ينما أتأمل خريطة العالم العربي
    الخميس 16 فبراير / شباط 2023 - 20:02
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    يُعدُّ العالم العربي، أو «الوطن العربي» كما يُسمِّيه القوميون، وحدة جغرافية/سكانية غريبة، حسب كل المقاييس: فهو «عالم» بسبب ما يضمه من اختلاف وتنوُّعات، ناهيك عن عدم الاتساق والتجانس، كالسكان واللغة والدِّين؛ كما أنه يشكِّل وحدة لا يمكن نكرانها بسبب ما يضمه من عوامل تآلف وتناغم، تضاريسيًّا وسكانيًّا كذلك.
    وإذا ما حاول المرء إلقاء نظرة مسح شاملة على خريطة هذه الكتلة الجغرافية المتفرِّدة والمتنوِّعة التي نطلق عليها عنوان «العالم العربي»، تعسفًا، فإنه لا بُدَّ أن يلاحظ وجود تناقضات الكثافة السكانية المتوازية والمتآصرة مع التفاوتات التضاريسية، حيث تخلو مساحات الصحارى القاحلة العملاقة من السكان (باستثناء القليل من البدو الرحَّل)، خصوصًا عبر الإقليم الطولي الممتد من بادية السماوة جنوب العراق إلى صحراء الربع الخالي، جنوب شبه الجزيرة العربية باتجاه سلطنة عُمان. وعلى العكس من ذلك الخواء السكاني، تتركز تجمُّعات سكانية لا بأس بكثافتها قريبًا، على طول الشريط الساحلي للخليج العربي من البصرة حتى مسقط، حيث تزدهر الحواضر الجميلة بفضل الوفورات النقدية والأنشطة الاقتصادية التي أتاحها تصدير النفط والتي أدَّت دورًا جاذبًا للسكان (على اختلاف أعراقهم وأديانهم)، ومن جميع أرجاء العالم. وإذا كان الإقليم المتنوِّع أعلاه مصغرًا لحال العالم العربي عامة، فإن إقليم جنوب النيل (النيلين الأزرق والأبيض، عبر السودان) قد امتاز عن سواه من أقاليم شمال إفريقيا الجبلية الوعرة (سلسلتي الأطلس الشمالي والجنوبي) بوفورات مائية وثروات حيوانية كبيرة، فإن التنوُّع التضاريسي يستحيل تناقضًا مخلًّا وطاردًا للأنشطة السكانية. وإذا ما غطت مياه النيل هناك الحاجات الزراعية والرعوية على نحو كافٍ، فإن مياهه تأخذ بالنقصان كلما اتجهنا شمالًا، إذ تخفق (لولا السد العالي) في تحمُّل الأعباء السكانية عبر الشقيقة جمهورية مصر العربية، الأمر الذي يلقي الضوء على هجرة الأيادي العاملة من ضفتي هذا النهر العظيم إلى أقاليم الوفورات النفطية الممتدة ما بين بغداد والبصرة شمالًا إلى مسقط في سلطنة عمان جنوبًا.
    وعلى عكس الأقاليم الصحراوية الموحشة (أعظم صحارى العالم) عبر الصحراء الإفريقية الكبرى الممتدة جنوب سلاسل الأطلس الجبلية (المغرب والجزائر وليبيا)، إضافة على صحراء بادية الشام والعراق التي مرَّ ذكرها أعلاه، تمتد السهول والأودية الخضراء والغنَّاء بين النهرين العظيمين، دجلة والفرات، ناهيك عن الأشرطة الساحلية الخضراء الممتدة ما بين شمال سوريا (لواء الإسكندرونة) وعلى طول فلسطين، عبر لبنان، حيث يمكن رؤيتها عينيًّا من أعالي مصايف لبنان، مثل عالية وبحمدون باتجاه بيروت الجميلة الممتدة على سواحل البحر المتوسط، كما هي عليه الحال ذاتها في المدن الساحلية الأخرى مثل صور وطرابلس ومن فلسطين، من بين سواها. ولا ينبغي أن ننسى حواضر الشريط الساحلي عبر جنوب جزيرة العرب، من مسقط حتى عدن.
    هذا النوع من التنوُّع التضاريسي عبر العالم العربي يشكِّل تكاملًا هو الذي يبرر الدعوة المخلصة إلى التضامن القومي، بل وإلى «الوحدة»، خصوصًا وأن هذا الحلم القومي يتواءم مع لغة مشتركة، ويتناغم مع ثقافة متجانسة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها قط.

    أ.د. محمد الدعمي
    كاتب وباحث أكاديمي عراقي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media