إنتقام الأرض منا!!
    الأثنين 13 فبراير / شباط 2023 - 06:40
    د. صادق السامرائي
    الأرض موجوعة بأبنائها ومفجوعة بخلقها , وهي كائن كوني حي له مزاجه وقدراته الدفاعية وطاقاته التدميرية العلنية والخفية , ولا يمكن للأرض أن تقبل بما يتحقق على ظهرها من التفاعلات المشينة , التي تخزيها وتهينها أمام الأحياء الكونية الأخرى.
    فالأرض تبدو وكأنها تعد العدة للدفاع عن نفسها وتحرير ترابها من طاقات الشرور والبغضاء والكراهية , وهي غاضبة وحزينة وتكظم ما فيها من النوازع والدوافع , التي لو أطلقتها لحطمت النسبة العظمى مما عليها من الموجودات.
    والأرض ليست غبية , وإنما تتمتع بذكاء فائق وتعرف قوانين كينونتها ومعايير صيرورتها , ومنطلقات تفاعلها مع غيرها من الكائنات والمجموعات والكواكب الدوارة المأسورة بمداراتها وآليات جذبها وتنافرها , وموازين كونيتها التي تؤمّن ديموتها ونجاتها من آفات الإلتهام الكوني اللهاب.
    وعليه فالأرض تبدو وكأنها تريد أن توقف البشر عند حده , وتعلمه ضرورات التعايش التفاعلي الخالي من الصراعات المهينة وسفك الدماء الذي كرهه التراب , ومضى يشتكي لأمه الأرض من إختناقه بما يتدفق من عروق الأبرياء والمساكين من الخلق المرهون به.
    ولهذا فربما تعد الأرض عدتها لتطهير ظهرها من أسباب الموبقات ومفردات الآهات , وهي أقدر من جميع مخلوقاتها على القيام بفعلها الرجيم , ويتضح مما يتحقق أن الأرض ربما ستطلق ذخيرتها اللامرئية ذات الطبائع المايكروبية , التي ستحصد الخلق وتحيل الوجود الدنيوي إلى خواء.
    فبرغم التقدم العلمي وتوهم البشر بأنه القادر على السيطرة على الأوبئة والأمراض السارية والمعدية , لكن الأرض تأبي أن تذعن لإرادته , وتسعى لسيادة إرادتها والمحافظة على توازن ما عليها , فقدراتها محدودة , ولا طاقة لها بهذه الأعداد الغفيرة من المخلوقات , ولا بد لها من إعادة قوانين توازنها وتفعيلها بقوة وإرادة راسخة لكي تحافظ على بقائها , فالموضوع ما عاد يقبل التأخير أو التريث , لأن البشر صار قادرا على تدمير الأرض وتحويلها إلى ذرات غبارية , وطعما لأجرام سماوية أخرى تبحث عن الطاقة اللازمة للحفاظ على مناهج الدوران , والأرض تكنز طاقات كبيرة , ولهذا فهي الهدف السمين والمغنم الثمين , ولن تسمح لمن فيها أن يقدمها على طبق من ذهب للآخرين , ولهذا فهي في مرحلة التحضير للإجهاز على بشرها العدواني الذي لا يحترمها ولا يشكرها ولا يعزها , بل يتمادى في غيه وتجاهله لما يسببه لها من أخطار وويلات جسام.
    وإن لم يتعظ البشر فالأرض ستمتشق أعاجيب ما فيها وتطمر مَن عليها , وستأنس بوحدتها بإنتظار خلق جديد يولد من بين ظهرانيتها , ويمضي في رحلة الدوران الصيروراتي البعيد.

    د-صادق السامرائي

    *هذه المقالة مكتوبة في هذا التاريخ 2862017 ومنشورة في عدد من المواقع في حينها , وهي قراءة لطبائع السلوك الأرضي.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media