعويض عما أصابهم، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا شامّة شمّت، ولا ذائقة ذاقت، ولا لامسة لمست، ولا شاعرة شعرت أو واعية وعت.

     
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media